• الصلاة القادمة

    العشاء 17:29

 
news Image
منذ ثانية واحدة

بقلم: وائل قنديل

غنى عبد الفتاح السيسي مرتين، الثانية بصوت دنيا سمير غانم في ختام بطولة أمم أفريقيا، والأولى قبل سنوات، بأصوات مجموعة فناني "30 يونيو" وفناناته، في أوبريت ركيك بعنوان "مصر قريبة".

الكلمات قد تختلف قليلًا، لكن المضمون واحد: ثرثرات الجنرال عن بضاعة الحرب على الإرهاب تتحول أعمالًا غنائية، فنًا ركيكًا، مخلوطًا بسياسةٍ أكثر ركاكة، يحتقر الثورات ويمجّد الانقلابات، ويمتدح الاستبداد، باعتباره المنقذ الوحيد للدول المنكوبة بالعسكرة من الانهيار، والحامي لأوروبا والغرب من موجات الإرهاب.

من يسرا، في أوبريت "مصر قريبة" إلى دنيا سمير غانم في حفل كأس أفريقيا، يتم التأسيس لنوع جديد من الأغنية، يمكن أن تطلق عليه "مدائح الطغيان"، المستهدف فيها ليس الجمهور العادي، الطبيعي، بل هي رسائل تبتز الخارج، الداعم للجرائم أو الساكت عنها، بغرض تجديد تراخيص الاستبداد، بحجة محاربة الإرهاب، وتحقيق الأمن والأمان للأوروبيين.

غير أن طبائع الأمور تقول إن الشيء إذا زاد عن حده انقلب إلى ضده، إذ لم يكد السيسي ينتهي من أغنيته الجديدة، بصوت المطربة دنيا، وفيها التوليفة الاعتيادية من المنشطّات السياحية والسياسية، لطمأنة الغرب على السيطرة الأمنية في مصر، حتى جاءت ردود الأفعال عكسية تمامًا من بريطانيا وألمانيا، بتعليق رحلات الطيران إلى القاهرة، لدواعِ أمنية، ثم من الولايات المتحدة وكندا، بالتحذير من السفر إلى مصر.

وإذا كان من الممكن أن يغضّ العالم الطرف عن جرائم هذا النظام ضد شعبه، إلا أنه مع التقاط أول إشارة لاحتمالات تهديد أمني للقادمين إلى مصر يغلق هذا العالم أذنيه، مؤقتًا، فلا يستمع لهلاوس نظام يعلمون أنه، وكما وصفته مبكرًا، مصابٌ بنوع من الشيزوفرينيا تجعله وهو واقف في قلب بحيرة من الدماء، يغني للأمن والأمان والمحبة والتسامح والإنسانية، ويوجه الدعوات للناس لكي يأتوا للاستمتاع بالجنة في وطنٍ يتغذّى على انتهاك القيم الإنسانية، ويمارس تطهيرا عرقيا ضد قطاع واسع من سكانه.

وسواء كانت الإجراءات التي أقدمت عليها، بدرجات متفاوتة، كل من بريطانيا وألمانيا وأميركا وكندا، لها علاقة بما يجري تداوله عن تحضير سيناريوهات بشأن ليبيا، أو حتى التصعيد مع إيران، فإن المؤكد، ويعلمه جيدًا نظام عبد الفتاح السيسي، أنه ليست لهذه الدول مشكلة معه، بل أنها ومنذ وصل إلى السلطة بانقلاب وجرائم ضد الإنسانية، توفر له مظلة حمائية تمنحه شرعية أمر واقع دولية، وتعفيه من المحاسبة والمساءلة، جنائيًا وسياسيًا، ومن ثم لا يمكن التعامل بجدّية مع ما تردده أبواقه عن مؤامرات دولية لخنق مصر، أو استهدافها سياحيًا أو سياسيًا.

الشاهد هنا، والذي يتعاطى معه العالم بجدية، أن ثمة مشكلة أمنية في مصر، الغارقة حتى أذنيها في شؤون الأمن السياسي، باستهداف المعارضين، بمختلف ألوانهم ودرجات معارضتهم، في الوقت الذي تعاني فيها انكشافًا في جوانب الأمن بمفهومه الاعتيادي، وكما يتجلى في حوادث كارثية، ليست آخرها تلك التي جرت فصولها في العريش، بتوقيف مواطنين وذبحهم على قارعة الطريق، في منطقة من المفترض أنها مغطّاة بالتحصينات العسكرية والأمنية.. ويتجلى كذلك في انتشار مظاهر البلطجة، والتي هي انعكاس لسياسة نظام، يقدّم نفسه للعالم  أنه ذلك البلطجي الذي يحميه، بوسائل خارجة عن القانون.

باختصار شديد، هذه شهادة فشل دولية تمنح لنظامٍ ألغى كل شيءٍ في مصر، من حياة سياسية وحريات عامة، وأنفق عشرات المليارات لكي يبتز الداخل والخارج بأكذوبة تحقيق الأمن والأمان، تقول ببساطة إن الفشل السياسي لا يمكن أن يأتي معه بحال من الأحوال نجاحٌ أمني.

أضف تعليقك