• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
منذ ثانية واحدة

بقلم علي أبو هميلة 

يصر النظام في مصر على استمراره في مسلسل طويل من الكذب؛ فقد خرجت رئاسة الوزراء لتعلن أنه لا توجد إصابات في مستشفى قصر العيني الفرنساوي وأن المكان قد تحول إلى مستشفى عزل لمصابي كورونا من العاملين في جامعة القاهرة

كانت المفاجأة بعد توالي الأخبار التي نفتها الحكومة، أن خرجت عميد قصر العيني "هالة صلاح الدين" لتعلن إصابة ١٧ من العاملين بالقصر بالكورونا على الهواء مباشرة مؤكدة أنه بجري عمل مسح وتحليل لعدد كبير من العاملين فيه يصل إلى ٢٢٠ حالة.

بعيداً عن أعداد المصابين فعليا التي أوردها مسؤولون حكوميون مصريون، والتي تراوحت ما بين ١٧ حالة و١٩ أو ٢٢ حالة حتى كتابة هذا المقال فإن ما نواجهه حاليا في مصر هي هذه الحالة من الإنكار التي تتلبس الحكومة وكل مسؤوليها عندما تتناثر أخبار عن كارثة ما أو تتناول الأخبار تقصيرا في أداء الحكومة، بداية من إنكار الوباء نفسه حتى إنكار الإصابات المتتالية في الأطقم الطبية.

صرخات هيئة تمريض الفيوم
بينما يعلن مسؤولو محافظة الفيوم عدم وجود إصابات في هيئة التمريض بمستشفى الفيوم العام تأتي صرخات المعزولين في المدينة الجامعية من هيئة التمريض لتكشف كذب محافظ الفيوم ووكيل وزارة الصحة ومدير المستشفى ولتفضح الاهمال بل وتعمده،  فهؤلاء تعودوا على نهج النظام والحكومة في الكذب والإنكار.  

لكن أخطر ما كشفه الفيديو من داخل العزل الصحي أنه لا خدمات صحية موجودة ولا وسائل حماية، حتى أدوات التنظيف غائبة عن المكان فالمياه مقطوعة وهناك اختلاط بين الحالات الإيجابية والحالات السلبية، ما قد يؤدي إلى كارثة بين هؤلاء المعزولين.

أزمة الأطقم الطبية 
رغم إعلان وزيرة الصحة منذ أكثر من أسبوعين أن عدد المصابين من الأطقم الطبية قد وصل إلى ٣٠٪ من عدد المصابين في مصر فإن تعامل النظام مع هذه الكارثة لم يكن على مستوى أية إدارة حقيقية للأزمة الكبيرة التي تمر بها  وزارة الصحة المصرية

توالت الإصابات في الأطقم الطبية التي هي حائط الصد الأول في مواجهة هذا الوباء، فمتى نستطيع أن نفكر بشكل يجعل خسائرنا من المرض الذي يجتاح العالم معقولة حتى لا تنفجر الأمور في مصر؟

لقد دعا كثير من المصريين العقلاء إلى تشكيل لجنة من المتخصصين في كافة المجالات لتدير الأزمة لكي تستطيع مصر النجاة مما هو متوقع من خسائر، وخاصة مع تزايد المعدلات بشكل كبير حتى حسب بيانات الحكومة التي يشكك فيها الكثيرون.

النظام لا يسمع لايري لا يتحرك
لكن يبدو أن النظام اتخذ قراره بأن التمثيل هو الأداء الغالب، وليس أدل على ذلك من هذا المشهد التمثيلي الذي أداه السيسي حينما ظهر قريبا من أحد الكباري التي يتم العمل بها ليوزع كمامات على عمال بناء هذا الكوبري. وبعيدا عن عدم جدوى هذه الكمامات مع هؤلاء الذين يعملون في الشمس ويتعاملون مع الرمال و التراب والعرق لم ينتبه مخرج المشهد إلى أن السيسي وحرسه ورجاله من دون كمامات أيضا.

لم ينتبه السيسي ورجاله أيضا إلى أن الغالبية من المصريين لا يجدون هذه الكمامات، حتى الأطقم الطبية في مستشفيات العزل محرومة من كل أدوات الحماية التي تحتاجها هذه المستشفيات.

