• الصلاة القادمة

    العشاء 17:29

 
news Image
منذ ثانية واحدة

ولد أحمد سعيد خليل الجعبري عام 1960 في حي الشجاعية شرق مدينة غزة جنوب فلسطين، لعائلة انتقلت مطلع القرن العشرين من مدينة الخليل بالضفة الغربية المحتلة إلى قطاع غزة. وكان أبا لعائلة مكونة من عشرة أبناء وبنتين.

وحصل الجعبري على شهادة بكالوريوس في التاريخ الإسلامي من الجامعة الإسلامية بغزة. وكان يتقن اللغة العبرية.

كما تولى الجعبري مسئوليات تنظيمية وسياسية داخل حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، ثم انتقل من قيادتها السياسية إلى قيادة ذراعها العسكرية "كتائب عز الدين القسام"، حيث تدرج في سلم القيادة حتى أصبح "رئيس أركانها" ونائب قائدها العام محمد الضيف.

وبدأ الجعبري مسيرته في مقاومة الاحتلال مناضلا نشطا في صفوف حركة التحرير الفلسطيني (فتح)، فتعرض للاعتقال بتهمة انخراطه في مجموعات عسكرية تابعة لـ"فتح" خططت لعملية فدائية ضد الاحتلال عام 1982.

وفي السجن ارتبط الجعبري بعلاقة واسعة مع قياديي الفرع الفلسطيني من جماعة الإخوان المسلمين من أمثال الشيخ أحمد ياسين وعبد العزيز الرنتيسي وإبراهيم المقادمة، فأنهى علاقته بحركة "فتح"، ثم انضم إلى هذه الجماعة التي أصبحت لاحقا تدعى "حركة حماس" وذلك قبل إنشاء الأخيرة رسميا عام 1987.

وعقب خروجه من سجون الاحتلال عام 1995 أصبح مقربا من القيادة السياسية لحماس فاتجه إلى العمل المؤسسي التنظيمي داخل الحركة، حيث تولى المسئولية عن "دائرة شئون الأسرى والمحررين" التابعة لها، ثم صار عام 1997 مسئولا في "حزب الخلاص الإسلامي" الذي أنشأته حماس لتجاوز عقبات السلطة الفلسطينية المفروضة عليها، وانتخب عضوا في المكتب السياسي لحماس دورتين متتاليتين.

وتوثقت علاقة الجعبري بالقائد العام لكتائب القسام بفلسطين محمد الضيف وبمهندس المتفجرات الأول في حماس عدنان الغول والقيادي العسكري البارز فيها سعد العرابيد، فساهم معهم -إلى جانب الشيخ صلاح شحادة- في تأسيس "كتائب عز الدين القسام" وتولى قيادة منطقة غزة المسماة تنظيميا "لواء غزة"، مما دفع جهاز الأمن الوقائي التابع للسلطة في عام 1998 إلى اعتقاله مدة عامين بـ"تهمة" علاقته بكتائب القسام.

وخرج الجعبري من سجون السلطة إثر قصف الاحتلال لمقرات أجهزتها الأمنية في القطاع مع بداية انتفاضة الأقصى 2000، فنشط في قيادة عمليات الانتفاضة ضد الاحتلال وأصبح من الرعيل الأول للقيادات العسكرية لحماس، فكان ثالث ثلاثة في المجلس العسكري لكتائب القسام إلى حين اغتال الاحتلال الشيخ شحادة يوم 22 يوليو 2002.

وحين فشل الاحتلال في محاولته اغتيال القائد العام لكتائب القسام محمد الضيف عام 2003 -التي أصيب خلالها بجروح بالغة - صار الجعبري "القائد الفعلي" لكتائب القسام باعتباره نائبا للضيف، وأصبحت القيادات الأمنية والعسكرية الصهيونية تسميه "رئيس أركان حماس" و"الرقم الأصعب" في قيادة جناحها العسكري.

وبرز دور الجعبري العسكري الكبير خلال العدوان الصهيوني على غزة أواخر 2008 وبداية 2009، فسطع نجمه واعتبرته وسائل إعلام العدو "مهندس التصدي" لهذا العدوان الذي دام أكثر من عشرين يوما، وأطلقت عليه لقب "الشبح" بسبب عجز القوات الصهيونية عن اغتياله أو الإمساك به أثناء العدوان.

حقق الجعبري -بشهادة خبراء صهاينة وغربيين- إنجازات كبيرة في سنوات توليه مسئولية "رئيس الأركان"، فقد عمل على تطوير إمكانيات الكتائب وتحويلها خلال فترة وجيزة من نظام المجموعات إلى ما يشبه جيش نظامي يقدر عدده بنحو 20 ألف مقاتل منضبط، ويمتلك ترسانة متنوعة من الأسلحة المتوسطة والخفيفة تمكنه من إدارة معركة كاملة.

