• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
منذ ثانية واحدة

بقلم.. محمد طلبة رضوان

إذا كان من توصيف دقيق لما حدث في 3 يوليو 2013 في مصر، فهو أنه كان انقلابا بالتصوير البطيء، بدت فيه ملامح الحدث وتفاصيله واضحةً لأي متابع نصف عاقل، يرى ما يحدث منذ اليوم الأول لحكم الإخوان المسلمين، بل قبل ذلك، إلى يوم التنفيذ. كان سيناريو الانقلاب طبيعيا ومتوقعا، بطبيعة الحال. متوقعا حتى قبل الثورة ذاتها، حين سأل عمرو أديب الكاتب الكبير أسامة أنور عكاشة في 2010 عن مستقبل مصر، قال إن الأمور ذاهبة إلى الانفجار، وسيأتي التغيير، ثم يأتي البيان رقم واحد يحمل الإجهاض الانقلابي. هكذا بنص كلام عكاشة، ولم يزل الفيديو على "يوتيوب". وعلى الرغم من ذلك، جاء التغيير، ونجح الانقلاب، ذلك لأن الجميع، لا الإخوان وحدهم، كان لديهم من الغرور ما يكفي لتمرير فيل من تحت أعينهم من دون أن يبصروه.

منذ اليوم الأول لانقلاب عبدالفتاح السيسي، وسؤال هل يترشح ويحكم مطروح، وإجابة الأخير كانت: لا طبعا لن أسمح للتاريخ أن يقول إن الجيش المصري تحرك لمصالح شخصية.. ثم ترشح وحكم، كما كان يتوقع كثيرون، وكما أنكر كثيرون، غرورا أو نكاية في "الإخوان". ومنذ اليوم الأول لحكمه، وإجابة السؤال عن موعد رحيله أكثر وضوحا من سابقيه، لن يرحل إلا على ظهره. وعلى الرغم من ذلك، فهؤلاء الذين بشّرونا بثورة ثانية غير "25 يناير"، وقائد جيش وطني سيستجيب لمطالب الشعب ولن يطمع في السلطة، وأعظم دستور في التاريخ في باب الحريات، هم أنفسهم من أكدوا أنه سيرحل بعد مدتين. يمكنني تفهم التغافل عن أول صفعة، ولكن لا يمكنني تصور أن أحدهم تلقى أربع صفعات "على سهوة"، ولو كان خارجا من نكتةٍ عنصرية عن "الصعايدة"، فارق كبير بين الغفلة وتعمد التغافل و"الاستعباط" لتمرير ما يجب أن يمر!

تمرير تعديلات دستورية تسمح للسيسي بالحكم حتى تعديل آخر، ومن تعديلٍ إلى تعديل حتى نهاية العمر، هو انقلاب جديد تم بالتصوير البطيء، وحذر منه كثيرون. وعلى الرغم من ذلك، تغافل عنه المعنيون بمتابعته وإجهاضه، فلا توجد أقدار حتمية في السياسة، لا الانقلاب الأول كان قدرا، ولا حكم السيسي، ولا تمرير دستور جديد، ولا انقلاب السيسي الآن على دستوره، كل شيء قابل للتصدّي له، إذا كان هناك حقا من يريد التصدّي!

نشارك في رفض الدستور أم نقاطع؟ سؤال قديم، تكرّر حين ترشح حمدين صباحي "محللا" في الانتخابات التي جاءت بالسيسي. وحين انقلب الأخير على دستور الثورة بآخر، تكرّر في مناسبات عديدة، وكانت المشاركة والتصويت الخيار الأقرب إلى الفعل السياسي. في الحالتين لا جدوى، طالما أنه لا يوجد موقف موحد من كل ما يحدث. التصويت بـ لا فرصة لفتح مساحات من المشاركة للجماهير الذين جرت إزاحتهم عن الشأن العام بقوة السلاح والاستثمار في الإحباط، فرصة لإعادتهم، فرصة ليشعروا معنا بقيمة الصوت الذي يضيع سدى، ومرارة أن تقول لا وتقول الرصاصة نعم.

السؤال الأهم الآن: لماذا يضطر السيسي لشرعنة حكمه مدى الحياة بإجراءات تحمل الطابع السياسي، وهو الذي يفخر بأنه ليس سياسيا، وأعظم إنجازاته منذ جاء هو القضاء الكامل على الحياة السياسية، واستبدالها بموسى مصطفى موسى، ومدام غادة عجمي؟ والإجابة التي يعرفها الجميع هي: متطلبات إرضاء صاحب المحل، فالسيسي مجرّد وكيل عن الرجل الأبيض، وهذا الأخير يحتاج بدوره إلى روايةٍ أمام مواطنيه، ومعارضته، ورأي عام قوي يرفض التحالف مع سفاحين وقتلة فليكن: انتخابات واستفتاءات وبرلمانات وأحمد موسى وعمرو أديب لإقرار أي حاجة، "عاملين نشاط اجتماعي"، يا صديقي: صوّت بلا، وأخبر كل من حولك أن هذا كله يحدث لأن مصر بلا سياسيين حقيقيين، وكل من يخبروننا أنهم يمثلوننا سياسيا هم في حقيقتهم "شوية عواطلية".

أضف تعليقك