• الصلاة القادمة

    الظهر 11:01

 
news Image
منذ ثانية واحدة

بقلم: محمد ثابت

لستُ أشك في سقوط الجنرال السيسي.. جنرال مصر الأشرس. أما على أي نحو سيسقط قائد الانقلاب العسكري، فهذا الذي لا أشك في أن الله تعالى سيتفنن (سبحانه وهو أعظم الخالقين) فيه.

لستُ من مُبتاعي الأوهام ولا من مروجيها (حاشا لله) ولا من رواة المنامات والرؤى والأحلام (مع الاحترام) كما أني لا أحترم كل حديث غير علمي يمثل مخدرا فكريا لمئات الآلاف من المضارين، من مطاردين ومصابين ومعتقلين وأهالي الجميع.. فضلا عن مختفين داخل الأوطان وخارجها.

رغم ذلك، أرى أنه يوشك الجنرال السيسي أن يسقط ويخر. لستُ أنحاز في ذلك إلى الأخبار التي تسربها مخابراته الحربية على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي ليل نهار؛ لتشغل الناس حتى عن "حطب عودي"، بحسب اللواء "محمد عبد الوهاب" في رائعة فيلم غزل البنات "ليه يا عين دمعي طال؟"، من كلمات الراحل حسين السيد!

حوّل "السيسي" مصر إلى عزبة أكثر إحكاما مما لو كانت عزبة أبيه أو أمه، وليس في الجملة الأخيرة إسفاف أو سب أو شتم، أو حتى شبه لها جميعا، فقد جاء الأعرابي على مَنْ هو أشرف من "السيسي" وأهله جميعا، فقال له:

- يا محمد (صلى الله عليه وسلم) أعطني من مال الله، فإنه ليس من مالك ولا مال أبيك أو أمك!

فلم يغضب سيد الخلق، وإنما أعطى الأعرابي حتى ارتوى، ثم قال له تعال فقل إنك رضيتَ، فقد أغضبتْ مقالتك أصحابي؛ أو كما قال صلى الله عليه وسلم.

أما الجنرال الذي لا يقارن بخير الخلق من قريب أو بعيد، فلم يترك خيرا في مصر يستطيع الانقضاض عليه إلا وارتمى "السيسي" عليه حاقدا حانقا لاعقا لرزق الملايين وأمانهم وسرورهم، بل هدوء أنفسهم، من بعد أن جعل الأمل مسجونا مع المعتقلين في غياهب السجون.

لدي قناعاتي بوشيك سقوط "السيسي" (وإن طال الزمان قليلا أو حتى كثيرا) فلما لاحق بعض المدعوين بالضباط الأحرار ملك مصر الأخير "فاروق بن فؤاد" وأوقفوا "المحروسة" في عرض البحر المتوسط.. قال الملك المعزول كلمته الخالدة للواء "محمد نجيب" (رحمهما الله): - حكم مصر ليس بالأمر السهل!

صدق الملك "فاروق"، فما سهل حكم مصر حتى على جده الأول الألباني "محمد علي"؛ فظل الحكم ينحدر به في ما يظنه صعودا، حتى حاصر بلده وحاصره شخصيا في القلعة، حتى قُضِيِ أجله، ومن بعده لم يرتح لا "إسماعيل" ولا "توفيق" ولا "عباس حلمي"، فضلا عن "فؤاد".. وفي النهاية فاروق الذي لم ترحم ثورة يوليو 1952م المدعاة بـ"الثورة البيضاء"؛ غربته في إيطاليا، وحيدا من بعد العز والملك، فقضت "الثورة" بقتله بالسم قبل مرور خمسة عشر سنة على طرده من مصر، بعد أن طلقت منه الملكة الأخيرة "ناريمان".

