• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
منذ ثانيتين

بقلم: عامر شماخ 

استعرت هذا العنوان من الأديب الإسلامي الدكتور نجيب الكيلاني، رحمه الله، الذي اتخذه اسمًا لإحدى رواياته، التى قررتها وزارة التعليم على أحد الصفوف الدراسية فيما بعد ونالت شهرة كبيرة. وإذا كان الكيلانى قد دارت روايته حول أحداث حرب عام 1973 التي جرت في رمضان وتيمن بالشهر الفضيل، شهر الانتصارات، عند اختيار عنوان عمله الأدبى- فإن كثيرًا من بعده قد حبذوا هذا العنوان أيضًا فى أعمالهم الفنية حبًّا وكرامة فى خير شهور الله، وطمعًا فى التماس بركته ونيل هداه.

ولم أر أحدًا ممن نشهد لهم بالإيمان إلا وكان رمضان حِبًّا له، عزيزًا عليه ينتظر بالشوق مجيئه؛ فيحسن استقباله، ويودعه بالأسى كأنه أحد رحمه الراحلين. ولا يعرف فضل رمضان إلا أهل التقى، أهل الصوم والقرآن والصلاة والصدقة؛ فهو زاد السائرين إلى الله، ومفتاح عظيم من مفاتيح الجنان، ومدخل فريد لمضاعفة الحسنات، وإقالة العثرات، وإجابة الدعوات، والعتق والغفران ما جعل الصالحين يترقبونه لفضائله التى لا تعد وبره الذى لا يدانيه بر، وصدق المعصوم: «من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدم من ذنبه».

وإذا كان الصوم قد كُتب على الأمم السابقة كما كُتب علينا (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [البقرة: 183] لأجل التقوى والإيمان ودرء الإثم والعصيان؛ فإن رمضان يقدم هذا الصوم بطريقة جامعة مانعة، ضمن باقة محمدية تشمل أسس الهدى والدين، ومحاسن الخلق القويم؛ فرمضان لأمتنا ليس صومًا فقط، ومعلوم أن الصوم طريق الزهد والصبر والحلم والكرم، إنما يضاف إليه الذكر والتلاوة والدعاء وكثير من الطاعات التى إن أُحسن أداؤها فهى ضمان لتزكية النفس وتهذيبها، والحيلولة بينها وبين مساوئ الأخلاق كالبطر والبخل والكسل والإحباط، وهى ضمان كذلك لمجاهدة النفس، ومعاودة النشاط، والتطهر والتوبة، والمحاسبة ومراجعة الذات.

إنه معرض الخيرات، و(أوكازيون) الحسنات، ولم لا يكون كذلك وهو شهر الفرقان (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ) [البقرة: 185]، وهو شهر المواساة كما أخبرنا المعصوم –صلى الله عليه وسلم- وهو شهر تضاعف فيه الحسنات إلى سبعمائة ضعف، وتجبر فيه الأعمال، وتتنزل فيه الرحمات حتى عُدَّ من الأشقياء من لم يدركه رمضان فلم يغفر له، يقول النبى -صلى الله عليه وسلم-: «كل عمل ابن آدم له، الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، يقول الله عز وجل: إلا الصيام فإنه لى وأنا أجزى به، إنه ترك شهوته وطعامه من أجلى، للصائم فرحتان؛ فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه، ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك».

وقد تخطى فضل رمضان إلى أهل المعاصى، أرأيت من كان الشهر سببًا فى عودتهم إلى الله؟ وهم كثرة لا تعد، حضرهم الشهر وهم على ما فيه من الذنوب فنادى منادى رمضان فطالتهم كرامته فإذا هم خلق جديد؛ طهارة نفس وراحة بال واستنارة بصيرة، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم، فيا ليت الدعاة يتخذون من سيرة هؤلاء ما يحفز الشباب- الذى اجتمعت عليه أسباب الجنوح والمعصية- كى يحذوا حذوهم؛ ويلتمسوا فى الشهر الكريم ما التمسه هؤلاء التائبون. والشهر بفضل الله يعد (روشتة) كاملة لعلاج مشكلات الشباب، بل تنميتهم والنهوض بهم، وأقل ذلك ضمان عفتهم وطهارتهم؛ يقول النبى –صلى الله عليه وسلم-: «يا معشر الشباب؛ من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء».

بل يفعل هذا الحبيب فى أمتنا ما لا تفعله شعيرة أخرى حتى أُطلق عليه (شهر الأمة الواحدة) فهو جامعها على الطاعة، رابطها برحم الإسلام، موقظ همتها، موحد شعورها، وسيأتى يوم- كما تكرر من قبل- تجتمع فيه الأمة تحت راية واحدة وزعامة واحدة، ولن يجتمع لأمة أخرى ما اجتمع لأمتنا من وحدة المنهج والغاية، وسمو الهدف وعظمة الرسالة؛ وإن شعائر هذا الشهر كفيلة بكل هذا، وأول الخطى إصلاح ذات بين المسلمين، وجمع شتاتهم، وترقيق قلوبهم، وتليين أفئدتهم.

إن الخاسر من يفوِّت هذا الشهر دون اغتنام رحماته، من يشعر بثقل واجباته وتباطؤ ساعاته. ليعلم هذا أن فى نفسه شيئًا يمنعه من المسرَّة برمضان، وحبه والإيناس بلياليه. والأعظم خسارة من يجهر بمعصية الله فيه؛ فهذا قد اجتمعت عليه نفسه والشياطين فضل ضلالاً بعيدًا؛ إذ يشعر الأسوياء فى هذا الشهر بصفاء النفس، وراحة الجسم، والانفكاك من مخالب الدنيا الخادعة، ويملؤهم شعور بالقوة والعلو كما يتلبسهم شعور بالرضا والقناعة، وتلك من نفحات ذلك الحبيب: رمضان.

أضف تعليقك