لم يسمع النظام في بيانات المعارضة المصرية الدعوات للجنة إدارة الأزمة أو اخلاء سبيل الاطباء المحبوسين في قضايا سياسية أو المصالحة الوطنية اللازمة لمواجهة خطر مثل الكورونا فالنظام يتحرك وفق نظرية إذا نجونا فهو دعاء السيسي وان هلكنا فهو إهمال الشعب

من يتحمل المسؤولية
يسعى النظام في مصر وإعلامه لتوصيل رسالة مفادها أن الشعب بنزوله وتجمعاته وإهماله سيكون السبب الرئيسي فيما سيحدث في مصر من انفجار في الإصابات أو الوفيات؛ فيتم التركيز على نزول الشعب للأسواق وازدحامها أو إقامة الأفراح والعزاء بين المصريين. رغم أن النظام نفسه قام مثلا بعمل جنازة شعبية للضابط الذي استشهد الأسبوع الماضي في موقعة الأميرية.

هذا النظام نفسه أقام حفلا ساهرا تحت سفح الهرم منذ يومين. بل إنه النظام الذي يسمح الآن للآلاف من الأثرياء باللهو على شواطئ الساحل الشمالي وشرم الشيخ. لكنه التمييز المستشري في أنحاء المحروسة بين الطبقات.

أما هؤلاء الذين يسعون إلى لقمة العيش، والذين يمثلون أكثر من ٤٠٪ من الشعب المصري، فهم جناة وهم السبب الرئيسي إذا حدثت الكارثة، بينما هم لا يستطيعون المكوث في منازلهم أسبوعا واحدا، لأنهم حينها لن يجدوا قوت يومهم، ولم تستطع الحكومة أن تجد لهم ما يطمئنهم علي غدهم، فماذا يفعل الصناع والباعة والحرفيون من كل الطوائف؟

هل اتخذت الحكومة قرارات اجتماعية من أجلهم؟  سؤال لن يجد إجابة ولن يجد حلا فالحكومة اتخذت قرارات لصالح رجال الأعمال والثروات في مصر وتركت الإعلام ينهش جسد الفقراء.

نعم توجد مسؤولية على هؤلاء لأنهم استسلموا طويلا لجهلهم وعدم الوعي، ولم يحافظوا على دستورهم الذي وضع نسبة عالية من الموازنة تخصص للصرف على التعليم والصحة.

نعم لم يحافظوا على ثورتهم واستسلموا لدعايات كاذبة أطلقها النظام. ولكن الجميع يتحمل المسؤولية ليس هؤلاء لجهلهم وفقرهم وعدم وعيهم فقط، لكن الساسة الذين استسلموا أيضا يتحملون المسؤولية وكذلك المثقفون والفنانون الذين بحثوا عن وسيلة للدخول إلى حظيرة السلطة وأيضا المدرسين والنخبة.

الجميع يتحمل المسؤولية لويس فقط من نسميهم ملح الأرض "الفقراء" الذين تم تجهيلهم عن عمد من قبل حكومات على مدى أزمنه طويلة.

سكة السلامة
الآن الجميع يقف في انتظار أن يلطف بنا الله وأن يرحمنا، كما قال نجيب محفوظ: إذا نجونا فهي الرحمة وإذا هلكنا فإنه العدل.

لكن هل ننتظر أم نسعى حتى نستحق هذه الرحمة من الله؟ يبدو أننا ننتظر ولا نتحرك من أجل أن ننال رحمة الله تلك الرحمة التي ربما ننالها حين نعترف جميعا بالخطايا، حينما نكون جميعا جنودا في رفع الظلم القائم، حينما نواجه هذا النظام الذي يدير الازمة بالدعاء وإخفاء الحقائق.

إن البحث عن سكة السلامة مطلوب لمواجهة ما هو قادم. وسكة السلامة كما أعتقد في الاعتراف بالتقصير والذنب والسعي لتصحيح الأوضاع. ساعتها نأمل جميعا في رحمة الله بنا.

أضف تعليقك