• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
منذ ثانية واحدة

بقلم: قطب العربي

عادة تكون الأزمات فرصة لنسيان الخلافات بين أبناء الوطن الواحد، وتدفعهم للاصطفاف معا ضد الخطر الذي يهددهم جميعا، وتوحيد الجهود للخروج من الأزمة بأقل الخسائر، وإظهار روح التضامن والتكافل بين الناس، حدث ذلك في مصر مرات كثيرة من قبل، وفي تاريخنا المعاصر حدث في فترات الحروب ضد العدو الصهيوني في الأعوام 1948، و1956، و1967، و1973، كما حدث في الأزمات والكوراث الطبيعية مثل زلزال 1992، وكوارث السيول المتكررة.

من المفترض أن تكون أزمة الكورونا الحالية محطة فارقة في إعادة اللحمة للمصريين الذين فرقهم الانقلاب العسكري منذ 3 يوليو 2013، الذي قسمهم إلى شعبين، وغنى مغنيه "انتو شعب وإحنا شعب ليكو رب ولينا رب"، ومنذ ذلك التاريخ يحرص السيسي على مخاطبة شعبه فقط دون بقية المصريين، معتبرا من يخاطبهم هم فقط المصريين أما غيرهم فهم الأشرار، رغم أن هؤلاء "الأشرار" يمثلون نصف المصريين على الأقل وفقا لنتائج الانتخابات النزيهة!!.

نقطة البداية:
على غير موعد اجتاح وباء الكورونا العالم، وحط رحاله في مصر كما في غيرها من الدول، وحصد أرواح عشرات المصريين، لم يفرق بين موال ومعارض، ولا بين كبير أو صغير، ولا بين المهتمين بالشأن العام أو أتباع حزب الكنبة، والحال كذلك فإن من الممكن تحويل تلك المحنة إلى منحة، أو على الأقل تحقيق بعض المكاسب منها وأهمها إعادة اللحمة إلى الشعب المصري.

نقطة البداية هي الابتعاد عن تسيس الكارثة، والتفرقة بين الموقف من النظام الحاكم (بأذرعه وأبواقه) الذي يظل لكل فئة حقها في اتخاذ ما تراه صحيحا من مواقف تجاهه، وبين عموم الشعب الذي انقسم في لحظة تاريخية إلى قسمين، بغض النظر عن الحجم النسبي لكل قسم، وأول الخطوات هي ان يدرك هذا الشعب بكل أطيافه وفئاته مصلحته هو وليس مصلحة حفنة تحكمه، ومصلحته الآن هي التكافل والتعاضد معا للخروج من هذه الكارثة التي حلت به، وتهدد بحصد أرواحه.

في فقه الأولويات حسبما يرى الفقهاء المختصون ينبغي وضع كل شيء في مكانه الصحيح فلا يقدم ما حقه التأخير ولا يؤخر ما حقه التقديم، ولا يصغر الكبير ولا يكبر الصغير، وينبغي البدء بالأهم قبل المهم، وبالعاجل قبل الآجل، وبالراجح قبل المرجوح، وحين نطبق هذه القواعد على العمل السياسي فإننا سنجد قضايا لا يصلح معها التأجيل، وهي في الوقت نفسه "عامة" أي  تهم الشعب كله بمختلف طوائفه، فلا يصح أن تقدم عليها قضايا تخص فريقا مهما كان الحق الذي يحوطها، وهذا يعني أن المعركة مع الاستبداد بشكل عام هي معركة ممتدة لن تنتهي بين عشية وضحاها، بينما معركة الكورونا معركة عاجلة لا يصلح التباطؤ والتأخير فيها، ولذا فإن واجب القوى المناهصة للنظام حاليا ان تعيد النظر في مسارها، بحيث تكون قضيتها الأولى في هذا الوقت هي مواجهة كورونا مع عموم الشعب، حتى تنتهي هذه الكارثة.

هذا يعني مباشرة تجنب الخلافات، وتجاوز حالة الاستقطاب القائمة منذ سنوات، والعمل كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى، فهل تجاوز المصريون خلافاتهم واستقطاباتهم السابقة؟ للأسف الشديد الواقع لا يزال مريرا، لا نستطيع التعميم بطبيعة الحال، فهناك من يعلي روح الأخوة والتضامن والتكافل، وهناك من لا يزال يعيش في أسر الماضي، ويبدي روح الشماتة، بل يحرص على التنقيب في الصفحات ليأتي منها بما يعينه على هذه الشماتة.

حين وقعت الكارثة:
هذا السلوك غير انساني لا يقتصر على فريق دون آخر، ولا يقتصر على عوام المواطنين بل إن النظام الحاكم كان هو السباق إليه، فهو حريص دوما على الإبقاء على حالة الانقسام المجتمعي التي يعتاش عليها، ولذلك فحين وقعت كارثة الكورونا، ورغم أنها ليست من صنع النظام، إلا أنه حرص على التعتيم عليها حتى لا يعطي فرصة لخصومه السياسيين الذين يصنفهم جميعا في خانة "الإخوان" للشماتة فيه، أو لإبراز فشله في المواجهة، وكانت نتيجة هذا السلوك هي استشراء المرض وحصد ارواح كثيرة، وهذا ما فتح الباب لانتشار الشائعات (بعضها صحيح وبعضها خاطئ)، بل إن بعض هذه الشائعات كان من صنع النظام ذاته مثل فبركة بيان كاذب ونسبته إلى مكتب إرشاد الإخوان يدعو الناس لعدم طاعة التعليمات القاضية بالبقاء في البيوت، رغم ان البيانات الرسمية للجماعة دعت للبقاء والصلاة في البيوت والإلتزام بكل التدابير الصحية المطلوبة.

الدائرة الحلزونية:
يشمت البعض في وفاة مريض بالكورونا بدعوى أنه ناصر الانقلاب، وفي اليوم التالي يكتب هذا البعض عن صديق له (لهم) من أنصار الشرعية أصيب بالمرض ذاته طالبا له الشفاء، فيشمت أنصار النظام في هذا المصاب، ويطالب الأطباء المعتقلون بإطلاق سراحهم مؤقتا للمشاركة في مواجهة الوباء فيرد أنصار النظام بل نريدكم في السجون، ولا نريد مساعدتكم، وهكذا ندور في دائرة حلزونية من الشماتة والشماتة المضادة، وهو ما يسعد صناع الفتنة، الذين يحرصون على بقاء هذه الروح لأطول فترة ممكنة.

كارثة الكورونا وفقا للتقديرات العلمية ستستغرق بعض الوقت، وهذا يقتضي المزيد من التعاون في مواجهتها، لتخفيف أثارها، وإذا كان الإنقسام المجتمعي هو الذي يطيل عمر الطغيان والاستبداد، فإنه أيضا سيطيل عمر الكورونا، ولذلك فلا مفر أمام المصريين من الوحدة في مواجهة هذا الوباء، وإعلاء قيمهم الدينية والإنسانية في مواجهة روح التنمر والشمااتة والاستقطاب، لعل الله يزيح هذا الغم.

أضف تعليقك