• الصلاة القادمة

    الظهر 11:01

 
news Image
منذ ثانية واحدة

بقلم: سليم عزوز

عندما بدأ الرئيس السادات صعوده للهاوية، بالذهاب للسلام مع إسرائيل، قال للصحافي المعروف أحمد بهاء الدين، سأجعل الكتاب الذين تخصصوا في الكتابة عن الصراع العربي – الاسرائيلي يجلسون في بيوتهم. ولعل السيسي تصور في لحظة معينة، أنه قادر على وقف البرامج، التي تقوم فكرتها على التعرض لما تبثه أذرعه الإعلامية، بقطع هذه الأذرع. وكما فشل السادات فقد فشل السيسي!

كان السادات يعيش في عالمه، الذي صنعه بنفسه، فتصور أنه قادر على إنهاء الصراع التاريخي، وحل كل القضايا المتعلقة به، ومن ثم إنهاء عمل الكتاب، الذين لم يُعرف لهم اهتماما إلا به، وكان بهاء الدين من هؤلاء بدرجة أو بأخرى، لكنه فشل في هذا، وكانت معاهدة السلام في حد ذاتها مادة خصبة لاستمرار الكتابة، بل وفي انتقال كثير من هؤلاء الكتاب إلى خانة المناضلين، بنضالهم ضده، إلى أن جاء مبارك فميع كل القضايا الجادة، وأفقدهم الحماس بهذا التمييع فانتقل بعضهم من دعاة للمقاومة إلى دعاة للتطبيع: “لطفي الخولي نموذجاً”!

ولم ينتبه السيسي وهو يقطع أذرعه الإعلامية، ولم يبق إلا عدد قليل منهم، من بينهم أحمد موسى، أن مقدمي هذه البرامج سيتحايلون على الأمر بالتفتيش في الدفاتر القديمة، وفي حلقات سابقة للأذرع الاعلامية، لاستمرار برامجهم، لأنه ليس من المنطق الاعتماد على انتاج أحمد موسى وحده، لا سيما وأن الآخرين ممن بقوا إلى الآن، يفتقدون للنجومية، وليسوا معروفين، ومنهم واحدة تفتقد لمقومات الحد الأدني المطلوب توافرها في المذيعة، ومنها القدرة على النطق، اسمها “أغا” أو شيء من هذه القبيل، وقد انبرت مؤخراً لتعلن أن السيسي انتصر على مذيع قناة “سي بي أس” الأمريكية بالضربة القاضية، وإذا كان إعلان الهزيمة جاء من طرف “فريق السيسي” نفسه قبل بث الحلقة، وبالطلب رسميا بوقف هذه الحلقة، وقد شاهد العالم زعيمها المفدى، وهو يتصبب عرقاً، وكأنه قبض عليه على سبيل الاشتباه، ويخضع للتحقيق أمام وكيل النيابة، فأي كائن حي يمكنه أن يتقبل هذا الدفاع، ويستحسن هذه البلاهة!

تصحر النظام

كلام كثير يتسم بالبلاهة يجري تمريره عن السيسي وبجرأة فيُضحك الثكالى، وأعتقد أن السكوت عليه كاشف عن حالة تصحر النظام، فقد شاهدنا كيف أنه كل نظام السيسي يتلخص في شخص واحد هو عباس كامل، فكانت الموافقة على مقابلة تلفزيونية في برنامج يبدو أنهم لا لهم سابق معرفة به، وغاية ما يعرفونه عنه أنه البرنامج، الذي ظهر فيه قادة عرب، فظنوا أنه ماء قبل أن يكتشفوا أنه سراب بقيعة. ومن هنا كان التفكير أكثر من مرة في الانسحاب من الحلقة لحظة التسجيل، ثم التراجع عن ذلك، فكان “عباس” يُقدم ويدبر، على النحو الذي أذاعه فريق البرنامج عن كواليس الحلقة!

