• الصلاة القادمة

    العصر 13:46

 
news Image
منذ ثانيتين

أقدم اللواء المتقاعد الليبي خليفة حفتر على خطوة سياسية خطيرة عقب هزيمته العسكرية الأخيرة في جنوب ليبيا وفشل خطته لاقتحام طرابلس، ستكون لها تداعيات على تصعيد الصراع في ليبيا، وربما تضر بخطط مصر لإحلال السلام في ليبيا.

حيث أعلن خليفة حفتر، أمس الإثنين 27 أبريل 2020م، في كلمة مرئية أُذِيعت وقت الإفطار، تنصيب نفسه، مع القيادة العامة لجيشه، على رأس قيادة البلاد بعد قبوله ما اسماه "تفويض" الشعب له.

كما أعلن إسقاط الاتفاق السياسي المعترف به دوليًا (اتفاق الصخيرات)، الذي كان "خارطة طريق" لتقسيم السلطة بين شرق وجنوب ليبيا، وذلك دون الاستناد إلى أي شرعية معترف بها داخلياً ودولياً، أو موافقة الطرف الآخر، أو برلمان طبرق الموالي لحفتر.

سخرية ودعم داخلي

على المستوى المحلي، أثار خطاب خليفة حفتر الذي يعني أنه سيمسك زمام السلطة في البلاد ردود فعل متضاربة، حيث ظهرت سخرية واسعة من قبل الليبيين على منصات التواصل الاجتماعي، خاصة من جانب معارضي حفتر.

بالمقابل، تداول ناشطون من المدن الداعمة لحفتر مقاطع فيديو لعدد من المتظاهرين في المدن التي يسيطر عليها حفتر خرجوا للإعلان عن دعمهم لتفويض حفتر لقيادة البلاد.

فعقب خطابه الذي أثار الجدل، دشن معارضون له هاشتاجاً بعنوان "لا لتفويض مجرم الحرب حفتر"، وبالمقابل دشن مؤيدوه هاشتاجاً بعنوان "نعم لتفويض القوات المسلحة لقيادة البلاد".

وقال محللون ليبيون: إن خطوة حفتر جاءت رداً على هزيمته العسكرية الأخيرة في جنوب ليبيا وفشله في دخول طرابلس.

فمن الواضح أن قرار حفتر هو رد على هزيمة قواته الأخيرة في غرب ليبيا (خسر 7 مدن في يوم واحد وتحاصر قاعدته "الوطية" ومدينة "ترهونة حيث بقايا قواته)، كما أنه رد على انسحاب مقاتلي الزنتان والرجبان (الذين كانوا يدعمون حفتر) من قاعدة الوطية، لذلك فضَّل حفتر المضي نحو إلغاء الحكومة المؤقتة شرق ليبيا وبرلمان طبرق، وتشكيل حكومة عسكرية تسيير أعمال تحت قيادته شخصياً.

كانت الغرف المشتركة لمكونات الزنتان، وعلى الرغم من انقسامها داخلياً بين مؤيد ومعارض لحفتر، أصدرت، مساء السبت 25 أبريل، بياناً رفضت فيه تفويض خليفة حفتر حاكماً عسكرياً لليبيا، ووصف البيان خليفة حفتر بالمتمرد الخارج على الشرعية.

أما الأخطر فهو أن قرارات حفتر التي تعد انقلاباً على الوضع السياسي الحالي، ربما تغضب بشكل أكبر داعميه وخصوصاً برلمان طبرق، الذي التزم الصمت حتى الآن.

حيث يتردد أن هناك خلافاً دبَّ بين رئيس البرلمان المستشار عقيلة صالح، واللواء المتقاعد حفتر، حول قرار الأخير إعلان تفويض الشعب له وحكمه للبلاد، وهو ما اعتبره صالح انقلاباً على البرلمان في طبرق وإنهاء لوجوده؛ لهذا يتردد أن صالحاً رفض قرارات حفتر ولن يعترف بها؛ ما يزيد من تعميق الخلافات بين القوى التي تحكم شرق ليبيا وتسعى للسيطرة على طرابلس وكل البلاد.

صمت مصري

يعد الموقف المصري من قرار حفتر هو الأهم؛ بالنظر لأن القاهرة تعتبر حفتر هو الأنسب لقيادة ليبيا، باعتباره قائداً عسكرياً يتفهم مكونات الداخل، وقادراً على مواجهة القوى الأخرى التي تحكم طرابلس ومدن جنوب ليبيا، وبينها قوى وتيارات تعتبرها مصر وحفتر "إرهابية".

فأكثر ما يقلق مصر هو أن قرارات حفتر وتنصيب نفسه حاكماً عسكرياً لليبيا وحله الحكومة والبرلمان المؤيدين له، ربما تكون لها تداعيات سلبية على توحد القوى التي تدعمها مصر في شرق ليبيا وتأمل أن تسير على كافة أرجاء ليبيا.

