• الصلاة القادمة

    الظهر 11:01

 
news Image
منذ ثانية واحدة

بقلم.. د.عبدالرحمن البر

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد..

فقد وجَّه إليّ بعض الأحبة سؤالاً عن فضيلة شهر رجب، والحكم فيما يفعله بعض الناس من أعمال صالحة كإخراج الزكاة والصوم والعمرة في رجب، وحكم مواصلة صيام الأشهر الثلاثة: رجب، وشعبان، ورمضان.

وقد رغب الأخ أن أقدم هذه الإجابة للنشر ليعرف الجميع المشروع وغير المشروع فيما يتعلق بهذا الموضوع، ويسعدني أن أقدم هذه الإجابة الموجزة، عسى أن ينتفع بها المسلمون عمومًا والإخوة الدعاة خصوصًا، فأقول وبالله التوفيق:

شهر رجب من الأشهر الحرم كما في حديث أَبِي بَكْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "الزَّمَانُ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ، السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا، مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ، ثَلاَثَةٌ مُتَوَالِيَاتٌ ذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ، وَرَجَبُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَان" متفق عليه، أخرجه البخاري في كتاب: بدء الخلق، باب: مَا جَاءَ فِي سَبْعِ أَرَضِينَ (3025)، وفي مواضع أخرى، ومسلم في كتاب: القسامة، باب: تغليظ تحريم الدماء والأعراض والأموال (1679/29).

وكان من هديه صلى الله عليه وسلم أن يستقبل كل شهر إذا رأى هلال أي شهر بالدعاء والتوجه إلى الله؛ فعَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا رَأَى الْهِلاَلَ قَالَ: "اللَّهُمَّ أَهْلِلْهُ عَلَيْنَا بِالْيُمْنِ وَالإِيمَانِ وَالسَّلاَمَةِ وَالإِسْلاَمِ.. رَبِّي وَرَبُّكَ اللَّه"، أخرجه الترمذي- وقال: حسن غريب- في كتاب: الدعوات، باب: ما يقول عند رؤية الهلال (3451)، وأحمد 1/162، والدارمي في كتاب: الصوم، باب: ما يقال عند رؤية الهلال (1688)، وابن أبي عاصم في السنة (376)، وأبو يعلى (661-662)، وابن السني في عمل اليوم والليلة (641)، وصححه الحاكم (7767)، وهو حسن لشواهده الكثيرة.

ومعنى أَهْلِلْهُ عَلَيْنَا: أطلِعْه علينا، وأرِنا إياه، والمعنى: اجعل رؤيتنا له مقترنةً بالأمن والإيمان. ويحتمل أن يكون الإهلال الذي ورد بمعنى الدخول الذي قد ورد متعديًا، فيكون المعنى: أدْخِلْه علينا.

ومن دعائه صلى الله عليه وسلم كذلك إِذَا رَأَى الْهِلاَلَ قَالَ: "هِلاَلُ خَيْرٍ وَرُشْدٍ، هِلاَلُ خَيْرٍ وَرُشْدٍ، هِلاَلُ خَيْرٍ وَرُشْدٍ، آمَنْتُ بِالَّذِى خَلَقَكَ" ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ يَقُولُ: "الْحَمْدُ لِلَّهِ الذي ذَهَبَ بِشَهْرِ كَذَا وَجَاءَ بِشَهْرِ كَذَا".

الحديث عن قتادة مرسلاً، أخرجه أبو داود بإسناد صحيح في كتاب: الأدب، باب: ما يقول الرجل إذا رأى الهلال 4/324 (5092)، وأخرجه الطبراني في الدعاء 2/1224 (906) من حديث قتادة عن أنس، وإسناده ضعيف، كما أخرجه ابن السني في عمل اليوم والليلة (642) من حديث أبي سعيد الخدري، وسنده ضعيف أيضًا. قال أبو داود: ليس عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب مسند صحيح.

وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل رجب يدعو الله أن يبلغه شهر رمضان، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ كَانَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا دَخَلَ رَجَبٌ قَالَ: "اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي رَجَبٍ وَشَعْبَانَ، وَبَارِكْ لَنَا فِي رَمَضَانَ"، وفي رواية: "وَبَلِّغْنَا رَمَضَانَ" أخرجه عبد الله بن أحمد في زوائده على المسند (2346)، والبزار (961- كشف الأستار)، وابن السني في عمل اليوم والليلة (659)، والطبراني في الأوسط (3939)، وفي الدعاء (911)، وأبو نعيم في الحلية 6/269، والبيهقي في شعب الإيمان (3654)، وفي فضائل الأوقات (14)، كلهم من طريق زَائِدَةَ بْنِ أَبِي الرُّقَادِ، عَنْ زِيَادِ بْنِ عَبْدِ اللهِ النُّمَيْرِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قال الطبراني: "لا يروى هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بهذا الإسناد تفرد به زائدة بن أبي الرقاد". وقال الهيثمي في مجمع الزوائد 2/165: "رواه البزار وفيه زائدة بن أبي الرقاد، قال البخاري: منكر الحديث، وجهله جماعة". وقال أيضًا 3/140: "رواه البزار والطبراني في الأوسط، وفيه زائدة بن أبي الرقاد وفيه كلام وقد وثق". وضعفه ابن حجر في (تبيين العجب مما ورد في فضل رجب) والسيوطي في الجامع الصغير. وقال المناوي في فيض القدير 4/24: "قال في كتاب (الصراط المستقيم): لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في فضل رجب إلا خبر "كَانَ إِذَا دَخَلَ رَجَبٌ قَالَ: "اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِى رَجَبٍ" لم يثبت غيره، بل عامة الأحاديث المأثورة فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم كذب".

قلت: الحديث ضعيف، لأن فيه زائدةَ بْنَ أَبِي الرُّقَادِ منكرَ الحديث، كما قال البخاري والنسائي، وقال أبو حاتم: "روي عَنْ زِيَادٍ النُّمَيْرِيِّ، عَنْ أَنَسٍ أحاديث مرفوعة منكرة، ولا ندري منه أو من زياد". وفيه زياد بن عبد الله النميري، ضعفه ابن معين وأبو داود، وقال ابن حبان: "منكر الحديث، يروي عن أنسٍ أشياء لا تشبه حديث الثقات، لا يجوز الاحتجاج به"، وقال أبو حاتم: "يكتب حديثه ولا يحتج به".

ومع ضعف هذا الحديث فقد قبله العلماء في هذا المجال باعتبار الدعاء بالبركة في الوقت من فضائل الأعمال.

أما الأحاديث في فضيلة شهر رجب أو فضيلة بعض الأعمال كالصيام أو الصدقة أو الاعتمار فيه فلا تقوم بها حجة.

قال الفتني في تذكرة الموضوعات 1/117: "وفي بعض الرسائل لعلي بن إبراهيم العطار: اعلم أن العلماء أجمعوا على أن رمضان أفضل الشهور، وذا الحجة والمحرم أفضل من رجب، بل لو قيل: ذو القعدة أفضل من رجب لكان سائغًا، لأنه من الأشهر الحرم.

ولا شيء يتصور في رجب من الفضائل سوى ما قيل من الإسراء ولم يثبت ذلك.

وما روي في فضل صيام رجب وشعبان أو تضعيف الجزاء على صيامهما فكله موضوع أو ضعيف لا أصل له، وكذا ما أخرج العساكري والكتاني في الصيام والتضعيف موضوع لا يحتج به أصلاً، وكان عبد الله الأنصاري لا يصوم رجبًا وينهى عنه، ويقول: لم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك شيء.

ومما يفعل في هذه الأزمان إخراج الزكاة في رجب دون غيره لا أصل له، وكذا كثرة اعتمار أهل مكة في رجب لا أصل له في علمي، وإنما الحديث "عمرة في رمضان تعدل حجة" ومما أحدث العوام صيام أول خميس من رجب، ولعله يكون آخر يوم من الجمادى وكله بدعة.

ومما أحدثوا في رجب وشعبان إقبالهم على الطاعة أكثر وإعراضهم في غيرها، حتى كأنهم لم يخاطبوا إلا فيهما.

نعم روي بإسناد ضعيف أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل رجب قال: "اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان"، ويجوز العمل في الفضائل بالضعيف".

