• الصلاة القادمة

    العشاء 17:29

 
news Image
منذ ثانيتين

 

بقلم: سامي كمال الدين

ثمة حزن ينام في غيبة من الوقت، ثم يصحو طارقاً أبواب القلب المكسور، صارخاً بعد انسداد كل أبواب الأمل في وجهه.

إنه الحزن على أولئك الذين يقبعون في سجون مصر السيسي ظلماً وعدواناً، فلا هم كما يسميهم إعلام النظام، ولا هم كما في محاضر المباحث.

لم يوقظنا من الوهن والحزن سوى رسالة هؤلاء الشباب من السجون، التي تطالب بالخروج من أقبية السجون، لنزداد بعد رسالتهم وهناً على وهن.

يطلب البعض منا أن نتعامل مع هذه الرسالة بشك وحذر، فهي من المخابرات، ربما كانت كذلك، لكن الألم والعذاب واللاآدمية التي يتعرّض لها المعتقلون تفوق ما كتب في هذه الرسالة بمراحل كبيرة.

إن ساعة واحدة داخل زنزانة توازي عمراً خارجها، فليس هناك في الدنيا أسوأ من حرمانك من حقك في الحرية سوى حرمانك من حقك في الحياة، ولا تحدّثني عن الصمود الأسطوري والثبات وانتصار الحق في مواجهة الباطل، اخرجني من زنزانتي وبعد ذلك نرى.. فمن قال إن على الحق أن يظل قابعاً بين جدران زنزانة، وإضاعة كل الطرق التي تخرجه من الظلمات إلى النور.. وأي دين وإنسانية التي تطلب منا أن يترك المعتقلون في زنازينهم، ويتم بهم الإضرار العقلي والنفسي والإنساني «ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة».

لست من هؤلاء الذين يصرخون في البرية، لقد ذهب جمال عبد الناصر وبقي الإخوان، فلقد ذهب الإمام حسن البنا مؤسس الإخوان أيضاً، وبقي الحكم العسكري، بل أصبح أكثر فاشية وقمعاً وتعذيباً من عهد عبد الناصر، فعدد الذين قتلهم وسجنهم السيسي أكثر من الذين قتلهم واعتقلهم عبد الناصر والسادات ومبارك مجتمعين.

من يريد الصمود والثبات، فعليه أن يذهب إلى مصر، ويسكن زنازينها ليعيش هذا الصمود الأسطوري، فوجودنا خارج مصر حتى وإن لم نتمتع بالحياة التي كنا نعيشها في مصر، فنحن في رفاهية وحرية تفوق بمراحل أولئك الذين يسكنون الزنازين أو حتى الذين يعيشون خارجها في مصر.

وقَّع الرسالة 350 معتقلاً. وجاءت معبّرة عن الألم والمعاناة «إننا لنرفض كل ما يرفع إليكم من تصوير للأوضاع داخل السجون من ثبات وصمود وعلو همة عن طريق القيادات الصغيرة المنتشرة داخل السجون، والله لهي أبعد ما يكون عن الصورة الحقيقيّة، وهم يعلمون جيداً أن الوضع خلاف ما يقولون، بل إن الكثير من تلك القيادات تمسي تلعن السجن والقهر الذي صرنا فيه وتصبح تغرّد بكلمات الثبات والصمود عكس ما تضمر بداخلها».

إذن هذا مربط الفرس، تصوير الصمود وتحمل السجن، وهو جهاد في مواجهة الطاغوت، ندرك ذلك، لكن هل يعقل أن يتحمل المعتقلون الحرمان من كل مقوّمات الحياة الإنسانية، ولا ينطقون ببنت شفة على ما يتعرّضون له، ليوحوا للعالم بالصمود الأسطوري للإخوان وغيرهم، ولكي لا يفرح النظام والأعداء فيهم؟!

من الذي هداه الله أقنع الناس بهذا الفكر الذي لا تعنيه حياة الإنسان ومعاناته، قدر تصويره «اللقطة» الصامدة أمام العالم؟!

نعم نحن نؤمن بالقدر خيره وشره، ونؤمن أيضاً بدرء الشرور عن أنفسنا وأرواحنا، وربما هناك خوف لدى قيادات الإخوان من قواعدهم، وهو ما أجاب عنه المعتقلون في رسالتهم «وإن كنتم قلقين من أن يثور الشارع عليكم ويسمعكم جملاً من قبيل «ما كان من الأول» وما على شاكلتها، فإن فرحة أسر وأهالي وجيران وأصدقاء المعتقلين - وهم كثر - بعودتهم وخروجهم ستنسي الجميع وتهدئ غضبهم، ولئن يذكر التاريخ أنكم أخذتم خطوة للوراء حفظتم بها أفرادكم وصفّكم، خير من أن يذكركم التاريخ أنكم تماديتم في عناد ضد العسكر والنظام لا رؤية ولا خطة تدعمه وتوصله لبر يرسو عليه، فهلكتم وهلك من معكم».

انسحب خالد بن الوليد من غزة مؤتة ليجنب جيش المسلمين الهزيمة والقتل، فقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم زياد بن حارثة قائداً لجيش المسلمين، واستشهد فتولى جعفر بن أبي طالب قيادة الجيش، واستشهد أيضاً، فتولى عبد الله بن رواحة الذي استشهد ليتولى خالد بن الوليد قيادة الجيش، الذي أعدّ خطة عسكريّة عظيمة لانسحاب جيش المسلمين من مواجهة جيش الروم، بعد قتل 13 من جيش المسلمين، وقتل من جيش الروم ثلاثة آلاف وثلاثمائة مقاتل.

تمّ توجيه اللوم لخالد بن الوليد عن انسحابه، بينما أثنى الرسول صلى الله عليه وسلم على هذا الانسحاب.

وأنت هنا تلعب سياسة في مواجهة نظام مُجرم، وليس عيباً أن تقرّ بهزيمتك، ثم إننا لسنا بحاجة - كشركاء في ثورة 25 يناير - أن نعترف بالهزيمة، فلا نحن امتلكنا أدوات ذات يوم، ولا كانت القوة العسكرية معنا في أي مرحلة من المراحل، حتى في إعلانها الانحياز إلى الثورة، كان هذا كلاماً مثل أي كلام، وحين حكم الرئيس مرسي رحمة الله عليه، كان رئيساً بلا أدوات.. فلنتجاوز معاركنا ونُخرج المعتقلين أولاً، وبعد ذلك نرى.

ربما بعد شهر أو بعد عام ستسعون إلى ذلك.. ربما بعد موتهم بالتوالي ستفعلون ذلك، بل أثق أن هذا ما سيحدث، فلماذا لا يحدث الآن؟!

النظام لا يريد الإخوان، ولا يريد عقد صفقات معهم، فهو يقتات على تحميلهم كل جرائم فشله وإرهابه، لكن يأتي الأمر من خلال توافق دولي تلعب فيه دول أوروبيّة وعربيّة دوراً كبيراً في عقد صفقة أو كما تحبون تسميتها، يخرج بها المعتقلون، حتى يحين التغيير، فليس هناك أسوأ من حياة مُعتقل بين جدران زنزانة سوى الجحيم.

 

 

أضف تعليقك