• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
منذ ثانيتين

لا يستطيع الطابور المعادي للدين في مجتمعاتنا الإسلامية الطعن في الألوهية والنبوة، ولكن يستهدف الكيانات والدعاة والرموز الإسلامية، ويواصل الإلحاح على أن الإسلام به تناقضات وسلبيات من داخله، ويزعم أن العلماء والدعاة منحرفون وكلهم أخطاء، وأن ديننا يحتاج إلى إصلاح من الداخل مثل ما حدث في حركة الإصلاح الديني في أوربا في القرون الوسطى.

هذا الطابور في بلادنا ينفذ أجندة اليمين الأمريكي الصهيوني الذي نجح في صناعة شبكة دولية لمحاربة الإسلام، منذ وصول دونالد ترمب للبيت الأبيض، وقد وصفها مايكل فلين مستشار الأمن القومي الأمريكي السابق بأنها "تحالف القرن الحادي والعشرين الجديد" وهدفه: محاربة الإسلام كأيديولوجيا للقضاء عليه مثل الشيوعية والفاشية والنازية، وليس دينا سماويا واجب الاحترام.

لقد نجح هذا التحالف الذي انضم إليه رؤساء وملوك دول عربية رئيسية في شيطنة كل الحركات الإسلامية السنية وفي مقدمتها "الإخوان المسلمون" وتحويلها إلى عدو يستحق القتل كما تفعل الإمارات في اليمن، ويتم ملاحقة الإسلاميين بالمطاردة والمصادرة والسجن في دول عربية أخرى، وهو سلوك عدواني غير موجود في دول الغرب المسيحي، ولا حتى في أمريكا التي توجد بها قيادة هذا التحالف المحارب للإسلام.

الجديد اليوم هو استهداف السلفية وحشد حملات التحريض ضدها بتشويهها والتطاول عليها وعلى رموزها، رغم أنها ليست حركة سياسية، وإنما منهج علمي دعوي، وأسلوب في التفكير خلاصتة اتباع النبي محمد صلى الله عليه وسلم والسلف الصالح، ولا يمكن اختزالها في حركة هنا أو هناك، كما لا يمكن تحميلها ممارسات مثيرة للجدل لحركات سياسية محسوبة على السلفية.

الكذب والافتراء
في حملة مفتعلة واضح فيها التربص وتعمد الكذب يتعرض الشيخ "أبو إسحق الحويني" لهجوم إعلامي غير مبرر، يستغل مقطع فيديو ينصح فيه طلبة العلم والعلماء الصغار بألا يتسرعوا في تأليف الكتب، وليصبروا حتى لا يقعوا في أخطاء يندمون عليها وقد لا يستطيعون تصحيحها فيما بعد.

كلمات الشيخ الحويني خلاصة من النصائح المفيدة، لكل من يكتبون في كل المجالات، فهو يدعوهم إلى التروي والانتظار حتى يصلوا إلى درجة من الوعي والإلمام الكامل في المجال الذي يكتبون فيه، وضرب لهم مثلا بنفسه وأنه يريد إعادة بعض ما كتبه في شبابه وتصحيح بعض المسائل.

ومن باب الدعوة للتواضع وتدقيق ما يصدر من مؤلفات ذكر الحويني ما كان يفعله الإمام ابن حجر العسقلاني صاحب كتاب "فتح الباري بشرح صحيح البخاري" بتوزيع ما يكتبه على تلاميذه، وكانوا علماء، لتقييمه وتدقيقه قبل النشر، لتصحيح ما وقع فيه من أخطاء حتى يكون العمل نافعا للأمة.

الغريب أن الإعلام المتربص اعتبر كلمات الحويني اعترافا بأنه ارتكب أخطاء فاحشة وتقولوا عليه بما لم يقله، وخاضوا في علمه وشخصه وحياته، وافتروا عليه الافتراءات للطعن فيه وتعمد الإساءة إليه، بأساليب لا تليق مع عالم من أبرز المتخصصين في علم الحديث في السنوات الأخيرة، وله إسهامات دعوية مهمة.

