• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
منذ ثانية واحدة

بقلم.. سليم عزوز

لم تعد المعارضة وحدها التي تتحدث عن تكميم الأفواه، فقد انتقلت الشكوى إلى "الموالاة"، ومن "مفيد فوزي"، إلى "بسمة وهبة"!

فالفاصل الزمني بين شكوى "مفيد" و"بسمة" هو أيام، حيث كتب الأول مقاله "شيء من الخوف"، عن القمع وتحويل الاعلام إلى ملف أمني، وتكليف ضباط بعينهم بإدارة هذا الملف، والتحكم حتى في ظهور الضيوف على القنوات المختلفة!

وقد تبعته "بسمة وهبة" ببث مباشر، تقول فيه إنها اشتاقت للميكرفون، وأنها تريد العودة للتقديم التلفزيوني، وتطلب فقط الحق في الكلام دون أن تتعرض لوضع اسمها على قوائم ترقب الوصول في المطار، ولهذا هي تريد "أوكسجين" ورفع السقف بعض الشيء، ومن الملاحظ انها لم تطلب لبن العصفور!

وكانت فرصة لنعلم أن "بسمة وهبة" قد توقفت عن التقديم التلفزيوني، ولا نعرف إن كان هذا بسبب "هبوط سقف الحريات"، أم لعملية تحجيم المشهد الإعلامي بشكل عام. فكثيرون من أهل التطبيل، قد غادروا لبيوتهم، بدون أن يضبطوا متلبسين ولو بحرف معارض، فماذا كانت تقول لكي تمنع على أساسه؟ وماذا تريد أن تقول فتطلب له حرية غير متوفرة، ورفع سقف يلامس الأرض؟!

مفيد ومبارك:

مفيد فوزي، لا يكتب مقالات معارضة، وقد يعارض وزيرة، أو فنانة، أو يكتب ضد مسؤول كبير، لكنه أبداً لا يقترب من رحاب الحاكم أو الشرطة أو الجيش أو القضاء، أو أي من الأداء الذي يقع ضمن اختصاص الوزارات السيادية (الدفاع والداخلية والعدل والخارجية)، فهو يعتمد على الإثارة اللفظية، وليس أكثر، مثل طلبه من مبارك الأمان لكي يقول ما في نفسه، ثم يلح في الطلب، بينما مبارك يفسد "اللقطة" بأدائه الذي يفتقد للحنكة: "قول يا مفيد فيه إيه"، لتلمع عينا مفيد وهو يقترب منه بكل جسده تعبيراً عن عاطفته الجياشة وهو يقول ما طلب الأمان من أجله: "سيادتك.. هل تلاعب أحفادك"؟!
 

ها هي "بسمة" تتحدث عن كيف أن وضع حقوق الإنسان في مصر يحرمها من مجرد الكلام! وأنها لمجرد كلمة قد يذهبون بها إلى ما وراء الشمس، ويضعون اسمها على قوائم ترقب الوصول في المطار

و"بسمة وهبة" لا تقدم برامج سياسية، ولكنها تناقش مشكلات اجتماعية: الزواج والطلاق وحقوق المرأة، وعندما صار لها رأي سياسي أيدت السيسي بالباع والذراع. ثم إنها بالزواج تدخل في دائرة أهل الحكم، فبعلها هو رئيس لجنة حقوق الإنسان بالبرلمان، وهو ضابط شرطة سابق متهم بالتعذيب، وكان آخر نشاطه البرلماني هو جولة مؤخراً في السجون، وردا على تقارير حقوقية تتكلم عن انتهاك حقوق الإنسان في مصر، فهل كان يعتقد أن الرد عليه وكشف زيف دعايته سيأتيه من أقرب الناس له؟ فها هي "بسمة" تتحدث عن كيف أن وضع حقوق الانسان في مصر يحرمها من مجرد الكلام! وأنها لمجرد كلمة قد يذهبون بها إلى ما وراء الشمس، ويضعون اسمها على قوائم ترقب الوصول في المطار!

وقد كانت "بسمة وهبة" تقدم برنامجاً دينيا في قناة "اقرأ"، وهي قناة سعودية، لا تتطرق للسياسة بحكم التوجه والملكية، وانتقلت إلى فصيلة البرامج الاجتماعية بعد مرحلة "اقرأ"، وعندما أرادت ان تكون "منى الشاذلي" المرحلة، كانت تنطلق من قواعد التأييد المطلق لـ"القائد الضرورة"، فماذا يضرها من القمع؟ وماذا يضير مفيد فوزي، كاتب السلطة وكل سلطة؟!
 

لم يعد مسموحاً حتى بهذا الخطاب الإعلامي المتواضع، فحق النقد لم يعد مباحاً، ولو لمسؤول صغير، ولو لفنانة، فقد عدنا إلى مرحلة فصل صحفي لأنه انتقد مذيعة

ليس مباحاً:

الشكوى كاشفة عن أنه لم يعد مسموحاً حتى بهذا الخطاب الإعلامي المتواضع، فحق النقد لم يعد مباحاً، ولو لمسؤول صغير، ولو لفنانة، فقد عدنا إلى مرحلة فصل صحفي لأنه انتقد مذيعة، وإن كان يوجد مبرر مقبول في جمهورية العسكر الأولى لفصل موسى صبري لأنه وصف صوت المذيعة "همت مصطفى" بأنه يشبه صوت "المعزة"، فهمّت كانت زوجة لضابط مخابرات، والآن فإن الوقف عن العمل الصحفي، يحدث لأتفه الأسباب وأحياناً بدون أسباب، وقد تم وقف "أسامة كمال" المقرب من السيسي نفسه؛ لأنه لم يلتزم حرفيا بالسكريبت الذي وضعته اللجنة المخصصة لذلك، والتي تشرف عليها مجموعة الضباط الذين يتولون ملف الإعلام. وهو اجتهاد تم مع النص دون الخروج عليه، ومع ذلك تم تسريحه؛ لأنه لا يجوز لأحد أن يتجاوز النص المكتوب والمرسل عبر جهاز سامسونج، كما قالت مذيعة في يوم ما على الهواء مباشرة!

فالسلطة التي بدأت يومها الأول باجتياح مدينة الإنتاج الإعلامي واعتقال العاملين والضيوف من القنوات التلفزيونية المشتبه في رفضها للانقلاب العسكري؛ لا يمكن ان تتوقف في ممارساتها الاستبدادية عند حد. وكان طبيعيا أن ينخفض سقف الحريات في مصر، حتى لا يسمح بقول كلمة، ويمنع الكلام نهائياً، فتصيح بسمة وهبة: "عاوزة أتكلم". وكما استبيح "مفيد فوزي" عبر الفضائيات المختلفة، وتم استحلال سمعته، فقد تتعرض بسمة وهبة لنفس الاستهداف، ما لم يعملون حساباً لبعلها ضابط الشرطة السابق، والبرلماني الحالي.

ومن المؤسف إن الذين رحبوا بالأداء الاستبدادي للانقلاب العسكري، هم الآن الذين يكتوون بناره، وقد ظنوا أن خطره سيقتصر على خصومهم، فاتهم أن الاستبداد كالإسبراي تطلق في اتجاه فينتشر في كل اتجاه، وقد يسعدك أن يصل إلى خصمك لكنه سيرتد إليك.

اشربوا بالهناء والشفاء.

أضف تعليقك