• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
منذ ثانية واحدة

أحببت أن أتحدث إلى الإخوان المسلمين حديثًا موجزًا كل الإيجاز عن دعوتهم في عام مضى وعام فى ضمير الغيب، لم يمض فيه إلا ليال، فعل في هذا الحديث ذكرى، والذكرى تنفع المؤمنين.

يريد الإخوان المسلمون من الناس في مصر المسلمة، وفي غيرها من بلدان العالم الإسلامي أن يكونوا مسلمين معًا، يفكرون كما رسم لهم الإسلام، ويعملون بما أمرهم به الإسلام، ويتركون ما نهاهم عنه الإسلام، وينظمون شئون حياتهم على القواعد التي وضعها الإسلام وبينها كتاب الله وتناولتها السنة الصحيحة.

يريد الإخوان المسلمون الفرد المسلم الذي تتجلى في اتجاهاته وأعماله صورة الإسلام الصحيح، والشعب المسلم الذي تسود مجتمعاته آداب الإسلام الصحيح، والحكومة المسلمة التي تقوم على أمر الله، فتحق الحق وتبطل الباطل ولو كره المجرمون.

هذه هي دعوة الإخوان المسلمين كاملة: رجوع بالناس إلى هدى الإسلام، ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم.

ووسيلة الإخوان في ذلك القدوة أولاً: فهم لا بد أن يأخذوا أنفسهم بتعاليم الإسلام، وأن تسود هذه التعاليم كل وسط لهم عليه سلطان.  

والدعوة ثانيًا: فهم يرفعون الصوت بهذه التعاليم فى كل مكان.  

والقوة ثالثًا: قوة الإيمان وقوة الإخاء وقوة العمل المنتج الذي لا يقف في سبيله شيء مهما كان.

ولا يجهل الإخوان المسلمون ما أمام دعوتهم من عقبات، فهم يعلمون تمام العلم أنهم سيواجهون صعابًا قاسية في سبيل دعوة الحق، تختلف أشكالها وأنواعها ومصادرها ومواردها، ولكنهم بايعوا الله على الجهاد والاحتمال، كما يعلمون تمام العلم أن هناك صعابًا سيقيمها كثير من المسلمين أنفسهم، بل المتمسكون منهم ببعض تعاليم الإسلام؛ لأنهم يجهلون هذا المعنى الجديد بل التليد من معاني الإسلام الحق، أو لأنهم يرون في هذه الدعوة حائلاً دون المطامع والأهواء، وكثير منهم إنما يعيش بالمطامع والأهواء، أو لأنهم جمدوا على ناحية من نواحي الفكرة الإسلامية، فلم يروا غيرها شيئًا مذكورا، بل رأوا أن كل مناداة بغيرها من أركان الإسلام صرف للناس عنها وانتقاص منها، وقد عاهدوا الله أن ينصروها ولا يكون ذلك في رأيهم إلا بالوقوف في وجه كل دعوة سواها، وإن كانت في حقيقة الأمر قوة لدعوتهم وتأييدا لفكرتهم ولكنهم لا يعلمون.

يعلم الإخوان هذا، ويعلمون أن صعابًا أخرى ستقيمها الهيئات المدنية التي لم تؤمن بعد بقضية الإسلام من رسمية وشعبية سياسية أو غير سياسية، إما إخلاصًا خاطئًا لمبادئ لا تسمن ولا تغني من جوع، وإما حرصًا على وجاهة المناصب وموارد المال والحياة.

ويعلم الإخوان كذلك أن صعابًا من نوع ثالث سيقيمها في وجوههم خصوم الإسلام في داخل بلاده وخارج هذه البلاد، ومما يبكي ويؤلم أن يكون هؤلاء الخصوم أعرف بنا وأيقظ لنا وأكثر وقوفًا على خطواتنا من كثير ممن يعاشروننا ويخالطوننا ويعيشون معنا، وبدهي أن يضع هؤلاء الخصوم في طريق كل عامل ناجح للإسلام ألف عقبة وعقبة، وألا يتركوه هادئًا إلا بقدر ما يشغلهم عنه ما هو أهم في نظرهم منه.