وصدقت مقولة الملك "فاروق" حتى في اللواء محمد نجيب، أطيب المسمين بالضباط الأحرار (رحمهم الله)، فما نحب التعرض لأموات إلا بما يرضي خالقهم، احتراما ليوم نصير فيه مثلهم.. فلم يلبث "نجيب" حتى عام 1954م حتى سجنه جمال عبد الناصر سجنا دام قرابة ثلاثين عاما، في فيلا "زينب الوكيل"، زوجة "مصطفى باشا النحاس" في المرج.. حتى أخرجه المخلوع "مبارك" في أواخر أيامه منها، وكانت الجملة المكتوبة في جميع أنحاء القصر بالجير: "الصبر": بخط "نجيب" نفسه. ولا أدري لماذا لم يتحول القصر لمزار أو متحف من بعده، رحمه الله؟

وحكم "جمال عبد الناصر" مصر وعمره 38 عاما فقط، وكان سئل (فيما يروى) بعد نجاح ثورة يوليو، فقال في بيت مرشد الإخوان الثاني الراحل "حسن الهضيبي"، وفي حضور جمع من الإخوان، وهو ما أوجم الجميع واضطرهم للصمت الطويل: - أحلم بيوم أدوس فيه على زر فتصحو مصر.. وعلى زر آخر فتنام!

ولعل "أم كلثوم" (رحمها الله) كانت من أزرار "عبد الناصر" رحمه الله لإنامة مصر (إن لم يكن العرب) بعد فجر كل يوم خميس أول من كل شهر.. ويروي الراحل "فتحي رضوان" (رحمه الله) أنه قال رأيا استاء منه "عبد الناصر" في "أم كلثوم"، فقال له، وفق كتاب فتحي رضوان "72 شهرا في حكم مصر" الصادر عن دار الحرية في الثمانينيات: - أوعى تقول الكلام ده لأم كلثوم أحسن تزعل!

وكان "عبد الناصر" يتفاخر في خطب، في المقابل، وفي آخر سنوات حياته، بعد أن "دعكته" هزيمة 1967م مع مرض السكر وخلافه، بأنه لا أحد من الإخوان بخارج من السجن طالما بقي على قيد الحياة. وفي عامه الأخير من الحكم كان عمره 51 عاما فقط، ولم يعز أو يتأخر (حاشا لله) لما طُلب للقبر في العام الأول من الخمسينيات من العمر.. وكان المعتقلون أنفسهم (بشهادة الأديب الراحل "نجيب الكيلاني" في كتابه الأروع "مذكرات الدكتور نجيب الكيلاني") يظنون أن عبد الناصر يعيش ربع قرن آخر زيادة على الخمسين!

ومن بعد "عبد الناصر" جاء الثعلب المكار "أنور السادات"، فحارب واستسلم أو ادعى أنه سالم إسرائيل، وفي عامه الأخير، ولم يكن تعدى الستين بقليل.. حبس مختلف ألوان الفكر في مصر عبر أكثر من 1800 معتقل في أحداث أيلول/ سبتمبر 1981م، فلما سأله مراسل أمريكي بعنجهية:

- هل سألت الرئيس كارتر قبل سجن هؤلاء أو استشرته؟

فما كان من الراحل "السادات" إلا أن قال في فورة غضب مجنون:

- لو لم تكن في بلد ديمقراطي لسللتُ مسدسي الآن ولأطلقتُ النار على رأسك!

وبحسب كتاب "عادل حمودة": "أسرار اغتيال السادات"، فإن الكلمات كانت بمنزلة إعلان حرب.. أنهته أمريكا باغتيال "السادات" نفسه بالرصاص في المنصة المعروفة!

ومن بعد "السادات" جاء أطول حاكم في تاريخ مصر، وهو "مبارك" الذي أجمع معارضوه بعد خلعه أن "السادات" اختاره لفائق غبائه وعدم درايته بشيء من أمور السياسة، فبقي فوق عرش مصر 30 عاما. وكان يتكرع قائلا:

- هل من مزيد؟

حتى وعوده بـ"الانخلاع" في 2 من شباط/ فبراير 2011م أمام مد الثورة العارم؛ عاد عنها، قائلا للرئيس الأمريكي الأسبق "أوباما" إن الأمر ليس مطروحا للنقاش، بحسب ترجمة الزميل "علاء بيومي" لأجزاء من كتاب مراسل نيويورك تايمز "ديفيد كوربكتيرك": "في أيدي العسكر"!

لكل ما سبق، فإن مصر التي يظنها "السيسي" ونظامه ثمرة يانعة توشك أن تقع من فكه، بل يقع هو.. لأن حكم مصر ليس بالأمر السهل على مَنْ كانوا أذكى منه بمراحل، ولسنا نشك في أنه أغبى من جميع من سبق من حكم مصر.

لكن السؤال الأهم:

- ماذا ينتظر مصر بعد وقوع السيسي؟!

أضف تعليقك