• الصلاة القادمة

    العشاء 17:29

 
news Image
منذ ثانية واحدة

وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم دين الإسلام فقال: "إن هذا الدين متين"

ويتبادر لكثيرين أن وصف "متين" معناه القاسي أو الشديد، وهذا ليس مقصودا وإنما المراد أنه محكم لا ثغرة فيه، ولا ينفذ إليه.

ومن مظاهر ذلك أن المسلم يجد القواعد الثابتة، والأصول الراسخة لكل ما يهمه من أمر دينه ودنياه، ومن ذلك ما يعرف بفقه النوازل، التي تعم الناس وتدهمهم كالجوائح والكوارث، والأوبئة العامة والطواعين.

حالة من الرعب:
مع إعلان منظمة الصحة العالمية وباء كورونا وباء عالميا أصبح حديث الناس وشَغَلهم عما سواه، ووضعته الدول في مقدمة أولوياتها، وتصدرت أخبار انتشاره وسائل الإعلام، وتم التركيز عليه بما سبب حالة من الرعب والهلع لم تحدث مع أي وباء سبقه، مع أنها أعظم منه خطرا، وأشد فتكا! ولعل من أسباب ذلك سطوة وسائل التواصل الاجتماعي، وسرعة انتقال الأخبار من خلالها من غير روية أو تمحيص.

لذا كان أول ما يجب على المرء فعله تجاه الوباء ألا يكون سببا في نشر الإشاعات وانتشارها، ويقف مليا عند قوله تعالى:

(وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ ۖ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ ۗ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا)

ومعناه: أن الأخبار المفرحة ناهيك عن المَخُوفَة لا ينبغي أن يتولى الأفراد إذاعتها، وإنما الشأن أن تُرد إلى أولي الأمر، وأهل الاستنباط والنظر، فهم الأقدر على تقدير المصلحة واختيار الوقت المناسب للنشر.

ومن دلائل النبوة التي لم تفارق مخيلتي منذ قدوم هذا الخطب، ما رواه ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"لم تظهر الفاحشة في قوم حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون، والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم"

وهذا يحتم صدق التوبة، والرجوع إلى الله والتضرع إليه، فهو وحده الذي يملك رفع البلاء، والهداية إلى أسباب الشفاء التي وقف العالم بكل ما يملك من وسائل التقدم عاجزا أمامها، وأمام كائن لا يُرى بالعين المجردة! هلا تدبرنا قوله تعالى: 

(وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَىٰ أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُم بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ)

قال الحافظ ابن كثير: البأساء الفقر وضيق العيش، والضراء الأمراض والأسقام.

فإذا نزل ذلك بالناس فليس لهم إلا الضراعة إلى الله

 (فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُم بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَٰكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)

ابتلاء المؤمن:
قال الإمام ابن القيم: إن الله يبتلي المؤمن ليسمع تضرعه.

شرع الإسلام الضراعة عند الملمات، وسن رسول الله صلى الله عليه وسلم عند النوازل القنوت في كل الصلوات، وإذا عم الجدب هرع الناس إلى صلاة الاستسقاء، وعند خسوف القمر أو كسوف الشمس يصلي الناس كذلك ويتضرعون، ومن عرف طريق الضراعة، أدركته الاستجابة لا محالة

(إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ).

جاء وباء كورونا ليقطع على الناس تعلقهم بالمادية البحتة، ونشوتهم المفرطة بالحياة الدنيا، حتى ظنوا أنهم قادرون عليها ! فإذا بأصغر المخلوقات وأضعف الفيروسات يُحول مسيرة الحياة، ويُغير برامج الأحياء، ويُظهر عجز الجميع بعدما كان فريق من المبهورين بالغرب يَردون كل شيء إلى أمريكا، وأنه لا يقع أمر على وجه الأرض إلا بتدبيرها، حتى أنفاس الناس تستطيع أن تُحصيها عليهم!

هتف كورونا بأهل الأرض، أنا قدر الله الذي لا يرد إلا بأمره، ولا يرفع إلا بعفوه ولطفه، فهل من مدكر؟

‏لذا كان الإيمان بالقدر الركن السادس من أركان الإيمان، ومن مقتضياته تسليم الأمر لله، واليقين بأن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وأن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، وأن القلم جرى بما هو كائن وجفت بذلك الصحف، ومن الإيمان بالقدر أيضا الأخذ بأسباب السلامة، واتباع إرشادات أهل الخبرة، وقصة عمر بن الخطاب مع طاعون الشام قانون في ذلك، حيث امتنع عن دخول الأرض الموبوءة، ولما اعترض عليه أبو عبيدة بن الجراح: "أتفر من قدر الله يا أمير المؤمنين؟" أجابه: "أفر من قدر الله إلى قدر الله". أي أن المرض وقع بقدر الله، والاحتراز منه والأخذ بأسباب العافية من قدر الله كذلك، ثم روى لهم عبد الرحمن بن عوف كلمة الفصل من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا سَمِعْتُمْ بِالطاعون بِأَرْضٍ فَلَا تَقْدَمُوا عَلَيْهِ، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلَا تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْه". وهو ما عُرف بعد ذلك بقانون الحجر الصحي.

لكن فقدان هذا التوازن الذي قدمه الإسلام أظهر رقة في الدين، وقلة في اليقين، جعلت الرعب هو الشعور المسيطر وكأنها نهاية العالم، مع أن الأطباء ذكروا أن حالات الوفاة بالأنفلونزا العادية أضعاف من ماتوا بالكورونا حتى الآن!

في التعامل مع الوباء:
وكثيرا ما سمعنا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم" إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها" فهل حالنا مع الكورونا يدل على أننا سنغرس الفسيلة؟

علينا أن نطبق وسطية الإسلام في التعامل مع هذا الوباء فلا تهويل لأمره، ولا تهوين من شأنه، ولنجعل منه فرصة لزيادة الإيمان بأن الضار والنافع هو الله وحده، ولا يقع في ملكه شيء إلا بإذنه، وأن الإنسان خَلْقٌ ضعيف من خلقه تكلؤه عنايته وحفظه، وأن أعتى المتكبرين أخافهم فيروس لا تراه أعينهم لكن يرون أثر فتكه! ولا يغيب عنا أن الله ما وضع من داء إلا وضع له الدواء فلنسأل الله من فضله، ‎فإنه بكل جميل كفيل، وأنه لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولانا وعلى الله فليتوكل المؤمنون.

أضف تعليقك