بقلم.. محمد عبد الشكور
إزاء عجزه عن علاج مرضى فيروس كورونا فإن النظام المصري يداويهم بالصدقة! فقد أرسل شحنة طبية لإيطاليا قيمتها مليون و200 ألف كمامة بمواصفات خاصة لمساعدتها على الخروج من الأزمة، ولأن الدول العاجزة عن ملاحقة التطور والعلم ليس أمامها ما تفعله تجاه هذا الوباء الذي سبّبه فيروس كورونا، فقد لجأت للاستغلال السياسي والمادي للكارثة، فقضية مقتل الشاب الإيطالي "جوليو روجيني" ما زالت مفتوحة والنظام يريد تقديم السبت لإيطاليا حتى لا تنساه في يوم الأحد، وعلل الإعلامي عمرو أديب أمر ارسال الشحنات الطبية إلى إيطاليا بأن مصر تزكي عن صحتها وعافيتها. وكأنه كتب علينا أن ندفع دية "روجيني" عشرات المرات.
ففي الوقت الذي يعاني فيه المصريون من أجل الحصول على تلك الكمامات أو حتى أقل منها في الجودة - وحتى لو وجدت فبأسعار مرتفعة- نراه يستغل الموقف سياسيا مع إيطاليا ويرسل إليها شحنة تالية من المساعدات الطبية كما فعل من قبل مع الصين، حيث أرسل لها شحنات طبية مع وزيرة الصحة الدكتورة هالة زايد.
ونحن لا نرفض مبدأ المساعدات الانسانية، ولكن نحن لسنا دولة غنية، وأيضا لا نمتلك مخزونا كبيرا في المستلزمات الطبية التي نستورد معظمها من الخارج، فعندنا مستشفيات في حاجة ماسة لمستلزمات طبية وأخرى تحت الحجر الطبي، وكما يقول المثل المصري "ما يحتاجه البيت يحرم على الجامع"، وهذا من فقه الأولويات والاحتياجات، وقد أصيب العشرات من الأطباء وهيئة التمريض بالفيروس نتيجة عدم توافر مستلزمات الوقاية في المستشفيات كما حدث في المعهد القومي للأورام على سبيل المثال حيث كان رؤساء الأقسام يقومون بشراء الكمامات والمسكات وغيرها من أدوات التعقيم على حسابهم الخاص لتوزيعها على الأطباء والتمريض ولم تمنع هذه الاجراءات التي قاموا بها بمبادرات فردية من إصابة العديد منهم وإعلاق المعهد .
بطولات وهمية
وجاءت المتاجرة السياسية أيضا في استغلال وفاة بعض القيادات؛ بسبب مرضهم بفيروس كورونا، حيث صورت الدعاية من خلال اللجان الإلكترونية أنهم توفوا أثناء مواجهتهم للفيروس، ولم يقل لنا أحد مكان المواجهة، ولا وقتها، ولا نتيجتها، ونسوا أن الكل معرض للوباء مهما كانت رتبته، ومهما كان وضعه الاجتماعي، وهذا شيء يخضع لإرادة الله وليس لإرادة البشر، ولكن جاء الأمر لاصطناع بطولات وهمية غير حقيقية، ليس هذا وقتها، ولكن الوقت الآن للتضحية والإيثار وليس للمتاجرة.
وحسب المتوالية العددية لو استمر الأمر بمثل تلك الزيادة، فقد تصل الأعداد لملايين الناس على مستوى العالم، وعندنا نجد أن هناك تخبطا شديدا وعدم شفافية جعلت الناس في هلع وذعر، ولم تصدر الحكومة أي قرارات تخفف عن كاهل المواطنين سوى مجموعة قرارات لصالح رجال الأعمال ومصانعهم، وفيما يخص المواطن البسيط فإن المنح لا تسمن ولا تغني من جوع.
الوزير المقاول
ولأن الاستغلال ممنهج حاليا فقد قام أحد الأحزاب بعد مطالبات على وسائل التواصل الاجتماعي تتساءل عن دوره، وهو من كان يوزع الكراتين على المواطنين أثناء انتخابات الجنرال، حيث ظهر أعضاء الحزب وهم يوزعون الكمامات والمعقمات ولكن في مصر الجديدة والتجمع، وهي مناطق تعتبر من أرقى الأماكن السكنية في القاهرة، المهم أن تنشر الصور متناسيا الأحياء الفقيرة التي تستحق فعلا المساعدة والتوعية، ولكن يظهر أن الغرض هنا لم يكن المساعدة ولكن الاستغلال.