بعبارة أخرى، تخشى مصر من اندلاع صراعات بين هذه القوى، وتحديداً جيش حفتر وبرلمان طبرق، ما قد يفتت القوى التي تعول عليها مصر للسيطرة على كل ليبيا وانتزاع طرابلس وما حولها من حكم "المليشيات" المختلفة (بعضها إسلامية وبعضها ينتمي لتيار ثورة فبراير التي تنتمي للربيع العربي وبعضها قبلي).

فالقاهرة دعمت برلمان طبرق بقيادة عقيلة صالح؛ لأنها ترى أنه يشكل غطاء شرعياً لحفتر، ولكن حفتر انتزع هذا الغطاء الآن، وبات البرلمان محلولاً في عرف قرارات حفتر الأخيرة؛ ما يعني أن اللعب بات على المكشوف، وهو ما يهدد خطوات القاهرة الهادئة بدعم حفتر ودعم غطائه السياسي أملاً في سيطرتهم على كل ليبيا لاحقاً.

القاهرة بذلك ربما تتحرج مما فعله حفتر أمام العالم؛ لأن حفتر صدر للعالم صورة واحدة؛ وهي صورة القائد العسكري الذي يرغب في الحكم والسيطرة على كل ليبيا بالقوة، ولا يقبل بأي اتفاقيات سياسية، بدليل أنه خرق اتفاق دولي (الصخيرات) ومزقه وأعلن عدم اعترافه به.

ومن هنا تأتي أضرار قرارات حفتر الأخيرة على مصر، خصوصاً أن المرحلة المقبلة على هذه القرارات ستعني تصعيداً عسكرياً خطيراً، وبما مخاوف من خسارة حفتر مناطق سيطرته في الشرق، في ظل هزائمه العسكرية من جهة، وغضب بعض مكونات مناطق سيطرته على قراراته؛ ما قد ينقل الحرب إلى شرق ليبيا حيث الحدود مع مصر التي ظلت تحاول منع تسلل أي إرهابيين عبر حدودها بضمان وجود قوى متحالفة مع القاهرة، تسيطر على الشرق الليبي.

أمريكا ترفض

ما يزيد إحراج حفتر للقاهرة أيضاً أن غالبية دول العالم أعلنت رفضها لانقلابه على اتفاق الصخيرات السياسي الذي كان يشكل أساساً للبناء عليه للاستقرار في ليبيا، وخاصة واشنطن التي ترتبط معها القاهرة بعلاقات إستراتيجية.

فقد أعربت الولايات المتحدة الأمريكية عن أسفها لانقلاب خليفة حفتر، وقالت السفارة الأمريكية لدى ليبيا، في بيان مساء أمس الإثنين: إن حفتر أعلن تغييرات في الهيكل السياسي الليبي وفرضها من خلال إعلان أحادي الجانب.

وفي الوقت ذاته، رحّبت السفارة بأي فرصة لإشراك حفتر وجميع الأطراف في حوار جاد حول كيفية حلحلة الأزمة وإحراز تقدّم في البلاد، وحثت قوات حفتر على الانضمام إلى حكومة الوفاق الوطني في إعلان وقف فوري للأعمال العدائية لدواعٍ إنسانية لمواجهة فيروس كورونا.

ووفقاً لهذا، يمكن رسم سيناريوهين للمستقبل من واقع قراءة ما يجري على الأرض على النحو التالي:

الأول: سعي خليفة حفتر بدعم عسكري مباشر من مصر وشركات مرتزقة روسية لفرض أمر واقع، ومحاولة توسيع سيطرته واحتلال طرابلس العاصمة، وإجراء انتخابات ليعلن بعدها توليه رئاسة ليبيا شرعياً بدلاً من فكرة التفويض وتنصيب نفسه، وسيكون ذلك غالباً بتنسيق مع الغرب.

الثاني: هو سيناريو بقاء الصراع كما هو دون حسم؛ بسبب تداخل قوى إقليمية ودولية (أوروبا وروسيا وأمريكا) في الصراع عبر دعم أطراف مختلفة، فضلاً عن دخول مرتزقة أجانب من أفريقيا (دارفور وروسيا) في الصراع لصالح حفتر.

ويشجع هذا السيناريو تشعب الخريطة السياسية وخريطة القوى المسلحة وانتشار السلاح في ليبيا بصورة وبائية، وتجذر الصراع بين الأطراف المتصارعة بين قوى الثورة الليبية والثورة المضادة من جهة، والقبائل الليبية بعضها بعضاً من جهة ثانية، فضلاً عن معارك الأطراف الأجنبية على أرض ليبيا بأيدٍ ليبية.

وهذا السيناريو يعني بقاء الاعتراف الدولي بحكومة الوفاق والمجلس الرئاسي برئاسة فايز السراج، محافظاً على الاعتراف الدولي به، وخسارة حفتر سياسياً ما لم ينجح في فرض قوته عسكرياً ويسيطر على العاصمة طرابلس.

------------
نقلا عن محلة "المجتمع" الكويتية.

أضف تعليقك