بقلم: محمد طلبة رضوان
الكوبري، بلغة الحواري المصرية، هو تمرير الكرة بين قدمي الخصم، وهي مراوغةٌ يطرب لها جمهور كرة القدم، تعبر عن مهارة صاحبها، وعدم تركيز الخصم الذي لم يغلق رجليه جيدا فمرت الكرة بينهما، الكوبري "فرجة" كروية تجلب الاستمتاع لجزءٍ من الثانية، ثم ينتهي كل شيء. أغلب الكباري بلا فاعلية حقيقية على مرمى الخصم، لمجرد الاستعراض، وإهانة الخصم المجانية، قليل من الكباري يشارك في بناء هجمة حقيقية. أفضل الكباري هي التي تمر من بين قدمي حارس المرمى، وتترجم إلى هدف حقيقي. في السياسة، يشتغل الفاشلون على الصورة، اللقطة، كل ما يوحي أن شيئا ما يحدث، ويبشر بخير قادم، فيما هو في حقيقته مجرد كوبري. في مصر كان المصريون يتندرون على حسني مبارك بتسميته حسني كباري، ذلك لأن الرئيس الذي حكم مصر ثلاثين سنة لم يكن لديه إنجاز يردّده عنه إعلامه سوى الكباري (الجسور)، وهو نفسه الرئيس الذي شهدت مصر في عصره أكبر نسبة حوادث طرق في تاريخها، وأكبر عدد من ضحايا هذه الحوادث. وكانت حوادث مروعة كثيرة بسبب عدم وجود كباري في مناطق ريفية تحتاجها بشدة، لكنها ليست تحت دائرة الضوء. كان الرئيس مشغولا بالكباري التي تلتقطها الكاميرا، يذهب لافتتاحها مع رئيس حكومته ووزرائه وحاشيته وتلفزيونه، ويصاحبه على الشاشات صوت شادية "أصله ما عداش على مصر"، فيسخر المصريون: "أصله ما عداش ع الكوبري".
الجوامع الكبيرة، والكاتدرائيات، والعاصمة الإدارية الفخمة، والأوبرا الجديدة، والجسور المعلقة، يعتبرها الإعلام داخل مصر إنجازاتٍ، في حين أن المواطنين الذين نزلوا ضد محمد مرسي، اختناقا من أزمة الوقود وارتفاع سعر الدولار، كانوا يأملون من خلفِه منجزا يتعلق بالملفات نفسها، لا يمكن أن تصنع أوبرا لجائع، الأوبرا لا يدخلها إلا أصحاب الكرافتات الشيك!
يخبرني صديقي اللبناني أنه ذاهب لقضاء إجازته السنوية في شرم الشيخ، آخر أسبوع قبل شهر رمضان، أنصحه بالإسكندرية، فيقول: إسكندرية مثل بيروت، شرم الشيخ مدينتي المفضلة، أقضي فيها إجازتي ما استطعت إليها وقتا، جميلة وهادئة ورخيصة جدا، شرم رخيصة؟ نعم بالنسبة لنا، المئة دولار في لبنان لا قيمة لها، في شرم أنا وزوجتي وأولادي وأمي نقضي أسبوعا كاملا ولا نتجاوز الخمسمئة دولار، بلدكم جميل، منذ متى لم تذهب إلى مصر؟
ـ ثلاث سنوات، ما رأيك في إجازة بإسطنبول؟
ـ لا، أنا أحب شرم، أنصحك للعيال وليس لك، لا أريد... أنت حر.
ذهب الصديق وعاد، قابلته، يسب ويلعن، وتحول إلى معارض، وهو الذي لا يقيم وزنا للسياسة، ما الذي حدث؟ ألفا دولار في أسبوع، ولم أستمتع بشيء. لم تعد شرم الشيخ صارت شرم السيسي، الناس تشتمه في الشارع عيني عينك، سائقو التاكسي يلعنونه، السائق يخبرني أنه انتخبه، نزل من أجله، وافق على دستوره، صدّقه، ثم لم يجد غير الخراب. البيت خرب، اضطر لإعادة عائلته إلى قريته، حيث الحياة أقل تكلفة، والبقاء وحده في شرم في شقة صغيرة مع خمسة غيره ليوفر، فإما أن يرى العيال أو أن يؤكلهم. تحول أطفاله إلى صورة تحت تابلوه التاكسي، ومكالمة قصيرة على تطبيق الهاتف، لا يملك إطالتها، توفيرا لرصيد النت، أسأله: أين ستقضي إجازتك المقبلة؟ فيرد: في لبنان، هنا أرخص!
الإنجازات مثل الأهداف، لا يمكن لأحدٍ أن ينكرها، ولو كانت بالحظ والمصادفة ومجاملة الحكام. تظل أهدافا محسوبة تغير من نتيجة المباراة، والسياسة "غوال"، أما إنجازات "اللقطة" فهي "كوبري" يجلب آهات "الأولتراس"، ويخدع المتابعين قليلا، لكنه سرعان ما يتبخّر أمام النتيجة الحقيقية، ساعتها يدرك الجميع من أخذ الكوبري.
أضف تعليقك