ويعلم الإخوان مبلغ قوة كل هذه النواحي التي يواجهونها في دعوتهم هذه وما تملك من جاه ونفوذ وسلطة ومال، ولكنهم مع ذلك يستمدون نجاحهم ويبعثون أملهم بالاستناد إلى الله الذي تكفل بنصرة المؤمنين وتأييد المحسنين، فالإخوان يعتمدون على الله في كل شأنهم، ويرون في معونته تبارك وتعالى إياهم، وفي طهارة أنفسهم من المطامع والأهواء أيا كانت، فهم لفكرتهم وحدها يعيشون، وفي سبيلها وحدها يجاهدون، ثم في صبرهم على غضاضة الجهاد بل استرواحهم إلى ما في الجهاد من ألم ومشقة يستعذبون ذلك ويرونه السبيل إلى النصر في الدنيا والفوز في الآخرة، يرى الإخوان في كل هذه المشاعر ما يكفل لهم الطمأنينة التامة حتى يؤدوا رسالتهم كاملة وينهضوا بواجبهم غير منقوص، ولله الأمر من قبل ومن بعد.

ودع الإخوان بهذا المحرم عامًا من أعوام حياتهم هو العام الحادي عشر لهذه الدعوة، منذ هتف بها هاتفهم بالإسماعيلية في أول ذي القعدة سنة 48ﻫ واستقبلوا عامًا آخر هو العام الثاني عشر لهذه الدعوة.

ولقد كان عامهم الماضي حافلاً حقًا بالحوادث والمفاجآت لهم وللعالم كله، حافلاً بالنشاط كذلك من جانبهم، ففي العام الماضي تقلبت بالناس الحوادث سراعا، فأعلنت الحرب، واقتضى إعلانها كثيرًا من التغيرات الجوهرية في القضايا التي تشغل بال العالم الإسلامي خاصة، وانصرف اهتمام الناس إلى ما يقتضيه الوضع الجديد والكفاح الجديد، ودخل العالم الإسلامي كله في تجربة إن لم تعضه بنابها الآن فهو لم يزل بين مخالبها، وقامت لذلك ولغيره حكومات، وهوت حكومات، وواجه الناس أسلوبًا في شئونهم العامة والخاصة لم يألفوه من قبل، وكان على الإخوان أن يحددوا موقفهم كهيئة تعمل للصالح العام، وتستخدم كل الظروف في سبيل نجاح فكرتها وتحقيق غايتها، فحددنا موقفنا فعلاً وأفضينا بآرائنا في هذا إلى الرجال المسئولين، ووجدنا منهم كثيرًا من الإصغاء، ونعتقد أن مهمتنا في هذا المعنى لا تقف عند هذا الحد، فنحن دائمًا على قدم الترقب والاستعداد معًا، ولا يمنعنا شيء عن أن نؤدي واجبنا كاملاً غير منقوص كما يفرضه علينا الإسلام الذي يوجب افتداء العزة الإسلامية بالنفوس والأبناء والأموال.

وقامت في مصر خلال العام الماضي حكومة جديدة زادت في وزاراتها كرسيًا جديدًا للشئون الاجتماعية، فحمدنا لها هذا الشعور، وترقبنا عمل هذه الوزارة الناشئة، وكتبنا إلى وزيرها نصارحه بأننا على استعداد لتأييد هذه الوزارة في مشروعاتها الإصلاحية إن كانت جادة حقا، وسارت على نمط يتفق مع منهاج الإسلام الصالح، ومن الأسف أن هذه الوزارة وقد مضى عليها وقت ليس بالقليل لم تعمل شيئًا بعد، ولم ير الناس لها أثرًا يصلح أن يحاكموها إليه في إساءة أو إحسان، وكل ما هنالك دعاية لمشروعات وإعلان عن خطوات.

ولو قد أرادت هذه الوزارة الناشئة أن تعمل لوجدت مكان العمل ذا سعة، ولوجدت في هذه الهيئات المخلصة العاملة الجادة خير نصير يؤازرها ويمدها بتجارب كثيرة منتجة نافعة، ولا ندري هل ستتدارك هذه الوزارة ما فاتها فتنفع بذلك الناس وتبقى أداة صلاح لهم أم ستظل في بطئها هذا فيحكم الزمن عليها وتتناولها سنة الله: ﴿فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً﴾]الرعد: 17[.

ونادت الحكومة منذ أول عهدها بكراسي الحكم بالجيش المرابط وما إليه، وتفاءلنا خيرًا كثيرًا، وكتبنا لقائد الجيش المرابط نصارحه كذلك بأنه يجد من فرق الإخوان وتشكيلاتها أفضل نواة لما يجب أن يكون عليه الجندي الحق المخلص لمبدئه ووطنه، وترقبنا ماذا سيكون؟ فإذا بعوامل المد والجزر تتناول هذه الفكرة بالمحو والإثبات والتطويل والاختصار حتى وصلت إلى ما يعرفه الناس، ولا زلنا مع هذا نأمل من ورائها خيرًا إن شاء الله، وكل ما يتصل بهذه الناحية من حيث تقوية الروح في نفوس الشعب ولفت أنظار الشباب إلى قدسية الجهاد وواجب الاستعداد، فنحن نزكيه وننميه ونرحب به على كل حال.