وأثبت قدرات قيادية عالية في إشرافه على العديد من عمليات كتائب القسام العسكرية النوعية، وتحت قيادته أصبحت هذه الكتائب -حسب صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية (19 نوفمبر 2012)- تتبنى "أنظمة تدريب وتسلسل قيادي واضحين"، وصارت "ذات تنظيم عال ومهنية متزايدة" وأكثر مؤسسية، بحيث إنها لو فقدت قيادتها فإن قيادة جديدة تنهض لتحل محلها إذ "مع القائد العام هناك دائما قادة آخرون".

واتهم الاحتلال الجعبري بالمسئولية عن تخطيط وتنفيذ عدد كبير من العمليات العسكرية التي نفذتها القسام ضده، فظل المطلوب "رقم 1" لدى أجهزة مخابراتها واستهدفته بأربع محاولات اغتيال فاشلة، كانت إحداها يوم 18 أغسطس 2004 حين قصفت طائرة صهيونية منزل عائلته فأصيب هو بجروح خفيفة، واستشهد ابنه البكر محمد وشقيقه وصهره وأقارب له. كما وضع جهاز "الشاباك" خطتين لاختطافه كانت إحداهما منتصف 2008 باعتباره "الهدف ذا التفضيل الأعلى".

وسطع نجم الجعبري بصورة أكبر في قيادته (بدءا من 2009) لمفاوضات صفقة الجندي الصهيوني جلعاد شاليط، الذي أشرف هو بنفسه على أسره يوم 25 يونيو 2006 خلال عملية "الوهم المتبدد" التي نفذتها كتائب القسام، وظل في عهدته طوال ستة أعوام لم يستطع الاحتلال فيها العثور على أي معلومات عنه.

وتوجت هذه المفاوضات المعقدة وغير المباشرة مع الاحتلال بمبادلة جنديها شاليط بـ1047 أسيرا وأسيرة فلسطينية بعضهم من ذوي الأحكام العالية، وهي الصفقة التي اكتمل تنفيذها بين أكتوبر وديسمبر 2011 وسمتها حماس "وفاء الأحرار". وقد جعل نجاحه في إتمام العملية العارفين به يصفونه بأنه "كان ناجحا في إدارة شئون الأسرى نجاحه في قيادته العسكرية".

ويقول مقربون منه إنه "كان يمتلك ملكة فريدة في تعليم عناصر القسام الكثير من الأساليب الأمنية، خصوصا فيما يتعلق بتحديد سبل الرد على انتهاكات الاحتلال"، وقد ساعده في ذلك إتقانه للغة العبرية ومتابعته لوسائل الإعلام العبرية التي كان يدرك من خلالها ما يخيف سلطات الاحتلال وتخشاه. وكان حريصا على تعليم عناصر المقاومة اللغة العبرية ليكونوا قادرين على فهم عدوهم عن قرب وبشكل صحيح.

عاش الجعبري في سرية تامة حيث أبعد نفسه بشكل تام عن وسائل الإعلام فلم يظهر إلا في برنامج وثائقي واحد تحدث فيه عن نفسه وعن كتائب القسام، وكان يتخفى بشكل كبير ولا يُعرف له بيت أو رقم هاتف لأنه كان "يملك حسا أمنيا عاليا لدى تحركه من مكان إلى آخر"، حسب قول مقربين منه.

ولذلك فإنه ظهر فقط في بعض التدريبات العسكرية للقسام ويوم تسليم الجندي شاليط إلى المخابرات المصرية، إذ كان ممسكا به إلى جانب القيادي القسامي رائد العطار. كما ظهر في بعض المناسبات الخاصة بتكريم الأسرى المحررين مدة دقائق قبل أن يختفي. لكنه كان يشارك في بعض الاحتفالات والمهرجانات الجماهيرية الشعبية ويجلس في الصفوف الأخيرة التي لا تلتفت إليها أنظار الناس.

وفي مساء يوم 14 نوفمبر 2012 اغتال الاحتلال أحمد الجعبري بغارة جوية استهدفت سيارته بالقرب من مجمع الخدمة العامة بمدينة غزة، وذلك بعد أسبوع فقط من عودته من مكة المكرمة حيث أدى مناسك الحج. وكان اغتياله مقدمة لعدوان عسكري كبير على القطاع دام حوالي عشرة أيام.

وحتى لحظة اغتياله؛ ظل الجعبري -الذي قالت كتائب القسام في بيان نعيه إنه "رئيس أركان المقاومة في فلسطين وأبرز قادة كتائب الشهيد عز الدين القسام"- وفيا لمقولته التي تؤثر عنه: "ما دام الصهاينة يحتلون أرضنا الفلسطينية فليس لهم سوى الموت أو الرحيل عنها".

أضف تعليقك