• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
منذ ثانيتين

بقلم: د. خليل العناني

يتعلم الطغاة من بعضهم الاستبداد والطغيان لكنهم لا يعتبرون بمصائر ومآلات بعضهم البعض، ولو تعلموا لما طغوا واستبدّوا.

بعض الطغاة أفلتوا من العقاب تاركين بلدانهم في فوضى عارمة تحتاج موارد هائلة وأزمان لإعادة إعمارها.

إذا ثار الشعب عليهم يتهمونه بالتآمر و"العمل لصالح أطرافٍ خارجية"، وإذا "دقّت ساعة الحقيقة" يرفعون شعار "إما أنا أو الفوضى"!

إذا كان من درس يمكن للحكام والمستبدين والطغاة أن يتعلموه من التاريخ فهو أن "دوام الحال من المحال". ورغم ذلك، يرتكب المستبدون الأخطاء نفسها التي وقع فيها من سبقهم من الطغاة.

سواء الذين تم التخلص منهم قتلاً، كما حدث مع لويس السادس عشر، آخر ملوك فرنسا الذي قُطعت رأسه أواخر القرن الثامن عشر، مروراً بطغاة القرن العشرين، وأهمهم نيوكولا تشاوشيسكو، رئيس رومانيا الذي تم إعدامه هو وزوجته رمياً بالرصاص في أحد ميادين العاصمة بوخارست عقب ثورة رومانيا عام 1989، وانتهاء بمعمر القذافي وعلي عبد الله صالح.

أو أولئك الذين جرى خلعهم وسجنهم، كما هي الحال مع صدام حسين وحسني مبارك، وغيرهما من جنرالات الانقلابات في بعض بلدان أميركا اللاتينية وأفريقيا.

صحيحٌ أن بعض الطغاة والمستبدين أفلتوا من الحساب والعقاب، ولكنهم تركوا بلدانهم في حالة فوضى عارمة، وأشبه بخرابات تحتاج أموالا وأنفسا كثيرة من أجل إعادة التعمير والبناء.

ناهيك بتدمير النسيج الاجتماعي وقيم العيش المشترك، وذلك كما حدث في العراق بعد صدام حسين، وفي سورية، تحت حكم حافظ وبشار الأسد، وما حدث بعد سقوط القذافي في ليبيا، وصالح في اليمن. وأغلب الظن أن هذا ما قد يحدث في الحالة السودانية، ما لم يفهم السودانيون الدرس.

يقرأ الطغاة من كتاب الاستبداد نفسه، ويكرّرون كتابة سطوره نفسها، من دون إبداع أو تجديد. يبدأون حكمهم بكلماتٍ طيبة عن الإصلاح والتغيير، واحترام الدستور، وإطلاق الحريات،.. إلخ.

وبعدها بسنوات قليلة يبدأ البطش، فيتراجعون عن وعودهم، وينقلبون على تعهداتهم، ويخدعون من أوصلهم إلى السلطة، الشعب أو من يمثله، ثم تبدأ الحاشية والأتباع في ترويج بقائهم الأبدي في الحكم تحت ذرائع مختلفة، وذلك إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً.

وإذا قام الشعب وثار على حكمهم، يتهمونه بالتآمر عليهم، و"العمل لصالح أطرافٍ خارجية"، وإذا "دقّت ساعة الحقيقة"، كما قال القذافي مرة، يرفعون شعار "إما أنا أو الفوضى".

فعلها مبارك عندما جاء إلى السلطة عقب اغتيال أنور السادات أوائل الثمانينات (بدأ الأخير حكمه بإصلاح سياسي عرف بثورة التصحيح، وأطلق سراح المعتقلين، خصوصا من الإسلاميين، ثم انتهى إلى اعتقال كل رموز الطبقة السياسية أوائل الثمانينات).

فتح مبارك السجون وأخرج المعتقلين، وأطلق بعض الإصلاحات السياسية التي سريعا ما تراجع عنها، وبدأ عصراً جديداً من القمع والفساد. ولا يزال قوله المشهور "الكفن ملوش جيوب"، في إشارةٍ إلى رفضه الفساد شاهداً على كذبه.

فقد علمنا، قبل نهاية العام المنصرم، أن محكمة أوروبية رفضت الإفراج عن أمواله التي يبلغ حجمها حوالي نصف مليار دولار.

وكذلك فعلها زين العابدين بن علي أواخر الثمانينات في تونس، حين وعد بإصلاحات سياسية، بعد إنهائه حقبة الحبيب بورقيبة، ودعا إلى انتخابات جديدة، كان هو أول المنقلبين على نتائجها، واعتقل معارضيه وأغلق المجال العام.

وبعد إسقاطه، اكتشفنا الحجم الهائل للذهب والأموال التي نهبها وكان يحتفظ بها في قصره الرئاسي في ضاحية سيدي بوسعيد، ناهيك بما تم تهريبه في حسابات سرية له، ولزوجته ليلى الطرابلسي وعائلتها.

وها هو الجنرال السوداني عمر البشير الذي حكم السودان ثلاثين عاماً، يقوم بالشيء نفسه، فيتلاعب بشعبه، ويعده بالإصلاح والوفرة والرخاء، مطالباً إياه بالصبر معه على "الظروف الاقتصادية الصعبة والتحدّيات الخارجية"، ومستنجداً بحلفائه وأتباعه من الأحزاب الكرتونية التي تداعت من أجل الدفاع عن بقائه في السلطة تحت يافطة "الحوار الوطني"!

يتعلم الطغاة من بعضهم كيف يستبدّون، ويمارسون طغيانهم، ولكنهم لا يتعلمون من مصائر بعضهم بعضا، وكيف يمكن أن ينتهي بهم الحال، ولو أنهم تعلموا لما طغوا، ولما استبدّوا.

أضف تعليقك