• الصلاة القادمة

    العصر 13:46

 
news Image
منذ ثانيتين

بقلم: سامي كمال الدين

في تأملي لمكتبة اللواء منصور العيسوي وزير الداخلية الأسبق (من مارس 2011- وحتى ديسمبر2011) في بيته، تذكّرت قولي أثناء زيارته لي في مكتبي في وسط القاهرة: خطوط الأمس تتماهى أمامي مع خطوط هذه اللحظة الغريبة.. فقد كنت ذات يوم أحد الشباب الثائر في شارع محمد محمود وأمام وزارة الداخلية، وكنت أنت وجنودك تحملون البندقية وتضغطون على الزناد لقتلي وزملائي ..

لم يدهشني أن منصور العيسوي من هواة الكتب والثقافة، ويظل أياماً يبحث عن عدد جديد من مجلة الدوحة الثقافية، فقد عرفت أيضاً وزير الدفاع السوري الأسبق مصطفى طلاس (1932-2017) وزرته في بيته ومكتبه في دمشق عام 2005 وحصلت منه على حديثٍ أحدَث ضجّة كبيرة في سوريا ومصر، لأنه تحدّث فيه عن تفاصيل تصعيد بشّار الأسد لحُكم سوريا، وكيف ساهم هو وجنرالات الجيش في توفير انتقال آمن وجبري للسلطة من الأب للابن.

كان طلاس من مُحبي الثقافة والمُثقفين والفنانين، خاصة الفنانات منهن، وله معهم حكايات سرد بعضها عليّ، ولديه دار نشر وطباعة، وله عددٌ كبيرٌ من الكتب عليها اسمه، لكني لا أظنها من تأليفه، وقد تجوّلت كثيراً معه في سيّارته الجيب التي تحمل رقم 2273 في شوارع الشام، وهو يسرد بطولاته في دنيا الفن والسياسة.

اللواء منصور العيسوي وزير الداخلية المصري لم يكن كذلك، فقد كانت تستهويه الكتب والكتابة، وأراد أن يختم حياته مع قراءة الكتب بعيداً عن عالم السياسة والشرطة، فقد ابتعد لأكثر من 15 عاماً عن الشأن العام قبل أن يتم تعيينه وزيراً للداخلية، فكان آخر منصب تولّاه، محافظاً لمحافظة المنيا عام 1996 لمدة عامين، حيث أحاله الرئيس مبارك للمعاش عام 1997 بعد خلاف مع مدير مكتب حسني مبارك.. لقد قام العيسوي، وكان مديراً لأمن القاهرة، بسب الرجل، حيث حدث خلاف على أرض خاصة بالشرطة، استولت عليها سيّدة، أبناؤها أصدقاء لجمال وعلاء مبارك، عبارة عن فيلا و20 فداناً، بينها 11 فداناً تملكها جمعية الشرطة و9 أفدنة لجمعية اتحاد البنوك، ورغم الحصول على حُكم مَحكمة لصالح الشرطة، إلا أن مدير مكتب الرئيس قدّم تقريراً عكس هذا لمبارك، الذي أرسل له رسالة من خلال اللواء حسن الألفي، وزير الداخلية في ذلك الوقت، قال له فيها: «قل لمدير أمن القاهرة يسترد الأرض ولكن دون بلطجة»، وهنا قال العيسوي للوزير الآتي: «بص أنا شتمت مدير مكتب الرئيس»، ووقع الألفي في حيص بيص، فمن يفعل ذلك بالتأكيد شخص فاقد لقواه العقلية، فمدير مكتب الرئيس يمكن أن يُرسله للآخرة دون تردّد. لكني لمست حباً حقيقياً له داخل وزارة الداخلية بعد تركه منصب الوزير بثلاثة أعوام في مُشكلة تعرّضت إليها وطلبت تدخّله، تتعلّق بفساد سياسي وإعلامي سوف أسردها لاحقاً.

لم يكن اللواء منصور العيسوي يختلف عن أي وزير داخلية في رؤيته للأمور، صحيح أنه يرى أن حبيب العادلي يتحمّل ما حدث يوم جمعة الغضب من «انفلات أمني»- والتعبير له وليس لي - وأن عدم المقدرة على السيطرة على هذا الانفلات سببه فشل في الإدارة، لكنه أيضاً مُقتنع بأن جهات خارجية هي من اقتحمت السجون وأخرجت المساجين إبان ثورة يناير 2011، وأن الإخوان وراء الكثير مما يحدث في مصر.

يبدو أن الكتالوج الأمني واحد، لكن الكتالوج الثقافي لمنصور العيسوي يختلف كثيراً عن وزير داخلية مثل حبيب العادلي مثلاً، فمن الذي صدّر منصور العيسوي لتولي وزارة الداخلية في واحدة من أصعب مراحل تاريخها طبيعي أن تكون هذه رؤيته، فهو أحد أفراد المنظومة الأمنية التي تواجدت في عصر مبارك، لكن كان يعنيني مُحاولة فهم ما حدث في أحداث محمد محمود الأولى، فقد كنت في الشارع، وكان هو في كرسي الوزارة التي تقتل وتُعذّب، ثم أنا صحفي يشغلني طوال حياتي مبدأ سقراط في السؤال، فلدي شغف دائم بتلقي إجابات على أسئلة تظل حائرة لسنوات، طالما مَنْ تُطرح عليه في مَنصب رسميّ، لكن بعد مرور سنوات من تركه هذا المنصب، ربما يُعيد النظر في كثير من الأمور التي حدثت في عهده، وكذلك نحن تتضح لنا الرؤية بشكل أكبر، فقد كنا نظن أن المُواجهة بيننا وبين الداخلية ونظام مبارك عام 2011، وأن الجيش حمى الثورة ويقف في ناصيتنا، وبعد أن بدأ الحديث عن الطرف الثالث لم يشك أحد في جنرالات ولا شخصيات في المخابرات الحربية لها علاقة بالطرف الثالث، حتى تقادمت على مصر الأحداث الجِسام، ووصلت إلى ما وصلت إليه الآن، لذا فقبل الإجابة على من هو الطرف الثالث في أحداث شارع محمد محمود الأولى، هناك سؤال قبل هذا، وهو من الذي أتى باللواء منصور العيسوي وزيراً للداخلية، وهو لم يكن مُرحباً به من حبيب العادلي الذي كان مديراً لجهاز أمن الدولة، وقت أن كان منصور العيسوي مديراً لأمن القاهرة، فهل يملك اللواء منصور العيسوي الإجابة؟.

نواصل ...

أضف تعليقك