قلت: وأقوى ما احتُج به للعمل الصالح في رجب: ما أخرج النسائي عن أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رضي الله عنه قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَمْ أَرَكَ تَصُومُ شَهْرًا مِنْ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ؟ قَالَ: "ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ، وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ".أخرجه النسائي (2357)، وأحمد (21753)، وسنده حسن.

ففي هذا الحديث إشارة إلى الاجتهاد في العمل في رجب، إذ قرنه النبي صلى الله عليه وسلم برمضان في اجتهاد الناس في العمل فيه، ولم ينكر صلى الله عليه وسلم ذلك.

وأقوى ما احتج به للصيام في رجب: حديث مُجِيبَةَ الْبَاهِلِيَّةِ عَنْ أَبِيهَا أَوْ عَمِّهَا أَنَّهُ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ انْطَلَقَ فَأَتَاهُ بَعْدَ سَنَةٍ وَقَدْ تَغَيَّرَتْ حَالَتُهُ وَهَيْئَتُهُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمَا تَعْرِفُنِ؟ قَالَ: "وَمَنْ أَنْتَ؟". قَالَ: أَنَا الْبَاهِلِيُّ الَّذِي جِئْتُكَ عَامَ الأَوَّلِ. قَالَ: "فَمَا غَيَّرَكَ وَقَدْ كُنْتَ حَسَنَ الْهَيْئَةِ؟". قَالَ: مَا أَكَلْتُ طَعَامًا إِلاَّ بِلَيْلٍ مُنْذُ فَارَقْتُكَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لِمَ عَذَّبْتَ نَفْسَكَ". ثُمَّ قَالَ: "صُمْ شَهْرَ الصَّبْرِ وَيَوْمًا مِنْ كُلِّ شَهْرٍ". قَالَ: زِدْنِي فَإِنَّ بِي قُوَّةً. قَالَ: "صُمْ يَوْمَيْنِ". قَالَ: زِدْنِي. قَالَ: "صُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ". قَالَ: زِدْنِي. قَالَ: "صُمْ مِنَ الْحُرُمِ وَاتْرُكْ، صُمْ مِنَ الْحُرُمِ وَاتْرُكْ، صُمْ مِنَ الْحُرُمِ وَاتْرُكْ". وَقَالَ بِأَصَابِعِهِ الثَّلاَثَةِ فَضَمَّهَا ثُمَّ أَرْسَلَهَا.أخرجه أبو داود (2428)، وابن ماجه (1741)، وأحمد (20323)، وابن سعد (7/83)، والبيهقي في السنن (8209)، وفي شعب الإيمان (3738). وأخرجه أيضًا: الضياء (9/230، رقم 212)، وإسناد الحديث ضعيف للاضطراب في مجيبة الباهلية وجهالتها، ولكنه يتقوى بالأحاديث الأخرى في فضل الأشهر الحرم.

وقد رفض ابن عباس رضي الله عنه تخصيص الصيام في رجب بمزيد فضل على الصيام في غيره، فأخرج مسلم عن عُثْمَانَ بْنِ حَكِيمٍ الأَنْصَارِيُّ قَالَ: سَأَلْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ عَنْ صَوْمِ رَجَبٍ وَنَحْنُ يَوْمَئِذٍ فِي رَجَبٍ؟ فَقَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ لا يُفْطِرُ، وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ لا يَصُومُ.

أخرجه مسلم في كتاب: الصيام، باب صيام النبي صلى الله عليه وسلم في غير رمضان واستحباب أن لا يخلي شهرًا عن صوم (1157/179).

وأما ابن عمر فكان يحرم أن يصوم الإنسان شهر رجب بكامله من أوله إلى آخره، ويجعله من صوم الأبد المنهي عنه، فقد أخرج مسلم عَنْ عَبْدِ اللَّهِ مَوْلَى أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ وَكَانَ خَالَ وَلَدِ عَطَاءٍ قَالَ: أَرْسَلَتْنِي أَسْمَاءُ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فَقَالَتْ: بَلَغَنِي أَنَّكَ تُحَرِّمُ أَشْيَاءَ ثَلاثَةً: الْعَلَمَ فِي الثَّوْبِ، وَمِيثَرَةَ الأُرْجُوَانِ (قطيفة مصبوغة بالأحمر توضع تحت الراكب)، وَصَوْمَ رَجَبٍ كُلِّهِ؟

