• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
منذ ثانية واحدة

رسالة سابقة من أ.د. محمد بديع المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين

الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله ومن والاه، أما بعد..

فإننا نؤمن إيمانًا راسخًا أن هذا الدين العظيم ما جاء إلا لإسعاد البشر جميعًا في الدنيا والآخرة.. وذلك بهدايتهم وإصلاحهم وإرشادهم بنداء مباشر لأبينا آدم وذريته في كل مناحي الحياة (فَمَنْ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى) (طه: من الآية 123) رحمةً بهم، وعنايةً لهم من رب رحيم ودود كريم، يُخبر عن حكمة إرسال نبيه والمرسلين من قبله (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) (الأنبياء: من الآية 107) (وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا) (النور: من الآية 54).

ونؤمن كذلك أن هذا القرآن العظيم الذي هو آخر رسالة من رب العالمين إلى البشر قبل قيام الساعة؛ حيث قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "بعثت بين يدي الساعة" وجاء فيه (يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ) (الإسراء: من الآية 9) حتى إذا كنا على خير فسيهدينا إلى خير أكثر.. وإذا كانت أمورنا بالحق قائمة فسيهدينا للتي هي أقوم.. (وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى) (مريم: من الآية 76).. أما إذا كانت أحوالنا مضطربة وأمورنا مختلة وموازيننا مائلة، والشقاء والضنك يشيع في أنحاء الأرض، والفساد يضرب هنا وهناك والتعاسة وظلم الناس بعضهم لبعض، واستغلال القوى للضعيف، وجور الغني على الفقير، واضطراب الموازين والقيم، واشتعال الحروب، واستباحة الدماء والأعراض، وشيوع الجوع والخوف وفقدان الأمن (بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) (الروم: من الآية 41)، فلا مخرج ولا نجاة إلا باتباع منهج الله تعالى في إقامة الحق والعدل والخلق القويم.. (الر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ) (إبراهيم: 1) وأن اتباع البشرية لمنهج السماء سيعيد انسجام البشرية مع كون خاشع يسبح بحمد خالقه (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ) (الإسراء: من الآية 44) فيعود الأمن والطمأنينة، وتُصلح كل شئون الحياة (صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللَّهِ صِبْغَةً) (البقرة: من الآية 138).. (وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) (المائدة: من الآية 50).

وإننا لندرك إدراكًا يقينيًّا أن الإسلام هو دين الأنبياء جميعًا، من لدن آدم عليه السلام إلى نوح وإبراهيم وموسى وعيسى وغيرهم من المرسلين (شَرَعَ لَكُمْ مِنْ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ) (الشورى: 13) وأن صورته النهائية قد اكتملت ببعثة النبي الخاتم محمد صلى الله عليه وسلم (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِينًا) (المائدة: من الآية 3).

وكما أن للحق رجالاً يحبون الله وينتهجون منهجه ويطيعون رسله.. فللباطل على مدار التاريخ أذنابٌ يتبعون أهواءهم، ويحيدون عن منهج الله، ويحاربون شريعته، ويعادون أولياءه (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا) (الأنعام: من الآية 112).. (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنْ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا) (الفرقان: 31).

وقد حذرنا الله سبحانه وتعالى منذ بدء الخلقية من عدوٍ لدود يكره الخير لكل أبناء آدم حقدًا وحسدًا (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ) (فاطر: 6)، وأخبرنا سبحانه وتعالى- أن الصراع قائم منذ بدء الخليقة وإلى قيام الساعة بين الحق والباطل... بين الخير والشر.. وبين أتباع المرسلين وأحلاس الشياطين.. بين منهج الله تعالى ومناهج المبتدعين الضالين المضلين، وإن هذا الصراع يمتد من مجال الفكر إلى مجال المكر والكيد والحروب والاعتداء (وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنْ اسْتَطَاعُوا) (البقرة: من الآية 217)... لكنه سبحانه يؤكد لنا أن النتيجة النهائية لهذا الصراع محسومة بأمر الله للمتقين (وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) (الأعراف: من الآية 128)... سواء بانتصارهم والتمكين لهم في الدنيا وظهورهم وبناء حضارتهم.. أو بفوزهم المتفرد في الآخرة (يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ) (الجاثية: من الآية 27)، وقد وصف الله تعالى في قرآنه المعجز دقائق هذا الصراع ومراحله ونتائجه، فقال: (أَنزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ) (الرعد: 17)، والزبد هو الفقاقيع التي تطفو وتتكاثر على السطح... سطح الماء البارد أو الحديد الساخن... في النهاية كلها (فقاقيع) سرعان ما تتلاشى وتزول وتنفصل.. ويبقى ما ينفع الناس خالصًا نقيًّا يجري في تياره العتيد، واثقًا راسخًا ليصب في مصالح الخلق جميعًا.

