• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
منذ ثانيتين

بقلم: إحسان الفقيه

صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ يقول (إِذَا لَمْ تَسْتَحْيِ فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ)، فمن تخلى عن الحياء أمعن في التدليس والبهتان وقول الزور ولبس الحق بالباطل.

العديد من الصحف العربية خلعت برقع الحياء، وما عادت تكترث بفضائحها التي تزكم الأنوف، دأبت على الكذب حتى وإن كان كذبها مفضوحًا، ولم تعد تلقي بالا لوعي الجماهير، المهم أن تسير في ركب أنظمتها الجائرة.

وفي ظل تدفق المعلومات من ساعة إلى أخرى بشأن اختفاء الصحفي والمحلل السياسي جمال خاشقجي، وفي خضم سيول التصريحات والتكهنات بشأن ما تردد من معلومات بترجيح قتله في السفارة السعودية، تنبري بعض الصحف العربية الصفراء التي تُسبح بحمد النظام وتضيق ذرعًا بهذه الضجة الإعلامية العالمية التي صاحبت اختفاء خاشقجي، فتسعى لإلصاق تهمة الإرهاب الجاهزة بالصحفي المُختفي، وتنشر له صورًا قديمة تعود إلى نهايات الثمانينيات من القرن الماضي في أفغانستان، وهو يرتدي الزي الأفغاني برفقة المجاهدين ويحمل على كتفه آر بي جي، ومن ثم تبدأ تلك الصحف في الطنطنة حول الأصول الإرهابية لخاشقجي، وهي في ذلك تدلس على الناس وتغطي على الحق بالباطل.

أصل الحكاية كانت تغريدة للصحفي الأمريكي باتريك بول المتخصص في الأمن القومي والإرهاب بشبكة بي جي ميديا، تضمنت صورة لخاشقجي يحمل قاذفة آر بي جي إلى جانب مجموعة من المقاتلين، وكتب بول يقول: "لم أكن أدرك حتى يوم أمس أن جمال خاشقجي كان مؤلف هذا المقال الشهير في "أخبار عرب نيوز" عام 1988، وهو يدور في أفغانستان مع أسامة بن لادن والمؤسس المشارك لـ"القاعدة" عبد الله عزام.. صحافي إصلاحي ديمقراطي يحمل آر بي جي مع الجهاديين".

نجل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أعاد نشر هذه التغريدة، فالتقطتها بعض الصحف والمواقع العربية، وروجت لأن الصورة تعبر عن الأصول والجذور الإرهابية لخاشقجي وانتمائه لجماعات العنف المسلح.

التدليس الذي وقعت فيه تلك الصحف يأتي من ناحيتين:

الناحية الأولى، هو أنها نشرت تلك الصورة لخاشقجي دون إبراز حقيقة أن خاشقجي كان على أرض أفغانستان كمراسل صحفي لصحيفة عرب نيوز في أفغانستان، ولم يتحدثوا عن المقال الذي نشره خاشقجي في ذلك الوقت والذي تضمن صورته مع المجاهدين، ذلك المقال الذي حمل عنوان "شباب العرب يقاتلون جنبا إلى جنب مع المجاهدين"، والغرض واضح، وهو التهوين من شأن اختفاء جمال خاشقجي، ولسان حالهم يقول: لِمَ هذه الضجة العالمية لاختفاء صحفي إرهابي، في محاولة ساذجة لوأد التعاطف العربي والإسلامي والعالمي مع الصحفي مجهول المصير.

الناحية الثانية وهي الأكثر سخافة، أنهم يصفون أفواج المقاتلين العرب - التي تدفقت إلى أفغانستان للقتال إلى جانب الشعب ضد السوفييت - بأنهم إرهابيون.

لقد تعمد هؤلاء التدليس والتغطية على الحقيقة التي يعلمها القاصي والداني، وهي أن السعودية كانت أكثر الدول اهتماما بدعم المجاهدين الأفغان على المستوى الحكومي والشعبي، وكان الحكام يُحفّزون الناس على التبرع للجهاد الأفغاني، وكان المقاتلون السعوديون يتنقلون بكل أريحية وأمان بين المملكة وأفغانستان، فيقضون فترة يقاتلون الروس ثم يعودون إلى وطنهم وينقلون مشاهداتهم ثم يرجعون مرة أخرى، ومن هؤلاء كان أسامة بن لادن الذي كان له دور بارز في الجهاد الأفغاني، ويرجع إلى بلاده فتُعقد له المؤتمرات والمحاضرات العلنية التي ينقل فيها أخبار الجهاد في أفغانستان.

ولم تكن السعودية وحدها في هذا المضمار، بل تحركت كل الدول حليفة أمريكا لدعم الأفغان انطلاقا من الرغبة الأمريكية في تقويض عرش السوفييت إبان الحرب الباردة، ولم يكن يطلق على المقاتلين العرب في أفغانستان سوى لقب (المجاهدين) لا الإرهابيين.

متى يكف الإعلام العربي عن التدليس وتزوير الحقائق والمكيافيلية السخيفة؟ لكن ماذا نقول وقد مات الحياء، وإن مات الحياء فليصنع قليل الحياء ما شاء وليظلم الخلق كيفما شاء، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

أضف تعليقك