فَقَالَ لِي عَبْدُ اللَّهِ: أَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ رَجَبٍ فَكَيْفَ بِمَنْ يَصُومُ الأَبَدَ؟ وَأَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ الْعَلَمِ فِي الثَّوْبِ فَإِنِّي سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "إِنَّمَا يَلْبَسُ الْحَرِيرَ مَنْ لا خَلاقَ لَهُ" فَخِفْتُ أَنْ يَكُونَ الْعَلَمُ مِنْهُ، وَأَمَّا مِيثَرَةُ الأُرْجُوَانِ فَهَذِهِ مِيثَرَةُ عَبْدِ اللَّهِ فَإِذَا هِيَ أُرْجُوَانٌ.

فَرَجَعْتُ إِلَى أَسْمَاءَ فَخَبَّرْتُهَا فَقَالَتْ: هَذِهِ جُبَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَخْرَجَتْ إليَّ جُبَّةَ طَيَالِسَةٍ كِسْرَوَانِيَّةٍ لَهَا لِبْنَةُ دِيبَاجٍ (أي فيها رقعة من حرير) وَفَرْجَاهَا مَكْفُوفَانِ بِالدِّيبَاجِ، فَقَالَتْ: هَذِهِ كَانَتْ عِنْدَ عَائِشَةَ حَتَّى قُبِضَتْ، فَلَمَّا قُبِضَتْ قَبَضْتُهَا، وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَلْبَسُهَا، فَنَحْنُ نَغْسِلُهَا لِلْمَرْضَى يُسْتَشْفَى بِهَا.

أخرجه مسلم في كتاب: اللباس والزينة، باب تحريم استعمال إناء الذهب والفضة على الرجال والنساء وخاتم الذهب والحرير على الرجل وإباحته للنساء وإباحة العلم ونحوه للرجل ما لم يزد على أربعة أصابع (2069/10).

وأما العمرة في رجب فأثبتها عبد الله بن عمر رضي الله عنه، وردت عليه عائشة بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعلها، فأخرج الشيخان عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: دَخَلْتُ أَنَا وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ الْمَسْجِدَ فَإِذَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رضي الله عنه جَالِسٌ إِلَى حُجْرَةِ عَائِشَةَ، وَإِذَا نَاسٌ يُصَلُّونَ فِي الْمَسْجِدِ صَلاةَ الضُّحَى. قَالَ: فَسَأَلْنَاهُ عَنْ صَلاتِهِمْ؟ فَقَالَ: بِدْعَةٌ. ثُمَّ قَالَ لَهُ: كَمْ اعْتَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: أَرْبَعًا، إِحْدَاهُنَّ فِي رَجَبٍ.

فَكَرِهْنَا أَنْ نَرُدَّ عَلَيْهِ، قَالَ: وَسَمِعْنَا اسْتِنَانَ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ (أي صوت سواكها وهي تتسوك به) فِي الْحُجْرَةِ، فَقَالَ عُرْوَةُ: يَا أُمَّاهُ يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، أَلا تَسْمَعِينَ مَا يَقُولُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ؟ قَالَتْ: مَا يَقُولُ؟ قَالَ: يَقُولُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اعْتَمَرَ أَرْبَعَ عُمَرَاتٍ إِحْدَاهُنَّ فِي رَجَبٍ. قَالَتْ: "يَرْحَمُ اللَّهُ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ! مَا اعْتَمَرَ عُمْرَةً إِلاَّ وَهُوَ شَاهِدُهُ، وَمَا اعْتَمَرَ فِي رَجَبٍ قَطُّ". زاد في رواية عند مسلم: قَالَ: "وَابْنُ عُمَرَ يَسْمَعُ، فَمَا قَالَ لاَ، وَلاَ نَعَمْ. سَكَتَ".أخرجه البخاري في كتاب: العمرة، باب: كَمِ اعْتَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم (1685)، ومسلم في كتاب: الحج، باب: بَيَانِ عَدَدِ عُمَرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَزَمَانِهِنَّ (1255/219-220).

وأما الذبح والنسك في رجب فقد ورد نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن تخصيص رجب بشيء من ذلك، فأخرج الجماعة عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لا فَرَعَ وَلا عَتِيرَةَ".

