• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
منذ ثانية واحدة

بقلم: الدكتور محمد الصغير

استطاع عبد الفتاح السيسي أن يمرر تعديل الدستور الذي فُصل على مقاسه يوم أن طالب بتحصين وزير الدفاع من العزل ليبقى في المنصب ثماني سنوات حتى لو تغير رئيس الجمهورية! لأنه لم يكن واثقا من الوصول إلى منصب الرئاسة، وبعدما تم له المراد وأصبحت المادة تحصن الفريق صدقي صبحي الذي أعانه على الانقلاب وسانده في خلع الرئيس المنتخب، شعر السيسي بالقلق كعادة كل منقلب، واعتبر أن المادة كانت خاصة بشخصه لا بصفته فأقال رفيق دربه وزميل غدره، ضاربا عُرض الحائط بالدستور لأن العساكر لا يقيمون وزنا للدساتير.

وسريعا جرت أيام المدة الثانية في حكم السيسي، والبلاد العربية لا تعرف الرئيس السابق فقرر السير على خطى أسلافه في العبث بمواد الدستور الذي وضعوه له بما يتناسب مع تطلعاته الجديدة، واستطاع السيسي من خلال البرلمان الذي يتعامل معه بمنطق "النهاردة عندي وبكرة عندك" أن يجدد لنفسه عامين زيادة على الفترة الحالية من دون المرور على الناخبين! كما يحق له الترشح لفترة ثالثة مدتها ست سنوات أيضا حتى يصل إلى 2030 السنة التي تحمل رؤية صديقه ولي عهد السعودية!

لكن أخطر ما في تعديلات الدستور الأخيرة العودة بمصر إلى مرحلة تركيا قبل خمسين سنة من خلال وضع الجيش سلطة عليا فوق رئيس الدولة، كما يحق للجيش الانقلاب بقوة الدستور تحت مظلة حماية مدنية الدولة، ولا أدري كيف تكون السلطة العسكرية هي راعية المدنية؟

دسترة الانقلابات

السيسي طال الزمن أو قصر سيرحل، وحتما سيرحل لكن خطورة هذه المادة تكمن في دسترة الانقلابات العسكرية، وجعل الجيش مصدر جميع السلطات.

ولا يخفى على أحد تاريخ مصر الطويل، وباعها الكبير في علوم القانون بأنواعه، حيث حفلت مصر بثلة من أساتذة القانون الدستوري أشرفوا وشاركوا في وضع دساتير بعض الدول، ولست أدري كيف سيدرس هؤلاء لطلابهم قيمة الدستور وأهميته بعد هذا العبث الذي لم تشهد له مصر مثيلا قبل ذلك؟

لكن جديد هذه المرة أن تعديلات السيسي حازت رضا الكنيسة وكهانها، ومباركة حزب النور وسدنته، وكلاهما أظهر أنه يذوب عشقا في الرئيس فصرح القساوسة أنهم يعيشون العهد الذهبي معه حتى نعتوه بالمخلص!

ويرى شيوخ الحزب أن الحفاظ على الدعوة لن يكون إلا في كنفه وتحت ظله! ولا أدري كيف استطاع السيسي أن يحظى بحب الضرتين، وينال رضى العصابتين؟

مع أن المراقب يرى أن دعوات القساوسة كانت مبررة برد الجميل، فالرجل خيره سابق وفضله سابغ، أما في حالة برهامي وأتباعه فهم يؤدون دورا لا يملكون مخالفته ولا التوقف عنه، والذي يتذكر سلم التنازلات يعرف أنه بدأ بقولهم نتعامل مع الانقلاب تعامل المضطر الذي يأكل الميتة حتى وصلوا إلى مرحلة الدعوة إلى الميتة واستطابتها، ولا يستبعد أن يندمج حزب النور مع الكنيسة في كيان واحد ويصبحا حزب أم النور (كنية العذراء عند الأقباط).

هل اكترث منهم أحد أو اعترض نواب الحزب في البرلمان على زميلتهم نادية هنري التي طالبت بمعاقبة الموظفة التي لم تقف إجلالا للبابا ولم تظهر له الخضوع المقدس وهو يدلي بصوته في تعديل الدستور؟ وبأي قانون أو دستور ستعاقب الموظفة؟ إلا إذا كانت النيابة الإدارية أضافت إلى قوانينها عقوبة "الشلح"!

وتعالت صيحات من كل اتجاه بوجوب ذهاب الموظفة إلى الكنيسة وتقديم الاعتذار، وربما يلزمها رئيسها المباشر بحضور قداس الأحد مدة من الزمن حتى تكفر عن خطيئتها.

إننا في زمن تسلط الأقلية السيساوية التي لا تعرف حدود القانون الذي يحفظ كرامة الموظف أثناء تأدية عمله، ولا تقف عند حدود الشريعة التي تقول: دع الناس وما يدينون (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ).

أضف تعليقك