ربما يرجع تمرير هذه البلاهة مثل تلك التي جاءت في برنامج “أغا”، يرجع إلى أن “البلاهة” نفسها أسلوب حكم، فمن الذي يمكنه أنه ينظر إليها على أنها دعاية تضر ولا تنفع؟ فربما شاهد السيسي نفسه هذا الدفاع المضحك، فاندهش لعبقرية المذيعة، وإذا كان هذا مستوى ادراكه، فقد كان سينقذه من مثل هذا الكلام المضر، لو كان الذين من حوله في حكمة المحنكين من رجال مبارك، والذي لم يكن عبقرياً، لكن رقعة نظامه كانت واسعة، ولم يصبح حكمه في خطر، إلا عندما هرم، وحكمت الزوجة والابن، واستولى الغلمان على الحكم، الذي افتقد لأي قوة، إلا القوة الأمنية، في يد “شخص أبله” نصبوه وزيراً للداخلية!
في بداية ظهور جمال مبارك، وكان ظهوراً خافتا، يفتقد إلى حماية الأب، انبرى أحد رؤساء التحرير مقدما نفسه للمرحلة الجديدة، فكتب أن جمال مبارك حقه مهضوم؛ فمن حقه أن يترشح للرئاسة وأن يمارس العمل السياسي، فجرى استدعاؤه من قبل أحد الأجهزة الأمنية، وتركوه في تصرف معروف عن هذا الجهاز لمدة ثلاث ساعات وفي قاعة فسيحة لا يجلس فيها غيره، قبل أن يدخل عليه أحد الضباط، ويصافحه بجدية ويطلب منه ألا يقترب مرة أخرى من هذا الملف ويأذن له بالانصراف!

وقال لي وقتها، إنه اعتقد أنهم يختبرون إيمانه بـ “الفتى”، فكان مقاله التالي: “نعم جمال مبارك حقه مهضوم”، وتدخل وزير الإعلام “صفوت الشريف” واتصل به وطلب منه التوقف عن الكتابة في هذا الموضوع مرة أخرى. لكنه اعتقد للمرة الثانية أنه في لحظة اختبار لايمانه بالقضية (!) فكيف يستنكرون عليه دفاعه عن ابن الرئيس، فقال: “أنا مؤمن فعلا يا معالي الوزير أن جمال مبارك حقه مهضوم”. وقد أنهى الوزير المكالمة وهو يقول له محتداً لا شأن لك بحقه ابحث عن حقك أنت!

لهفة المدمن

كانت وجهة نظر رجال مبارك، أن نفاق ابن الرئيس قد تفتح الباب لمن يهاجمونه، لذا فقد عمدوا الى سد الباب الذي يأتي منه الريح تطوعا منهم، فلم تكن لديهم تعليمات بشيء، لكنهم تحركوا من أجل جماية نظام هم جزء منه، ولأنهم وجدوا في مقال “جمال مبارك حقه مهضوم”، تطوعاً لا لزوم له، فمن سمح للاخت “أغا” أن تتجرأ وتتحدث عن السيسي، وكيف أنه أفحم المذيع الأمريكي، وأوقفه عند حدوده، وأربكه حد فقد القدرة على النطق، إلى غير هذا من كلام يجسم معنى “شر البلية”، ويزيد من السخرية منه؟ لكنها تقوله ويكون داعماً لها للاستمرار مذيعة، مع أن بقاء المذيعين والمذيعات أو تشليحهممرهون بارادة رئاسية خالصة، أبقت على “أغا” وسرحت “لميس”، التي كرمتها إحدى الجمعيات مؤخراً، فأمسكت في الميكروفون في لهفة المدمن، المحروم من الجرعة لفترة طويلة، وهي تقول إنها اشتاقت اليه، حتى تستدر العطف، فاتها أن جابر القرموطي استدر عطف البشرية كلها من أجل العودة دون جدوى. (وكأنها مولودة مذيعة وفي يدها ميكرفون)!

وليس من المنطق أن تنفخ البرامج التي تقتات على خزعبلات الأذرع الإعلامية للسيسي، مثل “أغا” وأخواتها، فلا يكفي اسمها لجذب الانتباه، وقد تصل لفقرة “على الماشي”، ولكن ليس في كل حلقة، ولم يتبق لهم إلا أحمد موسى، فماذا يفعلون بعد أن جردهم السيسي من أدواتهم وبقطع كثير من أذرعه، إلا أن يفتشوا في دفاترهم القديمة، فليس معقولاً أن يغنوا “ظلموه” للعندليب الراحل!

