• الصلاة القادمة

    العشاء 17:29

 
news Image
منذ ثانية واحدة

صلاح الدين الجورشي

تحدثت مصادر إعلامية ألمانية عن مجموعة من العسكريين، خططت للقيام بمحاولة انقلابٍ، وإبعاد النخبة السياسية الحالية، اعتقادا بأن "الدولة الألمانية أصبحت على حافة الانهيار، ولا بد من بديل يكون جاهزا لتسلم البلاد". وأضافت صحيفة فوكيس، التي تتمتع بقدر عال من المصداقية، أن هذه المجموعة فكرت جديا في الإقدام على "اغتيال شخصياتٍ ووجوه سياسية في البلاد"، منهم زعيم حزب اليسار ديمتار بارتش، كما كان ضمن مخططها أن "تتم تصفية هؤلاء جميعا في وقت واحد"، حسب ما أوردته وكالة سبوتنيك الروسية.

الخبر مفاجئ وغريب، لأن انقلابا في بلد ديمقراطي شبيهٌ بمن يريد صيد السمك في بركة ماء بوسط شارع رئيسي في مدينة عصرية. نحن نوافق عزمي بشارة في قوله "لا يوجد جيش بعيد عن السياسة بحكم تعريفه"، وهو يعتقد أن العلاقة بين الجيش والسياسة "قائمة حتما في الدول الديمقراطية وغير الديمقراطية". ولكن لكي يحصل ذلك، لا بد من توفر شروطٍ تدفع بالجيوش نحو التدخل واستلام السلطة. وأشار إلى بعضها، عندما ذكر أن "هناك حالات يتدّخل فيها الجيش لقيادة عملية التغيير في مراحل الحرب الأهلية، وعدم الاستقرار السياسي، كما يتدخل بسبب الفراغ الناتج من ضعف المؤسسات وعجز السياسيين". وهي حالاتٌ لا تنطبق على ألمانيا اليوم.

إذ يفترض في دولةٍ، مثل ألمانيا، أنها حسمت مسألة التداول على الحكم، بعد نهاية الحقبة النازية، وأصبحت ملقحة ضد المغامرين، فألمانيا ليست دولة ضعيفة وهشّة، وذلك نظرا إلى تماسك بنيتها المؤسساتية، وتمتع اقتصادها بطفرة مهمةٍ، ما يجعلها بعيدة عن منطقة الزوابع، ويضعها خارج دائرة السيناريوهات السوداء، فالانقلابات تحتاج بيئة مهيأة لذلك. بل حتى البلدان الديمقراطية التي أشرفت على الانهيار الاقتصادي، وتراجعت فيها مصداقية الدولة، مثلما حصل مع اليونان، لم يفكّر العسكر هناك في انتزاع السلطة، وتركوا السياسيين يواجهون الأزمة بمفردهم، وبقوا، إلى آخر لحظةٍ، واثقين من أن الديمقراطية قادرة على الصمود وإعادة ترتيب الأوضاع بطريقةٍ ما. قد تكون الحلول المقترحة صعبةً ومؤلمةً، لكنها قد تفتح آفاقا نحو مستقبل أفضل. لم يكن اختيار الحالة اليونانية عفويا، لأنها من الدول الأوروبية التي اكتوت بحكم العسكر في تاريخها الحديث، لكن ما حصل يدعم القائلين إن الديمقراطية في دولٍ كثيرة قادرة على أن تدافع عن نفسها.

مع ذلك، يبقى السؤال مطروحا: كيف استسلم هؤلاء الضباط الألمان لفكرة الانقلاب، على الرغم من أن منهم عناصر ينتمون إلى "الجيش الألماني، إضافة إلى عسكريين في القوات الخاصة الألمانية ومجموعات عسكرية متخصصة أخرى". صحيحٌ أنه ليس من بينهم جنرال، ولكن ما الذي دفعهم إلى التكتل، وتداول الرأي حول الخروج على المؤسسة العسكرية، والتفكير في تصفية سياسيين خارج إطار القانون.

هم قريبون إلى اليمين الألماني، لأنهم كانوا ينوون تصفية قادة حزب اليسار الممثل في البرلمان، على الرغم من أن هذا الحزب صغير، ولا يشكل، في هذه المرحلة، تهديدا جدّيا لموازين القوى المهيمنة حاليا، حتى وإن تراجعت شعبية المستشارة أنجيلا ميركل وحزبها.

يندرج احتفال الغرب بمئويةٍ للحرب العالمية الأولى ضمن محاولات إنقاذ السلام وحماية الديمقراطيات المتعبة، فالأجواء تنذر بأن عدم الاستقرار الذي شهده العالم قبل مائة عام قد يعود بقوة. وما فكرة إنشاء جيش أوروبي التي أزعجت الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، إلا إحدى حلقات التفكير الاستراتيجي الجديد الذي أخذ يهيمن على الأجواء السياسية الأوروبية، من أجل أن تستقل القارة العجوز بقرارها، بعد هيمنة أميركية استمرت طويلا. ولهذا السبب، سارع الرئيس الروسي نحو تشجيع هذه الفكرة، حتى يزيد من إضعاف أميركا وعزل رئيسها المتغطرس.

لو افترضنا نجاح الانقلاب في ألمانيا، كيف ستكون تداعياته على العالم العربي المسكون بالاستبداد، ويتمتع بعضهم بقدرة رهيبة على تقطيع مخالفيهم، وتذويب أجسادهم في الحمض الكيميائي، حتى لو اختبأوا في بطن الحوت؟

أضف تعليقك