وَالْفَرَعُ: أَوَّلُ النِّتَاجِ كَانُوا يَذْبَحُونَهُ لِطَوَاغِيتِهِمْ، وَالْعَتِيرَةُ فِي رَجَبٍ. وعند أبي داود: فِي الْعَشْرِ الأُوََلِ مِنْ رَجَبٍ.

قال الترمذي: "وَالْعَتِيرَةُ: ذَبِيحَةٌ كَانُوا يَذْبَحُونَهَا فِي رَجَبٍ، يُعَظِّمُونَ شَهْرَ رَجَبٍ؛ لأنَّهُ أَوَّلُ شَهْرٍ مِنْ أَشْهُرِ الْحُرُمِ"أخرجه أحمد (7751)، والبخاري (5156)، ومسلم (1976/38)، وأبو داود (2831)، والترمذي (1512)، والنسائي (4222)، وابن ماجه ( 3168).

وقال النووي في شرح مسلم في تفسير الفرع "قَالَ الشَّافِعِيّ وَأَصْحَابه وَآخَرُونَ: هُوَ أَوَّل نِتَاج الْبَهِيمَة، كَانُوا يَذْبَحُونَهُ وَلا يَمْلِكُونَهُ رَجَاء الْبَرَكَة فِي الأُمّ وَكَثْرَة نَسْلهَا، وَهَكَذَا فَسَّرَهُ كَثِيرُونَ مِنْ أَهْل اللُّغَة وَغَيْرهمْ.

وَقَالَ كَثِيرُونَ مِنْهُمْ: هُوَ أَوَّل النِّتَاج كَانُوا يَذْبَحُونَهُ لآلِهَتِهِمْ، وَهِيَ طَوَاغِيتهمْ، وَكَذَا جَاءَ فِي هَذَا التَّفْسِير فِي صَحِيح الْبُخَارِيّ وَسُنَن أَبِي دَاوُدَ.

وَقِيلَ: هُوَ أَوَّل النِّتَاج لِمَنْ بَلَغَتْ إِبِله مِائَة يَذْبَحُونَهُ، وَقَالَ شَمِر: قَالَ أَبُو مَالِك: كَانَ الرَّجُل إِذَا بَلَغَتْ إِبِله مِائَة قَدَّمَ بِكْرًا فَنَحَرَهُ لِصَنَمِهِ، وَيُسَمُّونَهُ الْفَرَع"

وجاء في حديث آخر أن النبي صلى الله عليه وسلم أباح الفَرَع والعتيرة، فأخرج أبو داود والترمذي وغيرهما عَنْ عَامِرٍ أَبِي رَمْلَةَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مِخْنَفُ بْنُ سُلَيْمٍ قَالَ: وَنَحْنُ وُقُوفٌ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِعَرَفَاتٍ، قَالَ: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ عَلَى كُلِّ أَهْلِ بَيْتٍ فِي كُلِّ عَامٍ أُضْحِيَةً وَعَتِيرَةً. أَتَدْرُونَ مَا الْعَتِيرَةُ؟ هَذِهِ الَّتِي يَقُولُ النَّاسُ الرَّجَبِيَّةُ".

أخرجه أبو داود (2788)، وأحمد (20731)، والترمذي (1518) وقال: حسن غريب، والنسائي (4224)، وابن ماجه (3125)، والبيهقي في السنن (19128).

وأخرج أبو داود وغيره عن نُبَيْشَةَ (الهُذَلِي) قال: نَادَى رَجُلٌ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِنَّا كُنَّا نَعْتِرُ عَتِيرَةً فِي الْجَاهِلِيَّةِ فِي رَجَبٍ، فَمَا تَأْمُرُنَا؟ قَالَ: "اذْبَحُوا لِلَّهِ فِي أَيِّ شَهْرٍ كَانَ، وَبرُّوا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَأَطْعِمُوا" قَالَ: إِنَّا كُنَّا نُفْرِعُ فَرَعًا فِى الْجَاهِلِيَّةِ فَمَا تَأْمُرُنَا؟ قَالَ: "فِي كُلِّ سَائِمَةٍ فَرَعٌ تَغْذُوهُ مَاشِيَتُكَ حَتَّى إِذَا اسْتَحْمَلَ لِلْحَجِيجِ ذَبَحْتَهُ فَتَصَدَّقْتَ بِلَحْمِهِ". قَالَ خَالِدٌ أَحْسَبُهُ قَالَ: "عَلَى ابْنِ السَّبِيلِ فَإِنَّ ذَلِكَ خَيْرٌ". قَالَ خَالِدٌ: قُلْتُ لأَبِي قِلاَبَةَ: كَمِ السَّائِمَةُ؟ قَالَ: مِائَةٌ.

