• الصلاة القادمة

    الظهر 11:01

 
news Image
منذ ثانية واحدة

في كلمته أمام حشد من ضباطه وأركان حكمه وأذرعه عاد المشير عبد الفتاح السيسي للتنصل من مسؤوليته عن جريمة بناء سد النهضة وما سيسببه من أضرار بالغة لمصر والمصريين، محملا المسؤولية مجددا عن ثورة 25 يناير، التي كان يتغزل فيها من قبل والتي تفاخر بالتقاط الصور مع شبابها والأهم أنها هي التي وفرت له الفرصة للبروز في المشهد السياسي.

لحم رخيص
استدعى السيسي من قاموس الرزيلة الذي يحفظه كلمات تمثل أكبر إهانة لمصر حيث شبهها بفتاة لعوب، كشفت ظهرها وعرت كتفها، لتثير لعاب كل من هب ودب، وتصبح لحما رخيصا لمن أراد أن يشبع نهمه!

في تبريره لفشله وعجزه عن مواجهة أخطار سد النهضة اعتبر السيسي أن مصر أصبحت كتلك الفتاة الغانية بسبب قيام ثورة 25 يناير 2011، مجددا ادعاءه أن هذه الثورة هي التي أغلقت مسار التفاوض للوصول إلى حل، ومنحت الإثيوبيين الفرصة للبدء في بناء السد، ولا نعرف عن أي مسار تفاوضي يتحدث إذ لم تكن هناك مفاوضات معروفة قبيل ثورة يناير، كما أن إثيوبيا لم تبدأ في بناء السد إلا بعد انقلابه هو على السلطة، وكل ما سبق ذلك كان مجرد أحاديث أو استعدادات وحشد شعبي وبحث عن تمويلات كانت رافضة لتمويل بناء السد احتراما لاتفاقات دولية تمنع تقديم تمويلات لمشاريع مختلف عليها.

الصحيح أن مصر الحرة أجبرت على خلع ثيابها، مع اغتصابها بالحكم العسكري عقب انقلاب السيسي، والصحيح أن السيسي هو الذي منح الإثيوبيين صكا على بياض (إعلان المبادئ)لبدء بناء السد، وهو الذي أعطى الضوء الأخضر لهيئات التمويل الدولية بضخ أموالها واستثماراتها في السد دون حرج، والصحيح أيضا أنه بحديثه الأخير عن خططه لتأمين موارد مائية لمصر تكفيها لسنوات في حال بناء السد قد منح إثيوبيا صكا جديدا في مواجهة أي نقل محتمل للقضية إلى ساحات دولية، وهو ماليس متوقعا بالأساس من السيسي الذي يدرك خطأه، ولن يفضح نفسه أكثر من ذلك باللجوء إلى أي تحكيم دولي، لقد اكتفى بطلب وساطة من صديقه ترامب مستندا إلى نص المادة العاشرة في إعلان المبادئ الذي وقعه مع أثيوبيا والسودان في مارس 2015 والتي تتحدث عن اللجوء إلى طرف رابع عند تعثر الحوار والتفاوض بين الأطراف الثلاثة متجاهلا أن النص ذاته يشترط قبول الأطراف الثلاثة مجتمعين لهذه الوساطة وليس طرفا واحدا، والغريب انه حين تحدث السيسي في الندوة التثقيفية العسكرية الأخيرة عن إعلان المبادئ الذي وقعه أشار فقط إلى بندين فيه، هما البند الخاص باللجوء لطرف آخر عند الخلاف، والبند الذي تتعهد فيه إثيوبيا بأن لا تضر مصر ضررا بليغا، وهذا النص في ذاته يعني إقرارا بحدوث أضرار ستوصف بأنها "غير بالغة"، خاصة مع تصريحاته الأخرى التي زعم فيها تنفيذ خطة لتوفير مصادر مياه تسد عجز مياه النيل بدأت مرحلتها الأولى باستثمارات قيمتها مائتي مليار جنيه في بناء العديد من محطات التحلية الكبرى، والأهم من كل ذلك أن ذلك الإعلان المشئوم ألغى كل القيود التي تضمنتها الاتفاقات السابقة على بناء السدود دون موافقة دول المصب وهي مصر والسودان.

ظهر السيسي
من الخدع الجديدة التي قدمها السيسي للمصريين أيضا في مواجهة مخاوفهم أنه سيلتقي برئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد على هامش القمة الروسية الأفريقية في سوتشي الروسية يومي 23 و24 أكتوبر الجاري، وعلى الأرجح لن يستطيع السيسي ان يحصل على أي تعهدات جدية من أبي احمد بعدم الإضرار بمصر اللهم إلا إذا طلب منه أن يردد خلفه مجددا القسم الشهير"والله لن أضر بمصلحة مصر!!"، أو يمكن أن يطلب منه الإدلاء ببعض التصريحات الفضفاضة لترضية المصريين وتخفيف الضغط عنه، دون أن تتضمن أي تنازلات إثيوبية عما سبق الإعلان عنه.

السيسي إذن هو من كشف ظهره لخصوم مصر، والطامعين فيها أو في الحلول محلها في قيادة المنطقة، فقبل أن يتنازل عن حق مصر التاريخي في مياه النيل، تنازل عن جزيرتي تيران وصنافير للسعودية وتنازل عن حقوق مصر في الحقول الغازية في البحر المتوسط، وقام بتهجير أهل سيناء استجابة لمطالب إسرائيلية وحماية لأمنهم، والغريب أنه يصر على إنكار التهجير لأهل سيناء رغم أن العالم كله شاهد عمليات التهجير على الهواء مباشرة.

مصر لم تكشف ظهرها أو تعري كتفها في 25 يناير كما قال السيسي، بل إنها قوت ظهرها وكتفها باسترداد حريتها وكرامتها التي سلبها منها قادة وزملاء السيسي خلال ستين عاما سابقة، ولم تكن مصر الثورة هي التي أقرت بحق إثيوبيا في بناء سدها، ولا هي التي تنازلت عن جزرها، ولا غازها، ومصر اليوم كشفت أسنانها، وأظافرها، وأخرجت جزءا من فائض غضبها في وجه الديكتاتور، عبر موجة ثورية جديدة يومي 20 و27 سبتمبر، وهي الموجة التي أشعرت النظام بخوف بعد اطمئنان طويل صنعه عبر آلة القمع الأمنية، وعاد مجددا لترويج فزاعات الإرهاب الذي تركه يرتع في سيناء وغيرها، والانهيار الاقتصادي الذي صنعه بنفسه عبر مشروعاته الوهمية التي استنزفت مئات المليارات من القروض المحلية والخارجية، لكن مصر رغم كل ذلك قادرة أن تصلب ظهرها وترفع رأسها، وتسترد حقوقها، وتنعم بحريتها وكرامتها، وتحاسب كل من اغتصبها وفرط في أرضها ومائها وغازها.

أضف تعليقك