بقلم: وائل قنديل
قبل نحو أسبوعين، احتفل عبد الفتاح السيسي، وخبراؤه الإستراتيجيون، بوقوع الصيد الثمين في أيديهم، ضابط الجيش المفصول هشام عشماوي. وصدرت الصحف وبرامج التلفزيون تحتفل بدحر الإرهاب القادم عبر الصحراء الغربية، وأسبغت على الضابط المعتقل في ليبيا أوصافًا تجعل من الإمساك به علامةً فارقةً في تاريخ مصر، تُؤذن بنهاية الأعمال الإرهابية، وقطع خطوط الاتصال بين جماعات الإرهاب في الصحراء الغربية وسيناء.
وفي يوم الأربعاء من الأسبوع الماضي، خرج المتحدّث العسكري، في برنامج إذاعي، يعلن إنجاز مهمة القضاء على بنية الإرهاب في سيناء، وعودة الحياة إلى طبيعتها، لترقص صحف الصباح بالإنجاز، بيننا كان عبد الفتاح السيسي في ألمانيا يخاطب العالم بأنه مبعوث السماء الذي جاء ليخلّص العالم من خطر الإرهاب، فلا يجب أن يحدّثه أحد عن حقوق إنسان وحريات وديمقراطية والوضع كذلك.
وفي صباح اليوم التالي، الخميس، كان السيسي يستعرض، بالسروال القصير فوق الدراجة (البسكلتة) في مدينة شرم الشيخ، متعمدًا إظهار ماركة الجورب والحذاء الرياضيين اللذين يرتديهما، ليوجّه رسالة إلى العالم بأنه هزم الإرهاب وحده، وينتظر مزيدًا من المنح والمساعدات، وألا يكلمه أحدٌ في الحريات، بينما كانت أجهزته الأمنية في القاهرة والمحافظات تداهم منازل عشرات من السيدات، محاميات وحقوقيات وأكاديميات، فتقلب البيوت على رؤوس سكانها، ثم تخرج القوات الباسلة، وبين أيديها دفعة جديدة من المعتقلين والمعتقلات، من دون أدنى اعتبار لردود الأفعال في الخارج والداخل على هذا التوحش ضد المجتمع المصري.
كان الأمر أشبه باستعراض للقوة الباطشة، لتوجيه رسالة إلى مصر والعالم بأن نظام السيسي مسيطر ومهيمن، ويسلك كما لو كان مكلفًا بممارسة الطغيان، حماية للعالم من الأشرار والإرهابيين، وأنه نجح في القضاء على الإرهاب المسلّح، فقرّر أن يقضي أوقاتًا سعيدة في التلذذ بتعذيب المجتمع المدني، والتنكيل بهؤلاء الأوغاد الذين يطالبون بالحريات وحقوق الإنسان.
في صباح اليوم التالي، الجمعة، كانت ضربةً إرهابيةً عنيفةً ومنحطّةً تحصد أرواح عشرة من المسيحيين في محافظة المنيا في صعيد مصر، في المكان ذاته، وبالطريقة ذاتها التي سالت بها دماء عدد أكبر من الأقباط قبل عامين.
كيف نجح الدواعش في الوصول إلى قلب عروس الصعيد، بينما السيسي وأجهزته يحتفلون بالإعلان عن النصر الكامل على الإرهاب؟
كيف استطاعوا توجيه ضربة أعنف إلى المصريين الأقباط، الطرف الأضعف في مناخ الطغيان، بينما الجنرال الذي يبتزّ المسيحيين بأنه حامي الحمى، والمخلص من الخطر، يتيه على المصريين بأنه خلّصهم من الإرهاب؟.
الشاهد، أن عبد الفتاح السيسي لا يستطيع أن يبقى من دون إرهاب، كما أن الإرهاب لا يجد بيئة أفضل من التي يصنعها السيسي، فكلاهما مرتبط بالآخر، سببًا ونتيجةً، وكلاهما يتقاسمان القضاء على الحالة الإنسانية في المجتمع المصري، يتنافسان، بل يتعاونان، في تدمير الحياة على هذه البقعة من الأرض، الأول يقتل على الهوية السياسية، والثاني يقتل على الهوية الدينية، ثم يتقاسمان الحصيلة.
في شرم الشيخ، يلهو السيسي فوق دراجته الهوائية، ويقهقه عاليًا، بينما الحزن يمشي معربدًا في جنازات الضحايا من المصريين المسيحيين، و يحط على نوافذ البيوت التي تبكي آلاف المعتقلين والمحرومين من حقوق العمل والتملك والتوظيف، بجملةٍ واحدةٍ، الحق في الحياة، ثم يقف مختالًا مزيحًا الستار عما أسمته صحفه" النصب التذكاري لإحياء الإنسانية".
ويا لها من نكتةٍ تدمي القلب وتسيل الدمع.
أضف تعليقك