والله وحده هو الذي يعلم المفسد من المصلح، ومن ثم وعد البشر المؤمنين الصادقين بنصره وتأييده (وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ) (الروم) (لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنْ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ) (الأنفال: من الآية 37)، ولهذا يثبِّت المؤمنين في مراحل الصراع ويذكرهم بقوتهم وعزتهم وهم يركنون إلى القوى العزيز، وفي الوقت نفسه يهون من أمر المعاندين الجاحدين (لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ) (آل عمران: 197 و196).

إننا نرى في بلادنا وفي منطقتنا- بل في العالم أجمع الآن- تقلبات وصراعات طال أمدها، واشتد سعارها، واكتوى الناس بلهيبها.. لكنها توشك أن تنجلي وتنطفئ نيرانها، ونؤكد انتصارًا وظهورًا لأهل الحق بعد طول محنٍ وصبر ومجاهدة، وبعد الإفلاس الذريع لأصحاب الهوى وأتباع الشياطين في كل بقعة نزلوا بها، وكل مذهب دعوا إليه، وبعد حروب ضارية ذاق الناس فيها مرارة الظلم والاعتداء والتعذيب والقتل والإبادة والتهجير والتدمير وإهانة كرامة الإنسان وحرمانه حتى حق الحياة.. وقد أفلست الحضارة المادية- غربية وشرقية- في أن توفر للإنسان الأمن والأمان والراحة والطمأنينة.. وفشلت فشلاً ذريعًا في إشباع حاجات الإنسان الروحية والنفسية، بل والمادية التي استأثر بها جنس واحد دون بقية الأجناس... والآن قد آن الأوان لكي تعود حضارة الإسلام لتشرق من جديد على البشرية كلها، وتملأ الأرض عدلاً ونورًا بعدما مُلئت ظلمًا وفجورًا.

يجب ألا نعبأ بافتراءات أهل الباطل... مهما علت أصواتهم، وذاعت أراجيفهم، وتعددت مكائدهم، وكثرت شائعاتهم... فهم يشعرون أن الزمن لم يعد زمانهم، وأن ألاعيبهم لم تعد تنطوي على أحد... وهم يدركون في قرارة أنفسهم أنهم كذابون مرجفون... وأنهم في النهاية فاشلون ، وما علينا إلا أن نمضي في طريقنا المستنير.. مطمئنين إلى رعاية الله لنا، غير عابئين بما يذيعه المبطلون (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمْ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا) (الفرقان: 63).

لقد تحررت الشعوب في كلٍّ من مصر وتونس وليبيا واليمن بفضل من الله ومنة، وسيزول الظلم والاستبداد عن كل بقاع الأرض، وسينتصر الشعب السوري البطل على السفاح الدموي وأعوانه القتلة المجرمين، وستتحرر كل فلسطين على أيدي المقاومين والمرابطين، وستزول عصابات الباطل لتظهر دولة الحق المبين التي طال انتظارها بإذن الله؛ لأنه القائل (مَا يَفْتَحْ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا) (فاطر: من الآية 2) (إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا) (الطلاق: من الآية 3).

أيها الإخوان الصادقون..

تقدموا لحمل الأمانة ورفع الراية.. غير هيابين ولا وجلين.. بل مطمئنين لنصر الله وتأييده وتوفيقه.. لقد صبرتم وتحملتم وجاهدتم في أيام المحن والشدائد، وصمدتم وتقدمتم يوم تقاعس المتقاعسون وثبط المثبطون.. والآن جاء وقت العمل والبناء والجهد والابتكار.. معكم إيمانكم بالله تعالى يحفظكم ويرعاكم.. ومعكم أخوتكم ومحبتكم وتعاونكم، ومعكم شعوب تحررت ووضعت فيكم ثقتها وستعمل معكم...ومعكم المخلصين والشرفاء من أبناء وطنكم... ومعكم فوق كل هذا منهج الله تعالى وشرعه الحكيم.. أعظم المناهج وأجل الشرائع لإصلاح الأرض وإسعاد الخلق.. وليكن شعاركم (إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ) (هود: من الآية 88).

وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم، والله أكبر ولله الحمد.

أضف تعليقك