• الصلاة القادمة

    الظهر 11:01

 
news Image
منذ ثانية واحدة

أجرى قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي، الخميس الماضي، اتصالا هاتفيا بنظيره الأمريكي دونالد ترامب، كان ظاهره تهنئة ترامب بيوم الاستقلال، وأصدرت عنه رئاسة الانقلاب بيانا مقتضبا ذكرت فيه أنهما تباحثا بشأن عدة ملفات على رأسها الأزمة الليبية، من دون توضيح تفاصيل ما جرى وتبعاته على الموقف الميداني المتأزم لمليشيات اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر المدعومة من السيسي والإمارات.

وعقب ساعات من هذا الاتصال، استضاف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، رئيس حكومة الوفاق الليبية فائز السراج، الذي بات خصماً لمصالح السيسي، بعد نحو أسبوع من إصدار حفتر بيانا أعلن فيه الحرب على تركيا واستهدافه المصالح التركية والحديث عن تدخل أنقرة بشكل مباشر لدعم العناصر التي يصفها هو والسيسي بـ"الإرهابية"، على خلفية الهزيمة التي تلقاها على يد قوات حكومة الوفاق في مدينة غريان، ما عرقل مساعي السيسي والإمارات للسيطرة على العاصمة طرابلس قبل نهاية شهر يونيو الماضي.

وتزامنا مع حضور السيسي منذ الأمس، الاجتماع الاستثنائي للاتحاد الإفريقي في عاصمة النيجر نيامي، تبذل الدبلوماسية المصرية جهوداً مكثفة مع الدوائر الغربية والإفريقية، لإقناعها بتبنّي مواقف داعمة لحفتر ومناهضة لتركيا وحكومة الوفاق، محوّلة بذلك المعركة الدبلوماسية حول ليبيا إلى صورة أخرى للحرب بالوكالة، التي ينتقدها السيسي علنا ويطبقها بحذافيرها في الميدان الليبي، ولاسيما بعدما اتخذت فرنسا خطوة للخلف في إطار تنسيقها مع السيسي لدعم حفتر، استجابة لضغوط شركائها الأوروبيين من جهة، وانتظارا لما ستؤول إليه المعارك الحربية من جهة أخرى.

وقالت مصادر دبلوماسية مصرية وأوروبية في القاهرة، إن السيسي خلال اتصاله بترامب ترجم بصورة واضحة المساعي التي بذلها الدبلوماسيون المصريون في اتصالاتهم الشهرين الماضيين بواشنطن، حول ضرورة اتخاذ واشنطن "موقفاً حاسماً وواضحاً بدعم حفتر ضد المليشيات"، التي تصفها مصر الانقلاب في خطابها الدبلوماسي داخل الغرف المغلقة بأنها "إرهابية وتنفذ أجندة الإخوان المسلمين"، وذلك انطلاقاً من إيمان السيسي بأن غياب الحسم الأمريكي للموقف من التطورات الميدانية التي تحصل في ليبيا، هو سبب الارتباك الأوروبي واستمرار ضبابية الأوضاع السياسية هناك، في وقت تحاول فيه فرنسا وإيطاليا تطوير رؤى مشتركة للوصول أولاً إلى قرار لوقف إطلاق النار، ثم العودة إلى طاولة التفاوض السياسي والاقتصادي أيضاً.

وبحسب المصادر، التي تحدثت لصحيفة العربي الجديد، فإن السيسي استخدم في اتصاله عبارات التخويف المعتادة من سيطرة حكومة الوفاق على ليبيا، وأن حفتر هو الوحيد الذي بإمكانه التعاون مع مصر وأوروبا لوقف الهجرة غير الشرعية من الأراضي الليبية، والتعاون للسيطرة على مصالح الدول الكبرى في حقول البترول والغاز.

وأكدت المصادر الأوروبية على إلحاح السيسي بـ"ضرورة مراجعة واشنطن موقفها الموروث من إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، والمتمثّل في ترك المساحة الرئيسية للتحكّم في الأوضاع في ليبيا لشركاء واشنطن الأوروبيين، باعتبار أن ليبيا كانت مستعمرة إيطالية وتنشط فيها روما كأكبر طرف أجنبي مستثمر، وهي أيضاً تمسّ المصالح الإستراتيجية والاقتصادية لفرنسا والدول المتحالفة معها في وسط وغرب أفريقيا".

