• الصلاة القادمة

    الظهر 11:01

 
news Image
منذ 3 ثواني

بقلم.. ممدوح الولي

أعادت تداعيات فيروس كورونا تسليط الأضواء على المسنين باعتبارهم الفئة الأكثر تعرضا للإصابة، نظرا لضعف المناعة لديهم الناتجة عن الضعف الجسماني والغذائي وتقدم العمر، ومعاناتهم خاصة بالمجتمعات النامية من تدنى الخدمات المقدمة إليهم، وعدم وفاء المعاشات بمتطلبات الحياة اليومية.

وفى مصر بلغ عدد المسنين نحو 6 ملايين و728 ألف شخص، يمثلون نسبة 6.7 % من مجموع السكان، 54 % منهم من الذكور والباقي من الإناث.

وربما يعتقد البعض أن هؤلاء وصلوا الى سن الراحة وتتكفل أسرهم ومن حولهم بهم فى حياتهم اليومية، لكن نتائج التعداد العام للسكان بمصر عام 2017، أشارت الى أن نسبة 19.4 % من الأسر المصرية يعولها مسنون، أي إن نحو 4 ملايين و792 أسرة يرعى شؤونها ويدبر احتياجاتها إما مسن أو مسنة..

 وبما يعنى استمرار هؤلاء في الكفاح لمواجهة تكاليف الغلاء رغم تقدم أعمارهم، إلى جانب تزايد احتياجاتهم الشخصية من العلاج والدواء بحكم تقدم الأعمار، كما يعنى من ناحية أخرى تضرر كثير من هؤلاء نتيجة الإغلاق الكلى والجزئي للمنشآت الإنتاجية والحرفية والتجارية بسبب الفيروس، سواء التي يعملون بها أو التي تساهم في وجود طلب على أنشطتهم الاقتصادية.

ويعاني المسنون المصريون قبل ظهور كورونا من تدنى قيمة المعاشات التي يحصلون عليها، والتي تصل إلى 323 جنيها شهريا وفق معاش الضمان الاجتماعي، وهو المعاش الذي ترتفع قيمته بزيادة عدد أفراد الأسرة، حتى يصل إلى 450 جنيها شهريا للأسرة المكونة من أربعة أفراد فأكثر، ولم تتغير قيمة هذا المعاش منذ أبريل 2014، رغم إجراءات التحرير الاقتصادي التي فاقمت الغلاء.

دور المسنين

أما من يحصلون على معاش كرامة المخصص لكبار السن والمعاقين، والذى زاد قبل عامين إلى 450 جنيها للمسن أو المعاق، فإن تلك القيمة تكاد تكفى لشراء أربعة كيلو غرامات من اللحوم بأسعار المنافذ الاستهلاكية الحكومية، أو لثلاثة كيلو غرامات من منافذ الجزارة الخاصة.

وعادة ما تتباهى وزارة التضامن الاجتماعي في تقاريرها وتصريحات مسؤوليها، بوجود مؤسسات خاصة لرعاية المسنين متمثلة في دور رعاية المسنين، فإن إحصاءات عام 2018 كآخر بيانات متاحة تشير لوجود 159 دار مسنين على مستوى المحافظات يقيم بها 3480 مسنًا، أي أن كل عشرة آلاف مسن منهم خمسة فقط بدور مسنين.

ويشير توزيع دور المسنين على المحافظات إلى استحواذ المدن على النسبة الأكبر منها، حيث تستحوذ القاهرة على نسبة 40 % من دور المسنين وعلى نسبة 44 % من إجمالي النزلاء على مستوى المحافظات.

 وإذا كانت القاهرة بها 63 داراً للمسنين، فإن الإسكندرية العاصمة الثانية بها 20 دارا، ومحافظة الجيزة 14 دارا، ومحافظة الغربية 9 دور، وفي كل من محافظتي الدقهلية والقليوبية 6 دور، أما محافظات الشرقية والبحيرة والمنيا فبها 4 دور بكل منها.

وفي كل من محافظات الإسماعلية والمنوفية وبورسعيد وقنا 3 دور، وعلى الجانب الآخر تخلو خمس محافظات من وجود دور مسنين، وهي مطروح والوادي الجديد والبحر الأحمر وشمال وجنوب سيناء.

 كما يلاحظ زيادة عدد دور المسنين بالوجه البحري بينما يقل العدد بمحافظات الوجه القبلي، حيث توجد دار واحدة بكل من محافظات سوهاج وأسوان والأقصر، وداران بكل من محافظتي أسيوط والفيوم.

ويرتبط قلة عدد دور المسنين بالوازع الديني والأخلاقي لدى الغالبية، بالبر والوفاء للآباء والأمهات مع كبر أعمارهم، واعتبار وجودهم معهم سببا للبركة وجلب الأرزاق، كما يعتبر البعص أن إيداع الوالد دار المسنين بمثابة نكران للجميل.