ما قاله الحويني في الفيديو المقصود يحسب له لا عليه، ونصائحه منطقية وهي تستحق التمعن والدراسة، وهي مفيدة لدور النشر التي تضخ كما هائلا من الكتب ضعيفة المحتوى، كما أن نصائحه لا يعترض عليها المؤلفون والمفكرون، لأن كل الكتاب بمن فيهم العباقرة يصححون كتبهم عند إعادة طباعتها، بالإضافة والحذف والتعديل، وهذا سلوك طبيعي يعرفه أصحاب القلم.

الحويني وعلم الحديث
ولد الشيخ الحويني عام 1956 في قرية حوين بمحافظة كفر الشيخ، ودرس في كلية الألسن بجامعة عين شمس، وتخصص في اللغة الإسبانية، وكان من أوائل دفعته، ثم عمل في بداية حياته مذيعا للغة الفرنسية في ماسبيرو، قبل أن يغير اتجاهه ويتفرغ لدراسة علم الحديث.   

تتلمذ "حجازي محمد يوسف" الذي تسمى "أبو إسحق الحويني" على يد الشيخ محمد نجيب المطيعي أحد علماء الأزهر، وأخذ عنه علم أصول الفقه وأصول علم الحديث، وعلى يد علماء آخرين مثل عبد العزيز بن باز وابن عثيمين.

لكن الأهم أنه تتلمذ على يد الشيخ ناصر الدين الألباني أحد أبرز علماء الحديث في العقود الأخيرة، وكانت البداية التي جذبته إلى التخصص في دراسة الحديث النبوي قراءة كتاب "صفة صلاة النبي من التكبير إلى التسليم" للألباني والذي جعله يشعر بأهمية التحقيق والدراية بالسنة النبوية الصحيحة.

برز الحويني في تحقيق كتب الحديث، وأصدر العديد من المخطوطات التي لم تطبع من قبل وبذل جهدا كبيرا في هذا المجال الذي تلقاه مشاهير علماء الأمة بالقبول وأثنوا عليه، وجعلوا الكثير من كتبه في مناهج علم الحديث.

ولهذا فإن الطعن في الحويني معركة رمزية لها أبعاد أخرى تمتد إلى علم الحديث الذي يتخصص فيه ويدافع عنه، فهو رمز الصحوة السلفية، واسم ثقيل يخافون منه جدا، وسيكون له أثر ممتد كالشعراوي في الأزاهرة، ويأتي الهجوم على الحويني في إطار حملة التشكيك في السنة النبوية والذي وصل إلى التطاول على البخاري نفسه والطعن في صحيحه.

لا أحد فوق النقد
دفاعنا عن الشيخ الحويني وغيره من علماء المسلمين لا يعني أن أحدا فوق النقد، فكل إنسان يؤخذ منه ويرد إلا النبي صلى الله عليه وسلم، وتاريخنا منذ البعثة وحتى الآن مليء بتنوع آراء العلماء في الكثير من المساءل في كل فروع العلم، بل الشيخ الحويني نفسه يصحح الكثير من آراء من سبقوه، وسيأتي من يصحح آراءه، وهذا من عظمة ديننا.

لكن الذين هاجموا أبو إسحق الحويني هم الذين هاجموا الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، بالطريقة نفسها وبالضراوة ذاتها، فهم يزعمون أنهم يريدون تجديد الخطاب الديني وتطوير الإسلام بينما هم يطعنون في أركان الدين ومظاهره وعلمائه، ويغريهم دعم جهات في الحكم بالتطاول والتجرؤ على كل ثوابتنا.

ومنطق هؤلاء المتطاولين ضعيف، ولا يقدرون على الصمود أمام أي نقاش، وقد رأينا كيف أن شيخ الأزهر في المؤتمر الذي ناقش تجديد الخطاب الديني استطاع بكلمات بسيطة هزيمة كل أسس حملة تغيير الدين، وعجز الدكتور عثمان الخشت رئيس جامعة القاهرة أحد المشاركين في بدعة تطوير الدين عن الدفاع عن أفكاره.

مالم يفهمه الكارهون للدين أن الإسلام دين الله، وقد اكتمل، وتكفل الله بحفظه، ولا يحتاج إلى تجديد أو تطوير كما يتوهمون، وأن هناك فرقا بين التجديد والاجتهاد، وباب الاجتهاد لم يغلق، فهو مفتوح إلى يوم القيامة، يقوم به العلماء المجتهدون والعارفون، وليس شياطين هدفهم هدم الإسلام لصالح خصومه.

أضف تعليقك