أخرجه أحمد (20742)، وأبو داود (2830)، والنسائي (4228)، وابن ماجه (3167)، وصححه الحاكم (7582)، والبيهقي (19122) قال النووي في شرح مسلم "رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْره بِأَسَانِيد صَحِيحَة".

فرأى بعض العلماء أن الفرع والعتيرة منسوختان، فقَالَ أَبُو دَاوُدَ عقب رواية حديث العتيرة: "الْعَتِيرَةُ مَنْسُوخَةٌ، هَذَا خَبَرٌ مَنْسُوخٌ".

ورأى بعضهم أنه لا نسخ، وجمعوا بين الأحاديث المانعة والمبيحة، وفي شرح المسألة وما صح فيها قال النووي في شرحه على مسلم:

"وَقَدْ صَحَّ الأَمْر بِالْعَتِيرَةِ وَالْفَرَع فِي هَذَا الْحَدِيث، وَجَاءَتْ بِهِ أَحَادِيث مِنْهَا: حَدِيث نُبَيْشَة رضي الله عنه" فذكر الحديث وصححه، ثم قال: "وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ الصَّحِيح عَنْ عَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا قَالَتْ: أَمَرَنَا رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم بِالْفَرَعَةِ مِنْ كُلّ خَمْسِينَ وَاحِدَة. وَفِي الرِّوَايَة: مِنْ كُلّ خَمْسِينَ شَاة شَاة" قَالَ اِبْن الْمُنْذِر: حَدِيث عَائِشَة صَحِيح.

وَفِي سُنَن أَبِي دَاوُدَ عَنْ عَمْرو بْن شُعَيْب عَنْ أَبِيهِ قَالَ الرَّاوِي: أَرَاهُ عَنْ جَدّه، قَالَ: سُئِلَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم عَنْ الْفَرَع قَالَ: "الْفَرَع حَقّ، وَأَنْ تَتْرُكُوهُ حَتَّى يَكُون بِكْرًا أَوْ اِبْن مَخَاض أَوْ اِبْن لَبُون فَتُعْطِيه أَرْمَلَة أَوْ تَحْمِل عَلَيْهِ فِي سَبِيل اللَّه خَيْر مِنْ أَنْ تَذْبَحهُ فَيَلْزَق لَحْمه بِوَبَرِهِ وَتَكْفَأ إِنَاءَك وَتُولِهِ نَاقَتك".

قَالَ أَبُو عُبَيْد فِي تَفْسِير هَذَا الْحَدِيث: قَالَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم: "الْفَرَع حَقّ" وَلَكِنَّهُمْ كَانُوا يَذْبَحُونَهُ حِين يُولَد، وَلا شِبَع فِيهِ، وَلِهَذَا قَالَ: "يَذْبَحهُ فَيَلْزَق لَحْمه بِوَبَرِهِ"، وَفِيهِ: أَنَّ ذَهَاب وَلَدهَا يَدْفَع لَبَنهَا، وَلِهَذَا قَالَ: "خَيْر مِنْ أَنْ تَكْفَأ" يَعْنِي إِذَا فَعَلْت ذَلِكَ فَكَأَنَّك كَفَأْت إِنَاءَك وَأَرَقْته، وَأَشَارَ بِهِ إِلَى ذَهَاب اللِّبن، وَفِيهِ: أَنْ يُفْجِعهَا بِوَلَدِهَا، وَلِهَذَا قَالَ: "وَتُولِهِ نَاقَتك".

فَأَشَارَ بِتَرْكِهِ حَتَّى يَكُون اِبْن مَخَاض، وَهُوَ اِبْن سَنَة، ثُمَّ يَذْهَب، وَقَدْ طَابَ لَحْمه، وَاسْتَمْتَعَ بِلَبَنِ أُمّه وَلا تَشُقّ عَلَيْهَا مُفَارَقَته، لأَنَّهُ اِسْتَغْنَى عَنْهَا. هَذَا كَلام أَبِي عُبَيْد.

وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ الْحَارِث بْن عُمَر قَالَ: أَتَيْت النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم بِعَرَفَاتٍ، أَوْ قَالَ: بِمِنًى، وَسَأَلَهُ رَجُل عَنْ الْعَتِيرَة فَقَالَ: "مَنْ شَاءَ عَتَرَ، وَمَنْ شَاءَ لَمْ يَعْتِر، وَمَنْ شَاءَ فَرَّعَ، وَمَنْ شَاءَ لَمْ يُفَرِّع".

وَعَنْ أَبِي رَزِين قَالَ: يَا رَسُول اللَّه إِنَّا كُنَّا نَذْبَح فِي الْجَاهِلِيَّة ذَبَائِح فِي رَجَب، فَنَأْكُل مِنْهَا وَنُطْعِم؟ فَقَالَ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "لا بَأْس بِذَلِكَ".

وَعَنْ أَبِي رَمْلَة عَنْ مُخْنِف بْن سُلَيْمٍ قَالَ: كُنَّا وُقُوفًا مَعَ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم بِعَرَفَاتٍ، فَسَمِعْته يَقُول: "يَا أَيّهَا النَّاس إِنَّ عَلَى أَهْل كُلّ بَيْت فِي كُلّ عَام أُضْحِيَّة وَعَتِيرَة، هَلْ تَدْرِون مَا الْعَتِيرَة؟ هِيَ الَّتِي تُسَمَّى الرَّجَبِيَّة". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرهمْ، قَالَ التِّرْمِذِيّ: حَدِيث حَسَن، وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: هَذَا الْحَدِيث ضَعِيف الْمَخْرَج؛ لأَنَّ أَبَا رَمْلَة مَجْهُول.

هَذَا مُخْتَصَر مَا جَاءَ مِنْ الأَحَادِيث فِي الْفَرَع وَالْعَتِيرَة.

قَالَ الشَّافِعِيّ رضي الله عنه: الْفَرَع شَيْء كَانَ أَهْل الْجَاهِلِيَّة يَطْلُبُونَ بِهِ الْبَرَكَة فِي أَمْوَالهمْ، فَكَانَ أَحَدهمْ يَذْبَح بِكْر نَاقَته أَوْ شَاته، فَلا يَغْذُوهُ رَجَاء الْبَرَكَة فِيمَا يَأْتِي بَعْده، فَسَأَلُوا النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم عَنْهُ فَقَالَ: "فَرِّعُوا إِنْ شِئْتُمْ" أَيْ اِذْبَحُوا إِنْ شِئْتُمْ. وَكَانُوا يَسْأَلُونَهُ عَمَّا كَانُوا يَصْنَعُونَهُ فِي الْجَاهِلِيَّة؛ خَوْفًا أَنْ يُكْرَه فِي الإِسْلام، فَأَعْلَمهُمْ أَنَّهُ لا كَرَاهَة عَلَيْهِمْ فِيهِ، وَأَمَرَهُمْ اِسْتِحْبَابًا أَنْ يُغْذُوهُ ثُمَّ يُحْمَل عَلَيْهِ فِي سَبِيل اللَّه.

قَالَ الشَّافِعِيّ: وَقَوْله صلى الله عليه وسلم: "الْفَرَع حَق" مَعْنَاهُ: لَيْسَ بِبَاطِلٍ، وَهُوَ كَلام عَرَبِيّ خَرَجَ عَلَى جَوَاب السَّائِل. قَالَ: وَقَوْله صلى الله عليه وسلم: "لا فَرَع وَلا عَتِيرَة" أَيْ لا فَرَع وَاجِب، وَلا عَتِيرَة وَاجِبَة.

قَالَ: وَالْحَدِيث الآخَر يَدُلّ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى، فَإِنَّهُ أَبَاحَ لَهُ الذَّبْح، وَاخْتَارَ لَهُ أَنْ يُعْطِيه أَرْمَلَة أَوْ يَحْمِل عَلَيْهِ فِي سَبِيل اللَّه.