وأضافت أن السيسي "يحاول إقناع ترامب باتخاذ خطوات أكثر فاعلية في الملف الليبي، وتحديداً لدعم حفتر والبناء على التواصل الأخير الذي جرى بينه وبين ترامب بوساطة مصرية قبيل بدء حملته على طرابلس، ذلك أن السيسي بات يشعر بعدة مستجدات تدفعه إلى الهرولة نحو واشنطن لانتزاع مواقف صريحة تجاه الأزمة".

وذكرت المصادر نفسها أن "مصر والإمارات تمثّلان حالياً الرقم الأصعب في اتصالات محاولة الوصول إلى لحظة، يمكن فيها استصدار قرار أممي لوقف إطلاق النار في ليبيا وإعادة الحياة للمسار السياسي والتفاوضي، نظراً لتمسك كل منهما بالحشد الدبلوماسي لحفتر، في ظل تسرب شكوك للعواصم الكبرى كواشنطن وموسكو في أن يكون حفتر هو فعلاً الرجل المناسب للرهان عليه في ليبيا".

وأردفت المصادر: "نسمع كثيراً في العواصم الأوروبية أسئلة من نوعية: لماذا حفتر تحديداً؟ في إشارة إلى عدم الاقتناع بالرهان المستمر على الشخص ذاته، واعتقاد بعض الدوائر بأنه من الممكن ظهور شخصيات أخرى يمكنها إحداث تقدّم على مسار المفاوضات، لكن التساؤلات تخفت عندما يعلم الجميع أن حفتر ما هو إلا أداة تستخدمها الدولتان لتأمين مصالحهما، ومن ثم فإن هناك وعياً متزايداً في العواصم الغربية، بما في ذلك باريس وروما المتنافستان الرئيسيتان في ليبيا، بأن حلّ المشكلة سيبدأ من القاهرة وأبوظبي اللتين تريدان حالياً استنزاف تركيا في الصراع".

وعلى الرغم من التنسيق الفرنسي المصري في ملفات عديدة، على رأسها صفقات التسليح والمناورات العسكرية والتصدي للهجرة غير الشرعية، إلّا أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يراجع حساباته، ويمتنع تحت الضغط المحلي والأوروبي عن تقديم "مساعدات حاسمة"، على حد تعبير المصادر، التي لفتت إلى أن السيسي وولي عهد أبوظبي محمد بن زايد فطنا لهذا الأمر، وهو ما جعلهما يكثفان اتصالاتهما بموسكو وواشنطن أخيراً لتعويض ما قد ينتج عن خفوت الدعم الفرنسي، مع استمرار معارضة ماكرون لسياسة حكومة الوفاق في مهادنة مليشيات تعتبرها باريس "إرهابية"، وهذه النقطة باتت المحور الأهم الذي تلتقي عنده المصالح المصرية والفرنسية في ليبيا.

ويأمل السيسي بحسب المصادر، أن ينجح في تغيير المعادلة لصالح حفتر قبل قمة مجموعة السبع (G7) نهاية أغسطس المقبل في فرنسا، التي ستحضرها مصر ودول إفريقية أخرى من ترويكا الاتحاد ومجموعة الساحل وجنوب الصحراء، لتشهد القمة اجتماعاً أو أكثر لخدمة الرؤية المصرية الإماراتية، بالتوازي مع إعادة طرح مقترحه الشخصي لاستضافة ترامب في مؤتمر بالقاهرة يركز أساسا على الشأن الليبي ويلتقي خلاله بالزعماء الأفارقة، قبل نهاية العام الحالي الذي ترأس فيه مصر الاتحاد الإفريقي.

وأحدثت هزيمة حفتر في غريان هزة في معسكره الإقليمي، دفعت مخابرات الانقلاب المصرية لتبنّي خطاب إعلامي عبر الوسائل المصرية والليبية التابعة لها، بتصعيد الهجوم على تركيا وجماعة "الإخوان"، وتوجيه رسائل للخارج تهدف لتجديد ثقة العواصم الكبرى بأن حفتر متماسك وقادر على استكمال مهامّه، الأمر الذي يبدو مشكوكاً في صحته بقوة حالياً بعدما باتت حملته على طرابلس قاب قوسين من الفشل.

 

أضف تعليقك