• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
منذ ثانيتين

بقلم : سامي كمال الدين

ذات يوم من العام ٢٠١٢ وأنا أجلس في مكتبي في شارع طلعت حرب بوسط القاهرة فوجئت باتصال هاتفي من إدارة مجلة الدوحة في قطر، التي كنت أتولى إدارة مكتبها، تسألني: لماذا لا ترد على سفير قطر في القاهرة؟

قلت لهم: أين أرد؟!

- على هاتفك

- نظرت في هاتفي المحمول فإذا عدد كبير من الاتصالات من رقم أرضي .. طلبت الرقم فكان مكتب سفير دولة قطر في القاهرة. جاءني صوت سكرتيرته السيدة جيهان، والتي حوّلتني إلى السفير.. الذي بعد ترحاب سألني: لماذا لا تُرسل لي مجلة الدوحة.. أم نحن لا ندخل ضمن دائرة المثقفين؟.

- قلت له ضاحكاً: أنا أخشى إذا اختلطت السياسة بالثقافة أن أضيع بينكما.. وأنت كل يوم تشاهد التظاهرات أمام السفارة، فتنتقل عدواها إلى مكتب مجلة الدوحة.

- كان ودوداً في مهاتفته، طلب مني إرسال المجلة، وعزمني على عشاء حضره مصطفى الفقي وصلاح السعدني وصفية العمري ووائل الإبراشي، ولهذا العشاء قصة أخرى ..

- كان الأهم في المُكالمة قوله لي: تعرف اللواء منصور العيسوي؟

- قلت له: جزّار شارع محمد محمود.

- قال لي دون أن يُعلّق، مستخدماً الدبلوماسية: وزير الداخلية السابق؟

- قلت له: نعم

- قال: يبحث عنك، هذا رقم هاتفه تواصل معه، ونلتقي على العشاء!.

- ربما ظل الهاتف على أذني عدة دقائق، انتابتني حيرة طويلة.. ما الذي يُريده مني وزير الداخلية ؟!

- ثم إذا كان يُريد اعتقالي أو القبض علي ما هي علاقة سفارة قطر والسفير القطري بشأن مصري خالص بين وزير داخلية ومواطن مصري؟!.

- بدّد حيرتي صوت اللواء منصور العيسوي على هاتفي .. وأفاجأ بالرجل يسرد علي تاريخ مجلة الدوحة منذ تأسيسها؛ وكيف كان يُتابع فيها مقالات نجيب محفوظ وقصص يوسف إدريس وإبراهيم أصلان وأحاديث نجيب الريحاني وأحمد رامي!

- قاطعته مُعيداً عليه السؤال: هل حضرتك اللواء منصور العيسوي وزير الداخلية؟ .. أكد علي بـ «أيوه يا أفندم أنا».

- ثم راح يُكمل: «كل شهر أبعت العساكر يدوروا على المجلة في الأكشاك وعند بيّاعين الصحف، لكن بلا فائدة.. العدد ينفد نهائياً من السوق» .. قلت له: دون أن أدري: لأنها المجلة اعتادت كما المُواطن المصري أن العسكري ينزل الشارع لمُطاردة المواطن والقبض عليه، وليس للبحث عن الثقافة.

- ضحك اللواء العيسوي وقال لي: «يبدو إننا هنكون أصدقاء.. هل تسمح لي أزورك وأشرب معاك فنجان شاي؟..

- قلت له: إذا لم يكن على طريقة أقسام الشرطة «شرّبه شاي» أهلاً وسهلاً.

- لم يُعلّق، ولمست في صوته الضيق وهو يطلب تحديد اللقاء.

- بعد يومين قَدِمَ إلى مكتبي اللواء منصور العيسوي .. استغربت كثيراً، فهذا المكتب الذي استقبل جلال أمين ومحمد المخزنجي وإبراهيم أصلان وعلي فهمي خشيم ومكاوي سعيد وسعيد الكفراوي وعبد العزيز مخيون وجمال سليمان واستقبل أيضاً شباب ثورة 25 يناير، وكانوا ينامون فيه أثناء الثورة، بل واستقبل شباب الثورة في أحداث محمد محمود، يستقبل الآن منصور العيسوي وزير داخلية محمد محمود!.

- رُحت أردّد مع يوسف وهبي «يا لسخرية القدر»..

- بادرت اللواء منصور العيسوي القول: خطوط الأمس تتماهى أمامي مع خطوط هذه اللحظة الغريبة .. فقد كُنتُ ذات يوم أحد الشباب الثائر في شارع محمد محمود وأمام وزارة الداخلية، وكُنتَ أنت وجُنودَك تَحمِلون البندقية وتضغطون على الزناد لقتلي وزملائي...

- تذكّرتني وصورتي أمام وزارة الداخلية مُمسكاً بالتباشير، كاتباً على سور الوزارة «يسقط كلاب الداخلية».

- تحدّث معي وزير الداخلية وأفاض حول عدم معرفته بالسبب الحقيقي الذي دعى لأحداث محمد محمود .. وأخبرني بأنه لم يُعط أوامر لأي ضابط بإطلاق النار على أي مُواطن طالما لم يقتحم حرم وزارة الداخلية.. وأكد أن الخرطوش لم يكن بأوامره..

- ربما لم أستوعب وقتها هذا الكلام.. لكن كان المُدهش أني كلما تجاذبت معه أحاديث السياسة والثورة جذبني هو إلى الشعر والنثر والرواية.. وبعد ما يزيد على الساعة غادر الوزير مكتبي.. ومعه أعداد من مجلة الدوحة.. ووعدني بأن لديه ما يقوله.. وسيقوله لي، لكن ليس الآن.

- ربما توقّع الرجل من واقع خبرته الطويلة أن مكتباً في وسط القاهرة ويتبع قطر، بالتأكيد وضعته المُخابرات تحت المُراقبة.

- بعد أسبوع هاتفني اللواء منصور العيسوي وحدّد لي موعداً في بيته بحي الجيزة.

- شقة واسعة.. يغلب عليها طابع السبعينيات في الأثاث والديكور وطرق الإضاءة.. وتميل أكثر إلى الطابع الكلاسيكي.. وكان المفاجئ وجود الآف الكتب في كل ركن في البيت.. والمُدهش أن وزير الداخلية أطلعني على دفتر كبير، فيه عناوين هذه الكتب، وطبعاتها ودار النشر التي طبعتها، وجدت لديه أعداد مجلة الرسالة والجيل والإثنين .. والأعمال الكاملة لنجيب محفوظ وأحمد شوقي وحافظ إبراهيم، وكتب طه حسين طبعة دار المعارف، وتوفيق الحكيم ويوسف إدريس في مجلدين، و.....

- ونحن نشرب فنجانين من القهوة المحوّجة، بن عبد المعبود، وكيف أنسى طعمه؛ وقد كنت زبونه الدائم في باب اللوق، وبدأ وزير الداخلية يسرد لي تجربته:

- «خرجت من العمل بالداخلية منذ سنوات طوال، وتم استدعائي عقب ثورة يناير لتولي حقيبة وزارة الداخلية».

- نواصل

أضف تعليقك