• الصلاة القادمة

    الظهر 11:01

 
news Image
منذ ثانية واحدة

بقلم أسامة جاويش

شعبية جارفة للجنرال المصري الذي أصبح رئيسا بانقلاب عسكري دموي في 2013، فلا يكاد يخلو شارع أو ميدان في أي بلد عربي من ذكر اسمه. واجتمع الجميع على ذكره وأصبح اسمه ملازما لموجات الثورة الثانية، التي انطلقت نهاية العام الماضي ولا زالت كل عاصمة عربية تسلم الراية لأخرى ولا زال السيسي حاضرا في كل ثورة.

"لا إله إلا الله محمد رسول الله والسيسي عدو الله"، للوهلة الأولى ربما تقول إنها عبارة قالها شيخ أو داعية من معارضي هذا الانقلاب العسكري في أحد البرامج على قناة من قنوات الشرعية في إسطنبول، ولكن مهلا، هذا الهتاف ليس مصريا ولم يخرج من معارض مصري ولم تشهده الشوارع المصرية منذ الانقلاب العسكري إلا مساء العشرين من شهر سبتمبر الماضي، عندما خرج المصريون يهتفون برحيل السيسي ويحرقون صوره ولافتاته، فكيف وأين بدأت القصة وإلى أين وصلت شعبية السيسي في البلدان العربية.

نهاية العام الماضي انطلقت الثورة السودانية غاضبة من الرئيس السوداني المخلوع عمر البشير وحملت مطالب وهتافات كثيرة ضد المجلس العسكري وضد محاولات الانقضاض على الثورة، ولكن الهتاف الأبرز كان "إما النصر وإما مصر" أمام السفارة المصرية في الخرطوم وفي جنبات اعتصام القيادة العامة وكان مصحوبا بهتاف "السيسي عدو الله"، وتناقلت مواقع التواصل الاجتماعي هذه المشاهد بكثافة، فالسودان الذي كان مرتعا لجهاز المخابرات العامة المصرية، وأبرم عباس كامل مدير المخابرات اتفاقية تسليم أمني للمعارضين مع البرهان رئيس المجلس العسكري الانتقالي، ينظر إليه نظام السيسي دوما أنه الحلقة الأضعف والحليف الأسهل.

فاجأ السودان السيسي بحالة الوعي الكبيرة التي تعلم يقينا أن المصير الأسود لأي ثورة هو مصير مصر مع انقلاب السيسي، فكان الرفض الشعبي والتحذير الإعلامي من عبدالفتاح البرهان أن يكون شبيها لعبدالفتاح الآخر في مصر ولم تكن السودان وحدها هي الشاهد على شعبية السيسي في الأوساط العربية، فمع انطلاق الثورة الجزائرية النبيلة ضد العهدة الخامسة لبوتفليقة كان ملايين الجزائريين يهتفون أن السيسي عدو الله في شوارع العاصمة وعلى سلم البريد المركزي.

وكانت التحذيرات تأتي مع كل جمعة يخرج فيها الجزائريون إلى الميادين والشوارع أن احذروا من قايد صالح وخذوا حذركم من قيادات الجيش فمن غير المقبول أبدا أن تحذو الجزائر حذو مصر في ردتها عن الثورة وخذلانها لإرادة الشعب وتسليمها للعسكر يخربونها بأيديهم.

مشهد الثورات والحراك بآلامه وآماله وطموحاته كان شاهدا على شعبية السيسي لدى الشعوب الواعية المدركة خطورة وجود جنرال كهذا على أي ثورة، ولكن المشهد الأبرز كان هناك في العاصمة التونسية وفي لحظة من لحظات انتصار إرادة الناس على أي إرادة أخرى، تذكر التونسيون أن "السيسي عدو الله" وهتفوا بها أمام العالم فور الإعلان عن فوز قيس سعيّد برئاسة تونس بعد انتخابات شهد بها العالم.

التونسيون يعلمون أن هناك من يتربص بهم إقليميا ودوليا، وأن تدخل مصر والإمارات في الجارة ليبيا ليس منهم ببعيد وأن قيادة السيسي للجيش المصري فيما يفعله من خراب وتدمير لمصر ما هو إلا نموذج تحريضي سيء لأي جيش عربي آخر إذا ما فكر يوما أن يكون له حظ في الحكم والسلطة.

مشهد آخر ولن يكون الأخير للهتاف ضد السيسي وتذكره بكل سوء والتأكيد على شعبيته في عقول الشعوب العربية، كان هناك في لبنان وما أدراك ما لبنان، فهتاف "السيسي عدو الله" يمكن أن تسمعه في تونس والجزائر والسودان والمغرب ومصر، ولكنك في لبنان ستستمع إلى هتافات أخرى تزعج السيسي كثيرا وتظل عالقة في أذهان كل من يسمعها وتتحول إلى دندنة يطرب لها السامعون.

لبنان يثور ضد فساد حكومته وفي وجه ساسته، والجزائر تثور ضد قائد جيشها وعصابة رئيسها السابق، وتونس تحتفل بفوز رئيسها المنتخب بعد الثورة، والسودان يثور ضد الجانجاويد وقيادات المجلس العسكري، والشعب المغربي أيضا يخرج في بعض الأحيان اعتراضا على بعض القضايا فيما يبدو أنها مطالب محلية لكل شعب ضد فساد حكومته أو لأسباب اقتصادية لا علاقة لها ببلد آخر أو بحكومته؛ فلماذا تذكر هذه الشعوب السيسي وتهتف ضده وتفضح شعبيته الزائفة التي يسوق لها الإعلام المصري ويوضحون حقيقته في نفوسها؟

الإجابة باختصار أن السيسي بات رمزا للثورة المضادة ونموذجا سيئا لتقزيم الدول وتدمير هويتها ونسيجها المجتمعي، ما فعله السيسي بمصر ولا زال يفعله بات ناقوس خطر يهدد أي دولة عربية أخرى وبات يخشاه أي شعب عربي يريد استرداد كرامته، السيسي أصبح قدوة لرؤساء حكومات تثور شعوبهم ضدهم، وما سعد الحريري منا ببعيد، وهو الذي يرى أن لبنان يحتاج إلى إجراءات اقتصادية مثل التي يفعلها السيسي في مصر.

لماذا يسبون الرئيس؟ سؤال سأله الإعلامي المصري عمرو أديب تعليقا على هتافات تونسية ضد السيسي، وطرحه أحمد موسى بشكل استنكاري، وخلص كل ذراع إعلامي منهما لحقيقة هي من المضحكات المبكيات أن من يسبون السيسي في تونس وفي غيرها هم بكل بساطة من الإخوان المسلمين وهنا أقول لهم:

أخبروني بالله عليكم ماذا بين السيسي وبين الشعوب العربية حتى يُسب ويُشتم

بمختلف اللهجات والألحان

من العراق إلى لبنان

وفي الجزائر والسودان

وفي تونس والمغرب وكثير من البلدان

أخبرني يا هذا هل كل الشعوب العربية إخوان؟

أضف تعليقك