• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
منذ ثانيتين

 

بقلم: حلمي الأسمر

(1)

لم تتعرّض جماعةٌ إسلاميةٌ لهجماتٍ متضادّة ومتناقضةٍ مثلما تعرّضت جماعة الإخوان المسلمين، فقد قيل إنها “صناعة أميركية”، وقد سبق واتهمت بأنها صناعة بريطانية، واجتهد أصحاب هذه “النظرية” في حشد أكثر ما يستطيعون من “أدلة” عبر رصد أي تصريحات أو لقاءات، أو معلومات ضمتها بطون الكتب، والتصريحات، المبثوثة هنا وهناك. واتهمت أيضا بأنها إحدى تشكيلات الحركة الماسونية، أو أنها شكل آخر من أشكال تلك الحركة، وبلغ الاتهام حدودا أبعد، حين قيل إن العدو الصهيوني ساهم في “رعاية” إخوان فلسطين، ومهد لهم الطريق للانقلاب على حركة فتح، وتأسيس حركة حماس (من رحم الإخوان) لشق الصف الفلسطيني. لم تقف الاتهامات عند هذا الحد، بل تجاوزتها إلى ما هو أخطر، فقد ألحقت دول عربية الجماعة بما يُسمى الإرهاب قبل سنوات، وتعمق الاتهام وقوننته بعض الدول، وبدأت الملاحقات والاتهامات على هذا الأساس. وخلال سنوات ما بعد ثورة الربيع العربي، تم ربطها بعمليات قتل في مصر وغيرها، وهي عملياتٌ إرهابيةٌ فعلا بكل المقاييس، ولكن لا علاقة للإخوان المسلمين بها. ومن غريب الأحوال أنك تجد نخبا وإعلاميين يصدّقون أن الجماعة كذلك، وأول ما ينقض هذا الكلام الفارغ أن رصاصة واحدة لم تطلق في أثناء عمليات اعتقال الآلاف من قادتها وأعضائها، بعد الانقلاب على أول رئيس مصري منتخب وهو محمد مرسي، ولو كانت الجماعة “إرهابية” فعلا أو عنيفة، لما استسلم كل من اعتقل من أعضائها، ومد يديه لزوار الفجر لوضعها في الأغلال طواعية، وبمنتهى التسليم والاستسلام، ونحن نعرف أن أي شخص عنيف أو من أصحاب السوابق، يبادر فورا بإطلاق النار على من يريد اعتقاله، فكيف تستقيم فرية العنف والإرهاب، مع ما شهدناه من “وداعة” إخوانية في أثناء عمليات الاعتقال والدَهْم؟

من غرائب قيلت أيضا، في معرض الزعم إنهم صناعة أميركية، وعملت بالتنسيق مع إدارة الرئيس الأميركي السابق، أوباما، الزعم أن شقيق أوباما من “الجماعة”، فضلا عن إلصاق تهمة الانتماء لها، بعددٍ غير معروفٍ من الصحافيين الأجانب، من غير المسلمين أصلا، ناهيك عن اتهام نشطاء علمانيين، وربما غير مسلمين، بالتهمة ذاتها، بل بلغ الأمر ببعض عباقرة الإعلام المصري أن تحدثوا عن محور غزة – تل أبيب – واشنطن الإرهابي!

(2)

كتب بريندان أونيل في صحيفة ديلي تلغراف البريطانية: إذا نظرنا إلى الوراء وعلى مدار العام 2013، لنعثر على الشخص، أو التنظيم الذي قام بمعظم الجهد للحفاظ على المثل العليا للديمقراطية والحرية، والذي يجب أن يفوز بالجائزة الكبرى لدفاعه عن الحقوق الديمقراطية في مواجهة الاستبداد، وإنهاء الحكم الفردي الاستبدادي، فإني لا أستطيع أن أصدق نفسي، وأنا على وشك القول إنها جماعة الإخوان المسلمين، أو على الأقل مؤيدوها في مصر”. ويرى الكاتب في مقاله “الإخوان المسلمون، أمر يصعب تصديقه”، أن “أكثر من أي مجموعة من البشر على وجه المعمورة… جازفت الجماهير المصرية المؤيدة للإخوان المسلمين بالتضحية بأرواحها وبأجسادها عام 2013، في محاولةٍ للحفاظ على المبدأ القائل إن من حق أفراد الشعب أن يختاروا قادتهم السياسيين”.

كتبت مجلة فورين بوليسي، وحسب تقرير علية حسن حسن وعلا سالم، إن الأنظمة العربية هي الأشد كراهية للإسلام، بناء على ما صرح به مسؤولون عرب، فإن الأنظمة العربية تنفق ملايين الدولارات على مراكز البحث والتفكير، وعلى المعاهد الأكاديمية وعلى شركات اللوبي (الضغط السياسي) للتأثير على التفكير داخل دوائر صناعة الفكر والقرار في العواصم الغربية تجاه النشطاء السياسيين المعارضين لحكم هذه الأنظمة، والذين يغلب عليهم طابع الالتزام الديني. ولطالما كان مجال مواجهة التطرّف هو الجبهة المثالية للسردية المفضلة التي تسعى حكومات المنطقة إلى ترويجها. ومن خلالها تستدر عطف الغربيين، عبر الزعم أنها هي أيضاً تعاني من غدر الجهاديين الراديكاليين، وأنها تعرض على الغربيين العمل معاً في سبيل استئصال جذور الخطر الإسلامي المهدد لهم جميعاً.

استهداف الإخوان المسلمين ليس استهدافا للجماعة، بل للفكر الذي تقوم عليه. ثمّة استهداف للإسلام ممن يزعمون أنهم مسلمون، بل ربما قامت شرعية “مشيخاتهم” على الإسلام أصلا، إنهم اليوم يقومون بدورٍ يشبه، إلى حد كبير، الدور الذي حاول القيام به أبرهة الأشرم، حينما شن هجوما لهدم الكعبة. عربان اليوم من الدواعر وصهاينة العرب هم أصحاب الفيل الجدد الذين يحاربون الأمة بمالها ورجالها ولحى وعمائم “مشايخها” الذين ارتضوا أن يكونوا سيوفا في أيدي الطغاة، ربما فرارا من السجن، أو طمعا بالخيرات. لا فرق، المهم أنهم خانوا العهد، وأخذوا رتبهم المعدّة لهم في سلك “علماء السلاطين” من حارقي البخّور للظلمة والقتلة والمستبدّين. ولهذا لم يعد مستغربا أن نرى صحيفةً تحمل اسم “مكة” المكرمة، وتنطق باسم النظام الرسمي، تدرج اسم الشيخ الشهيد أحمد ياسين، وآخرين ممن قتلهم العدو الصهيوني غيلة، في سجل “الإرهابيين”. إنها حقبة جديدة في التاريخ العربي المعاصر، حقبة سقوط الأقنعة، وتمايز الخبيث من الطيّب، ولعلها تكون بداية النهاية لأكبر عملية دجل وكذب مرّت بها الأمة، مارسها مشعوذون مجرمون في لباس قادة وزعماء ومصلحين.

أضف تعليقك