• الصلاة القادمة

    العصر 13:46

 
news Image
منذ ثانيتين

بقلم: خليل العناني

لا يمكن لوم الإرهابي الأسترالي، برينتون تارانت، وحده، على جريمته الخسيسة التي ارتكبها بدم بارد، وراح ضحيتها خمسون روحا مسلمة في مسجدين في نيوزيلندا يوم الجمعة الماضي، فهناك آخرون متواطئون معه في جريمته، شرقاً وغرباً. كما لا يمكن بحال اعتبار هذا الفعل الإرهابي مجرّد جريمة أخرى من جرائم الكراهية تجاه المهاجرين والأجانب (الزينوفوبيا) التي أصبحت ملمحاً أساسياً للحياة السياسية في الغرب، وتزايدت خلال العقد الماضي. وإنما هي بالأساس جزء من تيار استئصالي قوي، معادٍ للمسلمين وللإسلام، ولكل تمثلاته في المجال العام. ينطبق الأمر على بلادنا، كما هي الحال على بلاد الغرب، فلا تمكن قراءة جريمة تارانت بمعزل عن جرائم الأنظمة السلطوية العربية ضد مواطنيها، خصوصا الإسلاميين الذين يتم قتلهم وتصفيتهم بالطريقة نفسها التي ارتكب بها تارانت جريمته الإرهابية. ولا يمكن فهم دوافع هذه الجريمة البشعة بعيداً عن التحريض المتواصل الذي يمارسه بعض طغاة العرب ضد المسلمين في الداخل والخارج، ولا عن تحالفهم المقيت مع اليمين المتطرّف شرقاً وغرباً. لذا، لا غرابة أن تأتي ردود أفعالهم على إرهاب نيوزيلندا خجولةً ومرتبكة، وإن لم تكن صادمة.

لدى هذا التيار الاستئصالي من يدعمه بالمال والفكر والسلاح والمواقف السياسية. وقد كان كامناً خلال العقود الماضية، لكنه ظهر إلى العلن مع صعود الرئيس الأميركي، دونالد ترامب،  إلى السلطة الذي شجّعه على إظهار عدائه للمهاجرين، خصوصا من المسلمين، فقد رأينا، للمرة الأولى في تاريخ أميركا، رئيساً يضع "كراهية الإسلام" في مقدمة أجندته الانتخابية، ويعتقد أنه في حرب مع الإسلام، ويتبنى سياساتٍ تحض على هذه الكراهية قولاً وفعلاً. كما رأينا، لأول مرة في تاريخ أميركا، إدارة يمينية متطرّفة، أبرز ملامح سياساتها كراهية المسلمين، فلم يكن للمتطرفين، أمثال ستيف بانون، ومايكل فلين، وسبستيان غوركا، أن يصلوا إلى السلطة، لولا وجود حجم وتأثير هذا التيار الاستئصالي واتساعه في أميركا والغرب، فالأول معروف بعدائه الشديد للإسلام والمسلمين، وللثاني تصريحات واضحة، يرى فيها أن الإسلام (وليس المسلمين فحسب) "سرطان يجب التخلص منه"، في حين أن الثالث معروفٌ بعضويته في جمعية نازية مجرية.

أعطى ترامب، ولا يزال، غطاء سياسياً ومعنوياً للجرائم الإرهابية التي تُرتكب ضد المسلمين في أميركا وخارجها، يسانده في ذلك طغاة عرب ارتكبوا، ولا يزالون، أكبر المجازر الإرهابية ضد شعوبهم ومعارضيهم، خصوصاً الإسلاميين، وذلك مثلما فعل، ولا يزال، بشار الأسد وعبدالفتاح السيسي. استثمر الأخير، ولا يزال، في خطاب قميء مليء بالكراهية والتحريض على المسلمين في الغرب، وهو الذي صرّح، أكثر من مرة، إن المسلمين هم سبب الحروب الدائرة حالياً، واتهم، في فيديو شهير له، مليار ونصف مسلم بأنهم يريدون شن حربٍ على العالم، نتيجة أفكارهم الخاطئة. في حين تقوم دولة الإمارات، ليس فقط بالتحريض على المسلمين في الغرب، وإنما بالتخطيط والتمويل لشيطنة المنظمات الإسلامية التي تقوم على خدمة الملايين من هؤلاء المسلمين، وتشويه النشطاء المسلمين الذين يعملون لوقف حملات الكراهية ضد الإسلام والمسلمين في الغرب، فعلى سبيل المثال، وضعت هذه الدولة منظمات إسلامية نشيطة في الغرب على قائمة مسيّسة للإرهاب، وذلك في إطار حملتها على الإسلام السياسي. ولعل أبرز هذه المنظمات مجلس العلاقات الإسلامية – الأميركية (كير). كما أنفقت أبو ظبي ملايين الدولارات على شخصيات إعلامية وبحثية وسياسية، بغرض تشويه رموز المنظمات الإسلامية المعروفة. كما تسعى إلى إنشاء منظمات بديلة لهذه المنظمات، موالية لها ولأجندتها الخبيثة.

من جهة أخرى، يتحمّل طغاة العرب جانباً من مجزرة نيوزيلندا، بسبب سياساتهم القمعية التي تدفع ملايين المواطنين إلى الهروب والهجرة من أوطانهم، بحثاً عن الحرية والكرامة، فلو وجد المواطن العربي حريته وكرامته، ولقمة عيشه، في بلاده، لما تركها وهاجر، كي يجد نفسه محاصراً ما بين قمع الداخل وإرهاب وكراهية الخارج. وكأن المواطن العربي كُتب عليه الموت قمعاً، أو قتلاً، أو تعذيباً، أو إرهاباً يمينياً عنصرياً.

كما يتحمل طغاة العرب أيضا جزءاً من مسؤولية إرهاب نيوزيلندا، بسبب تحالفهم الشيطاني مع اليمين المتطرّف، ومع صانعي الإسلاموفوبيا ومروجيها في الغرب، ومدّهم بملايين الدولارات عبر المنح والتبرعات لمراكزهم البحثية وأنشطتهم الإعلامية. ومن يتابع تغطية وخطاب المنصّات الإعلامية والفكرية التي يحتضنها ويمولها طغاة العرب يكتشف حجم تواطئهم مع اليمين المتطرّف، ودفاعهم المبطّن عن جرائمهم تحت غطاء أن "المشكلة فينا وليس فيهم". لذا، لن يتوقف إرهاب اليمين المتطرّف ضد العرب والمسلمين في الغرب، ما لم يتوقف طغاة العرب عن قمع شعوبهم وقتلها، والتحريض عليها داخلياً وخارجياً، وقبل أن يفضّوا تحالفهم البغيض مع الإسلاموفوبيا.

أضف تعليقك