ولقد سار الإخوان سيرهم الطبيعي في نشر دعوتهم، ولكن في قوة وفي إسراع لم يكونا مقصودين لقيادة الإخوان فقط، ولكنهما كانا كذلك طبيعيين لسير الدعوة التي لقيت من الشعب المصري ومن الهيئات العاملة في الشعوب الإسلامية كلها فوق ما كنا نتصور من ترحيب وتشجيع وتأييد، فتكونت الشُعب في القاهرة وفي غير القاهرة، ونشطت دوائر الإخوان الرئيسية في الأقاليم لزيارة ما حولها من القرى المباركة وتأسيس الفروع بها.

وكانت الرحلات من مندوبي المكتب العام ومن مندوبي الشعب الرئيسية في الصيف وفي خلال فترات العام وفي مواسم الحفلات الإسلامية لقاحًا للعقول والنفوس والأرواح تضاعف به سيرها، وتجد في عملها، ونجح مشروع المعسكرات الصيفية نجاحًا مشكورًا، وبخاصة في القاهرة وفي أسيوط وفي بورسعيد.

وعلى كل حال فقد كان العام الماضي عام نشاط وجد للإخوان المسلمين في نواحٍ كثيرة من نواحي جهادهم الطويل توج معظمها بالنجاح والتوفيق، والحمد لله على كل حال.

وإذن ماذا علينا أن نعمل، وكيف نواجه عامنا هذا الجديد المثقل بالتبعات والظروف والمفاجآت؟

أيها الإخوان..

إن الخطوة الأولى من خطواتنا صلاح النفس، فهل اطمأننا إلى صلاح أنفسنا؟ أنفسكم أولاً أيها الإخوان: ﴿إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلأوَّابِينَ غَفُورًا﴾[الإسراء: 25].

فحاسبوا أنفسكم؛ لتعلموا أين هي من التمسك بمبادئ الحق والقوة والإسلام؟

هل أنت مؤد للفرائض كاملة؟ هل أنت بعيد عن المعصية والمنكر؟

هل تحب الخير وتعمله؟ ماذا قدمت من أنواع الخير لنفسك أو للناس؟ هل أنت مستعد للعمل فى سبيل فكرتك فجسمك صحيح وفكرك صحيح ووجدانك طاهر سليم؟ هل حاولت أن تبث فكرتك فى المحيط الذى يتصل بك؟ وهل آمن بدعوتك إليها واحد أو أكثر من أصدقائك؟  

بمثل هذه الأسئلة يجب أن يحاسب الأخ المسلم نفسه أولاً حتى يتأكد أين هو من طريق الإخوان ثم المجتمع بعد ذلك، وهذه ليست مهمتكم وحدكم، ولكنها مهمة المكتب العام معكم ومهمة الهيئات الإدارية للإخوان قبل أن تكون مهمة الأفراد.

ماذا قدمت هيئة الإخوان من الخير لمن يحيط بها من الناس؟ وكم فردًا أقنعتهم بالدعوة وثقفتهم بمبادئها وتعاليمها؟ وكم مشروعًا من مشروعات الخير نجح على يديها؟ وبمثل هذه الأسئلة نريد أن تزن هيئات الإخوان وسبل جهادها ونواحي عملها.

ثم النظام العام بعد ذلك كله، وهذه مهمتنا مجتمعين، ومعنا كل مسلم يؤمن بالله ورسوله، فعلينا أن نسأل أنفسنا دائمًا في التغيرات الجديدة التي حدثت في نظام حياتنا العام، فقربنا أم بعدنا عما رسمه الإسلام، فإن رأينا أننا نقرب ولو قربًا ضئيلاً فهو النجاح بعينه، وإن رأينا أننا ننحرف انحرافًا يسيرًا فهو الإخفاق بعينه.
 
وعلينا إذن ألا يبعث النجاح في أنفسنا القناعة والخمود، فإن الطريق طويل وله مسالك متشعبة، وألا يبعث الإخفاق في أنفسنا اليأس والقنوط فإن رحمة الله قريب من المحسنين, بل واجبنا دائمًا أن نستمد من النجاح قوة تدفعنا إلى الأمام، ومن الإخفاق درسًا يدعونا إلى مضاعفة الجهود، هذا هو المقياس الذي أحببت أن  أضعه بين أيديكم أيها الإخوان في عامكم الجديد لتظلوا دائمًا إلى الأمام.
-------------
المصدر

مجلة التعارف، العدد (3)، السنة الخامسة، السبت 23من محرم 1359ﻫ- 2مارس 1940م، صـ1-2.

 

أضف تعليقك