ولأن الحاجة باتت ملحة أكثر لدى القوم في استكمال إنشاءات العاصمة الإدارية الخاصة بهم، والهروب إليها بعيدا عن الشعب، ففي ظل تلك الأزمة التي يحذر منها العالم كله خرج الدكتور عاصم الجزار، وزير الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية، ليتحدث عن واجهات أبراج العاصمة الإدارية الجديدة، وأنها عبارة عن واجهات معدنية تم استيرادها من الصين، ليزف إلينا البشرى وهي أن مصر لديها خبرات عديدة في مجال بناء الأبراج، وعلى استعداد لنقل خبرتها لكافة دول العالم، وبالفعل بعض الدول طلبت ذلك كما يبشرنا، ولم يتحدث عن بناء المستشفيات أو المعامل أو حتى المستشفيات الميدانية، أو مراكز الأبحاث في دولة عندها عجز كبير في القطاع الطبي من حيث عدد المستشفيات والأسرة، وخاصة أماكن العناية المركزة التي نحن في أمس الحاجة إليها الآن، ولكن الرجل يعمل مقاولا يروج لمشاريعه حتى لو كانت هناك كارثة، فهو يخاطب فئة معينة "والحي أبقى من الميت".
تحميل الشعب المسؤولية
ورغم أن الحكومة رصدت 100 مليار جنيه لمواجهة تداعيات كورونا لم نجد جنيها خصص لفقير، أو محتاج، أو عمّال اليومية، أو حتى بناء مستشفى أو تجهيز غرف عناية مركزة؛ لأن وزارة الصحة تتعامل بمنطق "عملنا اللي علينا والباقي على ربنا"، رغم أن التقارير الطبية والأبحاث العالمية تحذر أن القادم ربما يكون هو الأسوأ، وجميع الدول تسابق الزمن في تجهيز نفسها طبيا وعلميا، وبناء وتجهيز مستشفيات ميدانية، وقد وضعت مصانعها في حالة طوارئ لإنتاج المعدات الطبية، ولكن وزيرة الصحة سبقت الأحداث، وغسلت يدها من الأمر، وبشرتنا بأن وصول حالات المصابين لرقم ألف يصعب متابعته.
الإعلام وتصريحات المسؤولين يجعلانك تتأكد أن هناك نية لتحميل الشعب المسؤولية لو خرج الأمر عن السيطرة -لا قدر الله- وتكون الردود لقد حذرناكم من الخروج، وطالبناكم بالمكوث في المنازل، وأشهد الله أن الشعب خائف ومذعور، والشوارع شبه خالية، وقام معظم أفراد الشعب بعمل حظر لأنفسهم، ولكنهم تناسوا أن الدول المحترمة قدمت لمواطنيها حزمة مساعدات مادية وإعفاءات من الفواتير وإجازات مدفوعة، ونحن لم نقدم سوى الكلام الذي لن يطعم أسرة أو محتاجا أو شابا خرج لكي يوفر قوت يومه له ولأسرته.
ولأن المكايدة السياسية كان لابد منها فلم ينس القوم وضع الإخوان في أكثر من جملة مفيدة، أهمها نشر بيان مفبرك للجماعة يدعو لنشر المرض في التجمعات واستغلال الوباء، كما اتهموها بأنها وراء خروج الناس في محافظة الإسكندرية بالدعاء في الشوارع.
وتم استخدام هذه التظاهرة لتطبيق حظر التجول، ووقف المواصلات العامة، بالرغم من أن الجميع طالب به منذ بداية انتشار الوباء، خاصة حظر استقبال السياح، ولكن مُتَّخِذ القرار جلب أفواجا من السياح الصينيين في الوقت التي منعت كل دول العالم التعامل مع الصين منذ ظهور الوباء، ولم يطبق المنهج الإسلامي الذي ينص على العزل فى حالة الأوبئة، ولم يراع فيها ظروف المواطنين ولا تقديم مساعدات لهم، وتطبيق هذا القرار يعني زحاما شديدا في النهار أكثر من قبل لتكون دائما قرارات متأخرة تحت ضغط وسائل التواصل الاجتماعي.
ومن الاستغلال السياسي لوباء الكورونا ما ذكره الإعلامي أحمد موسي أن الإخوان في قطر وتركيا يريدون العودة ويطالبوا بطائرات لكي يعودوا إلى مصر وهذا غير حقيقي، ولكن الحقيقة أن دولة قطر استأجرت طائرات أسبانية لعودة بعض المصريين الذين تقطعت بهم السبل فيها ورفضت السلطات المصرية استقبال هذه الطائرات ، وحتى من عاد من دول أخرى طالبته الدولة بتوقيع إقرار لدفع مصاريف الإقامة في الفنادق فترة الحجر الصحي
أضف تعليقك