• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
منذ ثانيتين

 

أهمية العمل من أجل هذا الدين

لم تكن الهجرة فرارا من الإيذاء، أو هروبا من التضييق والتعذيب، أو سعيا خلف الرزق الذي فقده المسلم في مكة، لكنها محطة عظيمة من محطات السيرة، يتجلى للواقف عليها أهمية العمل من أجل هذا الدين، والإيمان العميق بقدر الله، ووجوب الأخذ بالأسباب والتوكل على الله، وثبات أهل الإيمان في الشدائد.

وما أشبه اليوم بالبارحة، فالقابضين على دينهم اليوم يمرون بنفس الظروف والأحداث التي عاشها رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحبه في بداية الصدع بالحق، وتعرضوا للاضطهاد من كل صوب، وبشتى الأنواع، حتى جاء القرار النبوي بالهجرة عند ملك لا يظلم عنده أحد، وذلك قبل أن يأتي التوجيه الإلهي بالهجرة الجماعية إلى المدينة المنورة.

إننا نرى اليوم كل بلد، بل كل سجن، بل كل قبر، يحتضن القابضين على دينهم والمتمسكين بشرع ربهم، كل تهمتهم أنهم قالوا ربنا الله، نراهم وقد هاجروا فارين بدينهم من بطش كل ظالم يظن أنه ملك رقاب العباد، ونسى أن رقبتهم بيدي رب العباد لن يطول شموخها، وستتهاوى كما تهاوت رؤوس كثيرة سبقتهم أمثال أبو جهل وأبو لهب وابن أمية وعتبة وشيبة يوم أن تهاوت أمام القابضين على دينهم في بدر الكبرى.

لكل مهاجر اليوم بدينه – إذا صدقت نيته وأخلص عمله وأصلح ما بينه وبين ربه - طريق طويل لكي يصل بهذا الدين إلى جميع القلوب، طريق يحتاج لعظيم التربية من هجرة النبي صلى الله عليه وسلم، طريق ارتسم بمداد من دماء المهاجرين والأنصار.

لقد تجلت الهجرة بمدرستها التربوية، في صفات عظيمة خلفتها في القلوب ومنها:

التضحية

لقد ضرب القلة القليلة التي أمنت برسول الله صلى الله عليه وسلم أسمى معاني التربية حينما أدركوا ما سيقع عليهم من جراء إتباع محمد ودينه، فتفانوا في التضحية من أجل هذا الدين، فنجد سمية بنت خياط ترتقي كأول شهيدة في الإسلام كما ارتقى زوجها ياسر بن عامر شهيدا مضحيا بنفسه من اجل دينه.

وهذه أم سلمة حينما أجمع زوجها على الهجرة فمنعها أهلها، وظلت تخرج باكية، راجية الله، ثم كانت التضحية بولدها حتى تحقق مرادها بالهجرة لمدينة رسول الله. وهذا صهيب الرومي الذي ضحى بكل ما يملك من اجل أن يحافظ على عقيدته، حتى كانت البشرى "ربح البيع أبا يحي".

وأنت يا من خرجت مهاجرا لله بدينك، لا تغرك الدنيا وتربى على ما تربى عليه صحب محمد صلى الله عليه وسلم، ولا تحبسك نفسك عن التضحية بها من اجل هذا الدين.

لا يأس مع رحمة الله

ربما في زحمة التعذيب، وكثرة الاضطهاد، وقوة أهل الباطل، وضعف أهل الحق، ربما يتسرب اليأس والقنوط، والإحباط والوجل، وسوء الظن بالله، ويظل السؤال متى نرى النصر والفرج.

لقد علمتنا الهجرة أن لا نيأس أبدا لأن رب هذا الكون هو من يدبر كل ما فيه، ويقدر كل أحداثه، وسواء كنت مهاجرا بدينك جبرا إلى السجون أو إلى وطن أخر فلقد علمتنا الهجرة أن الثقة في الله لابد أن يتزين بها قلوب القابضين على دينهم.

إتقان التخطيط وحسن توظيف الطاقات

إن من الدروس العظيمة للهجرة هى التلاحم بين قلوب الفارين بدينهم، فلا شقاق ولا خلاف، لوحدة الهدف والغاية، فلا تفرقهم دنيا ولا اختلاف رأى، لكن يجب أن يسددوا ويقاربوا.

فالهجرة تعلِّمنا كيف يؤدِّي التخطيطُ الجيِّد دَوْرَه في تحقيق النَّجاح، ومن أعظم أسُسِ التَّخطيط حُسْنُ توظيف الطاقات، وسلامة استغلال القدرات المتاحة، فالصَّدِيق قبل الطريق.

الثبات على الموقف، والبحث عن الحلِّ الشامل

تدفعنا المدرسة التربوية في الهجرة أن نتحلى بالثبات مهما طال الطريق، ومهما رأيناه صعبا مظلما، لكن مع هذا الثبات لابد من البحث عن الحلول الواقعية والعملية والشاملة، ولا نقتصر على الحلول التقليدية التي تربينا عليها متناسين التغيرات التي حدثت على الساحة، والمستجدات التي تحدث كل يوم.

فالاقتصار على البدائل التَّرقيعيَّة، ومناقشات الحلول التخديريَّة الآنية لن تؤدى إلى الحلول والخروج من النفق المظلم، لكن لابد أن تدفعنا تعاليم الهجرة إلى وضع حلول عملية.

فلنجعل هجرتنا فتحا

لقد كانت هجرة النبي وصحبه فتحا مبينا على الإسلام وعلى المسلمين، وهكذا يجب على الدعاة اليوم وفي ظل ما يعانون أن يحولوا هجرتهم سواء إلى البلدان التي هاجروا إليها أو غيرها أن يجعلوها فتحا فيكونوا قدوة طيبة، ونموذجا للإسلام يحتذي به

فلا ينشغلوا بسفاسف الأمور، والتناحر والتحزب وهم وسط بلاد غريبة وشعوب غريبة فيصوروا الإسلام بهذا المظهر الغريب المتنافر..كونوا في هجرتكم خير دليل للإسلام كما كان مصعب بن عمير في المدينة وكجعفر بم أبي طالب في الحبشة.

الصبر عند الشدائد

اليقين بأن ما عند الله تعالى هو الأفضل، وهو الأبقى، فقد لاقى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الشدائد في الهجرة النبوية، ولكنه ثبت، وصبر، واحتسب أجره عند الله تعالى، ولم يكن قلبه إلا ممتلئاً على الدوام باليقين المطلق بأن فرج الله تعالى آت لا محالة، وبالفعل فقد مكَّن له الله، ونصره نصراً مؤزراً، وبلغ صيته الآفاق، ولا يزال إلى يومنا هذا أعظم إنسان عرفته الإنسانية، ولا يزال اسمه الأكثر ترداداً على الألسنة.

 

أضف تعليقك