• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
منذ ثانية واحدة

بقلم : سامي كمال الدين

في فيلم «الفتوة» يضبط عبد الشكور-الفنان توفيق الدقن- رجلاً يعترض على بيع بطيخ طعمه حامض، لم يستو بعد، ويصرخ فيه هذا البطيخ في عهد مولانا- يقصد الملك فاروق- يتذوق هريدي -فريد شوقي- البطيخ ثم يبصق على الأرض لمرارة طعمه، فيباغته توفيق الدقن: هل أنت تعترض على بطيخ مولانا؟

فيهتف فريد شوقي ومن معه من شخصيات الفيلم في هذا المشهد: يعيش مولانا وبطيخ مولانا.

مع التعديلات الدستورية وهستيريا الهجوم على أي شخص ينتقد تزوير نتيجة الاستفتاء ذات الـ 88% بأنه لا يحق لك أن تنتقد السيسي أو مولانا، أنت خائن وعميل، أو ماذا قدمت لمصر حسبما قال الفنان عزت العلايلي للفنان عمرو واكد لاعتراضه على التعديات الدستورية.. يحضر بشدة هذا المشهد في ذهني، من فيلم «الفتوة» الذي يقع ضمن أهم مائة فيلم في تاريخ السينما المصرية.

أنتج فيلم «الفتوة» عام 1957 في عهد جمال عبد الناصر، لكنه تناول عهد الملك فاروق، كانت الرسالة غير المباشرة في الفيلم عن عبد الناصر ورفاقه الذين أنقذوا مصر من تجويع الملك فاروق للشعب المصري وفساده وسرقته حقوقهم، والإيحاء بأن عصراً جديداً جاء للقضاء على كل هذا لينعم الشعب بالديمقراطية والحرية وعدم الرشى والفساد.

فيلم «الفتوة» قصة محمود صبحي وفريد شوقي، سيناريو محمود صبحي والسيد بدير ونجيب محفوظ وصلاح أبو سيف.

لعب بطولته تحية كاريوكا وزكي رستم وفريد شوقي وتوفيق الدقن وأخرجه صلاح أبو سيف.

وحسب الفيلم فإن كيلو اللحم كان بعشرة قروش، أي أن الجنيه الواحد يشتري 10 كيلو لحمة، والبطيخة بخمسة قروش، وقفص الطماطم بخمسة وعشرين قرشاً.. وهي الأسعار التي وصلت أضعاف أضعافها في عهد عبد الناصر.

الفيلم يعود لقصة حقيقية عن تاجر الفاكهة «محمد زيدان» الذي كان معروفا بـ «ملك الفاكهة».. وهو رجل بدأ حياته من الصفر، حيث عاش حياة فقر أليمة، إذ قدم من الصعيد يبحث عن عمل في قاهرة المعز، ثم وصل إلى ثراء فاحش، قربه من الباشوات، ورجال الساسة في عصره، وحصل على لقب البكوية، بل ووصل به الأمر إلى التواصل المباشر مع القصر الملكي.

جذبت قصة الفيلم فريد شوقي الذي لم يكن يعلم حين قرر إنتاجه أن هذا الفيلم سيذهب به إلى المحاكم، فما إن عرض الفيلم في السينما عام 1957 حتى رفعت عائلة ملك الفاكهة محمد زيدان دعوة في محكمة الأمور المستعجلة تطالب بإيقافه، بل وصل الأمر إلى تهديد فريد شوقي نفسه بالقتل، بل وذهاب بلطجية إلى سينما الكورسال، حيث يعرض الفيلم وتهديد الجمهور الذي جاء لمشاهدته!

وبالفعل أصدرت المحكمة قراراً بإيقاف الفيلم، وتبادل فريد شوقي رفع القضايا هو وعائلة محمد زيدان، التي كسبها فريد شوقي وتمت إعادة الفيلم للعرض في دور السينما.

القصة التي أغرت فريد شوقي عن محمد أمين، أنه جاء من بلده إلى العاصمة رث الثياب معدماً، وأصبح المتحكم في تجارة الفاكهة في المحروسة كلها، وفرض شروطه وسيطرته وسطوته، واحتكر المنافسة لنفسه، بسبب اتصالاته مع السلطة، لتنتهي حياته بتسع رصاصات.

تم تحميل الفيلم العديد من الرسائل السياسية ومنها أن عهد فاروق عهد تجويع الشعب وإذلاله، وأن الحكومات فيه تقدم لها الرشاوى من خلال وسيط «امرأة» - لعبت دورها ميمي شكيب- وأن كل شيء فيه يُشترى من الباشوية إلى البكوية، إلى السيطرة على التجارة والأسواق في مصر، وجاءت نهاية الفيلم بين زكي رستم وفريد شوقي بالموت خنقاً من الغاز داخل ثلاجة الفاكهة، بينما تسقط صورة كل منهما المعلقة على جدار شركة الفاكهة الخاصة به، وتسقط معها صورة الملك فاروق المعلقة على نفس الجدار، والتي توحي بسقوط عهد من الفساد والظلم والرشى، بينما الحقيقة أن شيئاً لم يتغير بين عهدي فاروق وناصر، فقد استمر الفساد والرشى والاستبداد والقهر على المواطن المصري، واستمر الأمر حتى عهد السيسي ليتم إذلال المواطن المصري ليدلي بصوته ويقول نعم في التعديلات الدستورية مقابل كارتونة فيها كيلو سكر وزيت وشاي ومكرونة أو أرز!

استطاع نظام جمال عبد الناصر تطويع القوة الناعمة لصالحه، فقام فنانون يمتلكون من الموهبة والنجومية وحب الجماهير لهم بتقديم رسائل مباشرة وغير مباشرة سواء من خلال أعمالهم الفنية، أو دعم مباشر في لقاءات صحفية وتلفزيونية، وهو الدور نفسه الذي يقوم به الفنانون في عهد السيسي الآن، ليظل بطيخ مولانا علامة خالدة تدل على استبداد كل طاغية.

أضف تعليقك