• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
منذ 4 ثواني

بقلم.. عامر عبد المنعم

يبدو أن قادة الصهاينة لا يريدون الاقتناع بأن غزة أصبحت ندا قويا، وأن العدوان عليها لن يمر من دون رد مؤلم، ولهذا يحاولون كل فترة وأخرى العودة إلى سياسة الاعتداء لاختبار حدود القوة الفلسطينية، لكن في كل مرة يتلقون ضربات موجعة تدفعهم إلى استدعاء الوساطة المصرية لإنقاذهم ووقف إطلاق النار. لا يستوعب الإسرائيليون أن غزة قادرة على الدفاع عن نفسها من دون العرب، وأن ما تملكه من صواريخ وقوة بشرية مقاتلة يكشف زيف الدعاية الصهيونية ويكسر غطرسة الجيش الإسرائيلي، وتم تجريب هذه القوة في حروب كبيرة ومعارك صغيرة، وكانت المحصلة صمود غزة وانكسار الهجوم. الحقيقة التي فشل الصهاينة في تغييرها هي قدرة غزة على الصمود والمقاومة، ولهذا بذلوا كل الجهود لتفكيك الجبهة الداخلية، ووظفوا كل الأدوات من الجواسيس الذين اخترقوا السلطة الفلسطينية ودوائر الحكم في الدول العربية لإثارة الفتن في القطاع وشق الصف الفلسطيني لكنهم لم ينجحوا.

على الصعيد الفلسطيني تتحد الفصائل في غزة تحت قيادة حماس وتشكل حائط صد متماسك أفشل كل المكر المعادي، ويمثل هذا الاتحاد الذي يعتصم بحبل الله القلب الصلب الذي يلتف حوله الفلسطينيون بكل ألوانهم وتياراتهم السياسية في مشهد مبهر يدعو للإعجاب. قوة المقاومة ووحدتها من عبقرية العقل الفلسطيني المقاوم تقسيم الأدوار، فهذا التعدد الفصائلي لم يؤد إلى الانقسام والتفرق، وإنما أعطى التنوع مساحة واسعة من التناغم للمناورة والحركة في مواجهة الضغوط والمؤامرات التي تمارسها شبكة من الخصوم الدوليين والإقليميين والمحليين.

وقد ساهم هذا القلب المقاوم في صبغ المجتمع كله بروح فدائية رغم الحصار والتجويع والمعاناة، وظهر هذا بعد جريمة اغتيال القائد في سرايا القدس بهاء ابو العطا وزوجته، حيث خرجت مظاهرات في غزة ترفض وقف إطلاق النار وتطالب باستمرار قصف الصواريخ وضرب تل أبيب، غير مبالين بالعدوان الإسرائيلي ولا يخشون الموت. كانت جريمة قتل أبو العطا محاولة من نتنياهو للحصول على انتصار سريع يساعده في استعادة الأمل لتشكيل الحكومة الإسرائيلية، وإشعال حرب تنقذه من الأزمة التي يعيشها، لكن الرد الذكي كان قاسيا دون أن يحقق ما أراده نتنياهو، فتم قصف المستوطنات، ووصلت الصواريخ إلى ضواحي القدس وتل أبيب، ولهذا تكتمت الحكومة الصهيونية على الحجم الحقيقي للخسائر والأهداف التي قصفت! أهم إنجازات المقاومة الفلسطينية هو تشكيل العقل الجماعي القادر على إدارة أخطر صراع في التاريخ المعاصر، ومواجهة طبقات متعددة من العداء والمكر، وصناعة سلاح رادع بإمكانات محلية بسيطة للتصدي لأكبر ترسانة عسكرية بالمنطقة وتحييد أشد أسلحة التدمير فتكا بالبشر والحجر.

هذا العقل الاستراتيجي الذي استطاع أن يحقق التوزان العسكري في فترة تاريخية تعد من أسوأ ما مر به العرب والعالم الإسلامي يعد طفرة في التفكير العسكري، تستحق أن تدرس، فكيف لشعب صغير (مليونا نسمة) في منطقة جغرافية محدودة (365 كيلومترا) محاصر من الأشقاء قبل الأعداء يستطيع مواجهة قوة احتلال تساندها الدول الكبرى المهيمنة على النظام الدولي؟ الحكمة في إدارة الصراع نحن أمام حالة من الإبداع البشري غير مسبوقة، وحالة رمزية معاصرة للروح الإسلامية المنتصرة وسط محيط منهزم، والفضل هنا غير منسوب لأشخاص وإنما لشعب كامل برجاله ونسائه وشبابه وشيوخه، يخوضون معارك مركبة، وكل أسرة تقدم الشهداء تلو الشهداء بروح راضية، لا يضرهم من خذلهم، ولا يبكون على من خانهم. هذه القيادة نجحت لأنها تجمع بين العقول المخلصة التي تمتلك الوعي السياسي مع الخبرة العسكرية وحققت التكامل بين العنصرين، وهذا ما افتقده العالم الإسلامي من قرنين عندما تم الفصل بين القيادة السياسية والقيادة العسكرية حتى تم التخلص من آخر أشكال الوحدة الإسلامية (الخلافة العثمانية)، ومنذ ذلك اليوم اختطف خصوم الأمة قياداتنا العسكرية وركبوا لنا رؤسا سياسية تابعة لهم. بسبب الفصل بين العقل السياسي والعقل العسكري خسرت الأمة الكثير من التجارب، وتعثرت محاولات الاستقلال التي كان من الممكن أن تنجح لو أتيح لها هذا العقل الاستراتيجي الذي يستوعب كل الطاقات المتاحة ويوظفها في إدارة الصراعات بشكل علمي، يقرأ الواقع بوعي ويتحرك بحكمة، لتحقيق الأهداف العليا للأمة. الإدارة الفلسطينية الحالية للصراع ليست تحت التجربة وإنما أثبتت جدارتها من خلال مسيرة من الحروب والمواجهات، وهذا يفرض على الأمة أن تثق في خبرتها وتدعم صمودها وتساند قوتها، وعدم الاستجابة للحملات الإعلامية التي يروجها المكر المعادي للتشكيك فيها والانتقاص من حقها. من الطبيعي أن يقلق جمهور الأمة مع كل اشتباك عسكري، ومن الطبيعي أن ينزعج العرب والمسلمون من كثرة الشهداء والمصابين، لكن خطط الحرب لا تناقش على الملأ، وليس مطلوبا من القادة الفلسطينيين شرح استراتيجياتهم وتفاصيل استعداداتهم لمواجهة العدوان، فلا يوجد جيش يعلن عن خططه العسكرية أمام الأعداء.

المطلوب منا أن نقدم واجب النصرة، قدر الاستطاعة، وأضعف الإيمان أن ندعمهم على مواقع التواصل الإجتماعي ووسائل الإعلام الجديد بالكلمة والصورة، ونقوي عزيمة الجيش الفلسطيني وفضح لجان المستعربين الإلكترونية التي توجه الانتقادات لغزة. المعركة صعبة ومعقدة وتحتاج إلى وعي يتناسب وحجم هذا الصراع، فقضية فلسطين في مواجهة الاحتلال الصهيوني هي القضية المحورية للأمة، وهذا الصراع باق إلى يوم القيامة كما ورد في الأحاديث النبوية الشريفة، ولن يستطيع اللوبي الصهيوني العالمي شطب فلسطين ومحو ذكرها مهما أوتوا من قوة.

أضف تعليقك