• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
منذ ثانية واحدة

بقلم: سليم عزوز

لم يكن في نيتي "تقليب المواجع" بالتذكير بما جرى في 30 يونيو، لولا أن "المغفلين" خرجوا هذا العام بكثافة، لتحميل وزر ما جرى للسلطة التي تم الانقلاب عليها!

ربما أن الأمور لم تكن واضحة بشكل كامل كما هي الآن، فالسيسي الذي جرى تقديمه على أنه عبد الناصر الذي جاء على قدر ليستكمل مهمته القومية، تبين أنه لم يأخذ من ناصر إلا وجهه المستبد، فقد فرط في الأرض.. ثم إن يونيو هذا العام، جاءت وقد كفر العوام بها، والذين ظنوا أن تحت القبة شيخ، فإذا به سراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء، وعذرهم أنهم كانوا كالجائع الذي يحلم بسوق الخبز!

"العوام" هم أكثر استقامة ونبلاً من النخبة ومن القوى السياسية الفاشلة؛ التي استدعت العسكر للانقلاب على الرئيس المدني المنتخب، ربما لأنهم تصرفوا بحسن نية وسلامة طوية وصدقوا رطانة القوم وهم يخوفونهم من حكم المرشد، ومن أخونة الدولة، ومن ضياع هوية مصر (بالمناسبة ما هي هوية مصر التي خاف عليها القوم من الإخوان؟)، في حين أن النخبة ومن لحق بها من قوى الكفاح الفاشل، كانت تدرك ماذا تفعل، وكانت تعلم معنى الحضور العسكري، لا سيما وأن الاستدعاء لقائد عسكري هو الاختيار الحر المباشر لمبارك!

لقد أعاد القوم العزف على ذات "الأسطوانة المشروخة"، من حيث إعلانهم أن خروجهم في 30 حزيران/ يونيو هو ضد الحكم الذي أخطأ بهرولته إلى المسار السياسي قبل أن تستنفذ الثورة أغراضها، وأن الإخوان تحالفوا مع العسكر فوجب الخروج عليهم لاستكمال أهداف ومطالب الثورة، ثم أنهم ركبوا الثورة وكان لزاماً إنزالهم منها، وقبل هذا وبعده فقد باعوهم في "محمد محمود"، يوم التقى الجمعان وارتكب العسكر جريمة التصفية للشباب هناك، ثم أنهم وضعوا أيديهم في يد المتهم بالقيام بكشوف العذرية!

أخطاء الإخوان كتبت عنها في حينها، كما أني لا زلت أكتب عنها إلى الآن، وأرى أنهم لم يستمروا في النهج الثوري، فالعرق دساس والجماعة إصلاحية، لكن من كان منكم جيفارا فليقذف الإخوان بحجر؟!

قلت مبكراً إن مشكلة الثورة المصرية، تتلخص في أن من قاموا بها اصلاحيون ومن كل القوى، فلم يجرؤ تيار أو فصيل على أن يقدم برنامجاً ثورياً لإدارة الدولة بما في ذلك ائتلافات الوجاهة الاجتماعية، فالجميع ذهب للعسكر خماصاً وبطاناً، وشارك في إسباغ الشرعية الثورية على اختيارهم الهش، عندما أعلنوا أن عصام شرف هو رئيس الحكومة القادم من ميدان التحرير، بما هو معروف عنه من أنه قادم من لجنة السياسات، وقد انفردت بإعلان هذا، ولم أجد أحداً يؤوب معي!

ولم يوجد أحد من هؤلاء اعترض على تسليم مبارك السلطة للمجلس العسكري، بل إن هذه القوى أدخلت الغش والتدليس على الرأي العام بادعاء أن الجيش حمى الثورة، ومن ثم فإن استلامه للسلطة يأتي كاستحقاق ثوري لا خلاف عليه!

وفي القرار الأول للمجلس الأعلى للقوات المسلحة بعد استلام السلطة، كان بتشكيل لجنة لتعديل ثمانية مواد في الدستور، دون اعتراض يُذكر من أي فصيل من قوى الثورة. وكان معلوماً أنه سيتم اللجوء إلى الاستفتاء لإقرارها، كما كان معلوما أن بقاء العسكر في الحكم هو لفترة مؤقتة؛ أعلنوا أنها ستة شهور، يكون بعدها الدخول في انتخابات البرلمان والرئاسة. فلم يكن في الأمر مفاجأة ليتم اعتبار ذلك من أسباب انقلابهم على الإخوان؛ الذين لم يذهبوا للانتخابات وحدهم. وبالمناسبة، ما هي خطة الثوار الأبرار لمرحلة ما بعد الشهور الستة، ولم يستجب لها الإخوان؟ هل كانوا يعتقدون أن شغل الفراغ في السلطة يكون بالقرعة، أو عن طريق التعيين عبر وزارة القوى العاملة؟!

ثم نأتي إلى "بيت القصيد"، وهو التحالف مع العسكر.. فهل كانت القوى الثورية في الأصل ضد العسكر؟ وقد كانت ضيوفاً على موائده؟

ليس صحيحاً أن العسكر كانوا يحققون للإخوان ما يريدون بفضل التحالف معهم، والدليل هو حل البرلمان بقرار تخلق في رحم البطلان، ثم أنه ليس صحيحاً أن العسكر كانوا مع أن تكون نتيجة الاستفتاء على التعديلات الدستورية بنعم، غاية ما في الأمر أنه لم يكن قد مضى شهر على استلامهم للسلطة، ولم يكونوا يريدون الظهور بمبدأ المنحاز، فالثابت بعد ذلك أنهم مع أن يوضع الدستور وهم في الحكم ليرتب لهم موقعا في الدولة، وشاهدنا كيف أن من هم محسوبون على الثورة يتحدثون مبكراً على ضرورة وضع نص في الدستور الجديد بأن يكون الجيش هو الحامي للدولة المدنية، فمن كان يُمالئ العسكر وينافقهم ويتقرب إليهم بالنوافل؟!

إذا كان الرئيس محمد مرسي أخطأ باختياره من قام بكشوف العذرية وزيرا للدفاع، ووضع كل ثقته فيه، فهل الرد على هذا بالمطالبة بتدخل الوزير لإسقاط الرئيس واختياره رئيسا ترقية له، ليكونوا في حكم من نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا؟!

المؤسف أن من يحتكرون الحديث باسم ثورة يناير، يظهرون في حكم الضحية، واضطروا رغماً عنهم لاستدعاء كل زناة الليل وتمكينهم من الثورة، وكأننا أمام حالة من التبول اللاإرادي وقد تمكنت منهم، فلم يستطيعوا لها دفعا، ولم يكن في وسعهم التحكم في أعصابهم من التبول في ميادين الثورة.

إن التبول اللاإرادي حالة مرضية تستدعي العلاج، لا التغطية عليها بأسلوب الردح وفرش الملاية.

أضف تعليقك