قَالَ: وَقَوْله صلى الله عليه وسلم فِي الْعَتِيرَة: "اِذْبَحُوا لِلَّهِ فِي أَيّ شَهْر كَانَ" أَيْ اِذْبَحُوا إِنْ شِئْتُمْ، وَاجْعَلُوا الذَّبْح لِلَّهِ فِي أَيِّ شَهْر كَانَ، لا أَنَّهَا فِي رَجَب دُون غَيْره مِنْ الشُّهُور.

وَالصَّحِيح عِنْد أَصْحَابنَا وَهُوَ نَصّ الشَّافِعِيّ: اِسْتِحْبَاب الْفَرَع وَالْعَتِيرَة.

وَأَجَابُوا عَنْ حَدِيث: "لا فَرَع وَلَا عَتِيرَة" بِثَلاثَةِ أَوْجُه: أَحَدهَا: جَوَاب الشَّافِعِيّ السَّابِق أَنَّ الْمُرَاد نَفْي الْوُجُوب، وَالثَّانِي: أَنَّ الْمُرَاد نَفْي مَا كَانُوا يَذْبَحُونَ لأَصْنَامِهِمْ. وَالثَّالِث: أَنَّهُمَا لَيْسَا كَالأُضْحِيَّةِ فِي الاسْتِحْبَاب أَوْ فِي ثَوَاب إِرَاقَة الدَّم. فَأَمَّا تَفْرِقَة اللَّحْم عَلَى الْمَسَاكِين فَبِرّ وَصَدَقَة، وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيّ فِي سُنَن حَرْمَلَة أَنَّهَا إِنْ تَيَسَّرَتْ كُلّ شَهْر كَانَ حَسَنًا.

هَذَا تَلْخِيص حُكْمهَا فِي مَذْهَبنَا، وَادَّعَى الْقَاضِي عِيَاض أَنَّ جَمَاهِير الْعُلَمَاء عَلَى نَسْخ الأَمْر بِالْفَرَعِ وَالْعَتِيرَة. وَاللَّهُ أَعْلَم".

أما صيام الأشهر الثلاثة: "رجب وشعبان ورمضان" متواصلة فهو خلاف سنة النبي صلى الله عليه وسلم، الذي لم يكن يصوم شهرًا كاملاً غير شهر رمضان، فضلاً عن أن يصوم شهرين كاملين، فعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَصُومُ مِنَ السَّنَةِ شَهْرًا تَامًّا إِلاَّ شَعْبَانَ يَصِلُهُ بِرَمَضَانَ.

أخرجه أبو داود في كتاب: الصوم، باب: فيمن يصل شعبان برمضان (2336)، وإسناده صحيح، وأخرجه البيهقي 4/210.

وفي رواية الترمذي والنسائي: مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَصُومُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ إِلاَّ شَعْبَانَ وَرَمَضَانَ.

أخرجه الترمذي وحسنه في كتاب: الصوم، باب: ما جاء في وصال شعبان برمضان (736) والنسائي في كتاب: الصيام، باب: صوم النبي صلى الله عليه وسلم بأبي هو وأمي 4/200.

ومعنى قولها شهرًا تامًّا: أي معظم الشهر، فقد قالت عَائِشَةُ رضى الله عنها قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ لاَ يُفْطِرُ، وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ لاَ يَصُومُ. فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ إِلاَّ رَمَضَانَ، وَمَا رَأَيْتُهُ أَكْثَرَ صِيَامًا مِنْهُ فِى شَعْبَانَ.

وفي رواية: لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَصُومُ شَهْرًا أَكْثَرَ مِنْ شَعْبَانَ، فَإِنَّهُ كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ.

وفي مسلم: كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ، كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ إِلاَّ قَلِيلاً.أخرجه البخاري (1969-1970)، ومسلم (1156/175-176)، وأبو داود (2431)، والترمذي (737)، والنسائي 4/200.

قال الترمذي عقب رواية حديثي أم سلمة وعائشة رضي الله عنهما: "وروي عن ابن المبارك أنه قال في هذا الحديث: قال هو جائز في كلام العرب إذا صام أكثر الشهر أن يقال صام الشهر كله، ويقال: قام فلان ليله أجمع ولعله تعشى واشتغل ببعض أمره".

وعلى هذا فما يفعله بعض الناس من متابعة الصوم في رجب وشعبان ورمضان من غير فصل بإفطار بعض الأيام يعد مخالفًا لهدي النبي صلى الله عليه وسلم، والله أعلم.

أضف تعليقك