• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
منذ ثانية واحدة

بقلم.. د.عز الدين الكومى 


إنها سفينة المجتمع الذى نعيش فيه، كما قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم- في الحديث الصحيح: ( مَثَلُ الْقَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالْوَاقِعِ فِيهَا كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلاهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ الْمَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ فَقَالُوا لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا وَنَجَوْا جَمِيعًا ).

وفي ظل من نراه اليوم من تفشى الفساد في كل مناحى الحياة، والذى يوحى بأن سفينة الوطن ستغرق حتماً، وقد بدأت إرهاصات هذا الغرق، وصارت بادية للعيان من خلال زيادة الدين العام بشقيه الداخلى والخارجى إلى مستويات مرعبة، والنظام الفاشل يعالج هذا الخلل  بالاستدانة ورفع الأسعار، والتضييق على الحريات وتشديد القبضة الأمنية، وبرلمان العسكر لاعمل له إلا التصفيق، والبصم على مشروعات القوانين التى تأتيه من قائد الانقلاب، والاعلام الانقلابى، الذى يمارس العهر الإعلامى في أحط صوره، من التطبييل وتقديس الطاغية، والذى يمارس سياسة إلهاء الشعب بجره إلى معارك جانبية وهامشية ، بدلاً من التركيز على القضايا التي تهم المواطن وإيجاد حلول لها.

وفى ظل هذا التردى والسقوط الأخلاقى ، فلابد من نظرة إيجابية إلى ماتمر به سفينة المجتمع اليوم من فساد وخراب ودمار، وإلا فالهلاك سيلحق الجميع ولا ينجو أحد ،مهما كانت تعليلاته، سواء من يرتكب الموبقات، أوالساكت عنها الراضى بها، وهناك من يزعم الحيادية  بالوقوف في منطقة رمادية، ويلتزم الصمت ،فإن ذلك لايعفيه من المسؤلية ، لأن الحياد ماهو إلا نوع من السلبيتة المقيتة ، لشرعنة الظلم و الرضى بأفعال الظالمين، والسكوت عنها والرضى

بها.

 لأن هذا الحياد المزعوم،  يجعل المحايد يقف على مسافة واحدة من الظالم والمظلوم ، فيكون كشاهد الزور الذى يسوى بين الجلاد والضحية.

 والمحايد لايعدو عن كونه إحد الإمعات ، الذى لا رأى له، كما قال الرسول -صلى الله عليه وسلم – في الحديث: (لا تكونوا إمعة تقولون إن أحسن الناس أحسنا وإن ظلموا ظلمنا ولكن وطنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا وإن أساءوا فلا تظلموا).

ولعل في قصة العابد المشهور،عبرة وعظة لكل محايد، آثر السلامة بالصمت، فهذا العابد أخذ موقف الحياد من المنكرات التي شاعت في قريته، ولم ينكرها واغتر بصلاحه وظن أنه سينجيه، فأمر الله أحد ملائكته بأن يبدأ به، وكان ذنبه أنه لم يتمعر وجهه، أو ينهى عن المنكر ،فقد جاء في الحديث، (إِنَّ اللهَ ، عَزَّ وَجَلَّ أَمَرَ بِقَرْيَةٍ أَنْ تُعَذَّبَ فَضَجَّتِ الْمَلَائِكَةُ ، قَالَتْ : إِنَّ فِيهِمْ عَبْدَكَ فُلَانًا ، قَالَ : أَسْمِعُونِي ضَجِيجَهُ ، فَإِنَّ وَجْهَهُ لَمْ يَتَمَعَّرْ غَضَبًا لِمَحَارِمِي).

ولَمَّا تَرَك بنو إسرائيل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكَر ضَرَب الله قلوب بعضهم ببعض ولعنهم .

قال ابن مسعود- رضى الله عنه- : كان الرَّجُل يَلْقَى الرَّجُل فَيَقول له : يا هذا اتَّقِ الله ودَع مَا تَصْنَع فانه لا يَحِلّ لك ، ثم يَلْقَاه مِن الغَد فلا يَمْنَعه ذلك أن يَكون أَكِيلَه وشَرِيبَه وقَعِيدَه ، فلما فعلوا ذلك ضَرَبَ الله على قُلُوب بَعْضهم بِبَعْض ، ولَعنهم على لسان نبيهم داود وعيسى ابن مريم ذلك بِمَا عَصَوا وكانوا يَعْتَدُون .

وفى حديث أبي سعيد قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان .

قال ابن النحاس تعليقًا على هذا الحديث : من رأى منكم منكرًا فغيَّره بيده فقد برئ، ومن لم يستطع أن يغيره بيده فغيَّره فبلسانه فقد برئ، ومن لم يستطع أن يغيره بلسانه فغيره بقلبه فقد برئ وذلك أضعف الإيمان.

وعن جبير بن نفير ، قال :”لما افتتح المسلمون قبرس وفرق بين أهلها ، فقعد بعضهم يبكي إلى بعض ، وبكى أبو الدرداء ، فقلت : ما يبكيك في يوم أعز الله فيه الإسلام وأذل الشرك وأهله ؟ قال : دعنا منك يا جبير ، ما أهون الخلق على الله عز وجل إذا تركوا أمره بينا هم أمة قاهرة قادرة إذ تركوا أمر الله عز وجل فصاروا إلى ما ترى”

وقد حذر رسول الله صلى الله عليه وسلم المهاجرين، من التمادى في المنكرات حتى تظهر وتطفو على السطح  بقوله: “يا معشر المهاجرين، خمسٌ إذا ابتليتم هن وأعوذ بالله أن تدركوهن: لم تظهر الفاحشة في قوم قطُّ حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم الذين مضوا. ولم يُنقصوا المكيال والميزان إلا أُخذوا بالسنين وشدة المؤونة وجور السلطان عليهم. ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا مُنعوا القطر من السماء، ولولا البهائم لم يُمطروا. ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدوًّا من غيرهم فأخذوا بعض ما في أيديهم. وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله ويتخيروا مما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم”

فيا قومى أفيقوا …. قبل أن تغرق سفينة المجتمع ويهلك الجميع!!

أضف تعليقك