أكثر من صديق يلفت انتباهي إلى ما قاله هذه المذيع أو ذاك ويدهشني أنه يقصد دائماً مذيعاً موقوفاً عن العمل، إلى أن قال لي أحدهم إنه يتابعهم من خلال هذا البرنامج أو ذاك وهي ذاتها البرامج، التي قامت فكرتها على السخرية منهم، فهمت أنه التفتيش في الدفاتر القديمة!

قال لي أحدهم: هل استمعت الى لميس الحديدي مؤخراً وهي تقول…؟ وقلت له إن لميس الحديدي أحيلت إلى دار المسنين. وقال لي آخر هل معقولة ما قاله الغيطي في حلقته الأخيرة؟ وقلت له إن الحلقة الأخيرة للغيطي كانت منذ شهرين. فلم يوقفوا الغيطي فقط، ولكنهم أغلقوا القناة من بابها. وقبل أيام احتفل أحد مقدمي البرامج بانتهاء فترة الوقف التي قررها له المجلس الأعلى للاعلام كعقوبة، لكن قبل أن تنته كانت القناة نفسها قد أغلقت، فلم تعد هناك قيمة عملية – بالتالي – لمنعه أو لانقضاء مدة العقوبة!

خريطة الإعلام في مصر بحاجة إلى تحديث يومي، لنعرف ملاك القنوات التلفزيونية، ومن بقي ومن رحل، ورغم انشغالي بالنقد التلفزيوني، فإني أحيانا أسأل عن أحدهم فاكتشف أنهم أوقفوه، وأتصور أن آخر أوقف وأحيل للتقاعد، فاكتشف أنه لا يزال يعمل، لأن المُستغنى عن خدماتهم كُثر، ولأن عملية تدوير الملكية للقنوات التلفزيونية تحتاج إلى متابعة على مدار الساعة، والتفرغ التام لهذه المهمة، ولأن مذيعي المرحلة ماتوا بالحياة، فهل يستطيع أحد أن يتذكر الآن آخر حلقة شاهدها لأحمد موسى؟! وهل نمى إلى علم الجميع أن توفيق عكاشة عاد ليقدم برنامجا، وقد فقد حتى القدرة على التسلية، وللدقة فقد روحه، وصار يبذل محاولات يائسة لتقليد نفسه، فتنتهي هذه المحاولات للفشل الذريع!

وهذا الإعراض الجماهيري عن القنوات التلفزيونية التي تبث من القاهرة، استغله أصحاب البرامج إياها في جلب فقرات قديمة لهؤلاء، فيتصور المشاهد أن “الغيطي” لا يزال يقدم برنامجه، وأن “لميس الحديدي” لا تزال حية تسعى!

ليبق السؤال إلى متى سيظل الاستمرار في استخدام “الإرشيف”، وماذا لو نفذ وأوقف السيسي أحمد موسى، وأعاد توفيق عكاشة من حيث أتي؟ أعتقد أنه لن تكون لكم سوى المذيعة “أغا”، فماذا لو انتبه السيسي لخطابها الأبله، فأوقفها، ظني أن الحل يمكن أن يكون في الصحافة المكتوبة، فالمنشور في الصحافة المصرية في هذه المرحلة يمثل مادة جيدة للفكاهة، لعلنا البلد الوحيد، الذي تمنح فيه الزوايا والأعمدة والمساحات الشاسعة من الأرض البور لأميين لا يجيدون القراءة أو الكتابة.
وهذا لتحدي مخطط وقف البرامج التي تقتات على بلاهة المرحلة!

أرض – جو

احتفل العاملون في قناة “دي أم سي” على الـ”سوشيال ميديا” بذكرى اطلاق قناتهم. عامان والقناة رغم الامكانيات الهائلة وهي في “الحضانة” التي يوضع فيها الأطفال غير مكتملي النمو عقب ولادتهم، ولا أمل في الخروج منها.
فعلا، ليس بالمال وحده ينجح الإعلام

أضف تعليقك