 كما يقوم البعض بمعايرة من يقومون بذلك على أساس أنهم ليس لديهم وفاء لآبائهم وأقاربهم، وينذرونهم بأنهم سيلقون نفس المصير من قبل أبنائهم عندما تطول أعمارهم.

تراجع عدد دور المسنين

والغريب أنه رغم التزايد السكاني المستمر فقد تراجع عدد دور المسنين، من 170 دارا عام 2014 إلى 159 عام 2017، كما تراجع عدد النزلاء من 6419 عام 2011 إلى 3480 نزيلا عام 2017، حيث انخفض عدد دور المسنين بالقاهرة من 83 دارا عام 2014، إلى 63 دارا عام 2017 كما انخفض عدد الدور بالإسكندرية والجيزة.

وغالبية دور المسنين عبارة عن شقق في عمارات سكنية، مما يعنى خلوها من وجود أماكن متسعة لممارسة الرياضة والهوايات أو المشي أو وجود مساحات خضراء، وفى عام 2017 بلغ متوسط عدد النزلاء بدار المسنين 22 نزيلا  على مستوى الجمهورية، ويرتفع العدد إلى 40 نزيلا بالدار بمحافظة الإسكندرية، و32 نزيلا بالدار ببورسعيد، ويصل إلى ستة نزلاء فقط بالدار بمحافظة أسوان وثلاثة نزلاء بالدار بالأقصر .

ويرتبط نقص عدد دور المسنين بزيادة تكلفة الإيواء من نفقات للطعام ومرافق وصيانة وخدمات، وعلى الجانب الآخر تراجع معدلات التبرعات الأهلية لدور المسنين، سواء بسبب التضييق على النشاط الأهلي بعد يوليو 2013، أو لزيادة معدلات الركود بالنشاط التجاري والاقتصادي مما أثر على تبرعات رجال الأعمال واضطرار بعض الجمعيات الأهلية لإيقاف نشاطها.

وكان قانون التأمين الاجتماعي الصادر عام 1975 قد ألزم الهيئة العامة للتامين الاجتماعي، بالقيام بإنشاء دور لرعاية أصحاب المعاشات إما بشكل مباشر أو بالتعاون مع غيرها.

مطالب قانونية منذ 45 عاما

 لكن هذا لم يحدث مثله باقي الأمور التي جاء بها القانون والتي خصص لها الباب الثامن منه تحت عنوان الرعاية الاجتماعية لأصحاب المعاشات، والذى أجاز لرئيس الجمهورية منح أصحاب المعاشات تخفيض نسبى بتعريفة المواصلات بالسكة الحديد ، وكذلك بالمواصلات العامة المملوكة للدولة داخل المدن، ومنحهم تخفيض فى أسعار الدخول للنوادي والمتاحف والمعارض ودور السينما والمسرح المملوكة للدولة، وتخفيض نفقات الإقامة بدور العلاج التابعة للجهاز الإداري للدولة، أي إنه لا يشمل دور العلاج التابعة للهيئات الخدمية والهيئات الاقتصادية، وكذلك منحهم تخفيضا في نفقات الرحلات التي ينظمها الجهاز الإداري للدولة والوحدات التابعة له داخل وخارج الجمهورية.

لكن شيئا من ذلك لم يحدث، وبعد مرور 35 عاما على هذا القانون صدر قانون آخر للتأمينات الاجتماعية في يونيو عام 2010، جاء بصندوق للرعاية الاجتماعية لأصحاب المعاشات، محددا موارده ويتولى إدارته مجلس إدارة يتضمن عددا من أصحاب المعاشات.

 وحدد القانون لهذا الصندوق مهام منها إنشاء دور الرعاية الاجتماعية، والمساهمة فى نفقات إجراء العمليات الجراحية الكبرى، وفى نفقات العلاج داخل وخارج البلاد، وتقديم المساعدات العاجلة للمحتاجين والمنكوبين من أصحاب المعاشات.

وكرر القانون الأمور المطلوب من رئيس الجمهورية إصدار قرارات بشأنها والواردة بالقانون السابق، بعد أن حذف عبارة "يجوز" الواردة بالقانون السابق لتكون الأمور أكثر إلزامية، لكن هذا القانون كان مصيره الإلغاء في أغسطس 2013 بعد استيلاء الجيش على السلطة.

  تراجع ضمانات الرعاية بالقانون الجديد

وكرر القانون الجديد للتأمينات الاجتماعية الذي بدأ العمل به ببداية العام الحالي نفس المطالب للرعاية الاجتماعية لأصحاب المعاشات، حيث خصص لها حسابا ضمن حسابات صندوق التأمين الاجتماعي، وليس صندوق مستقلا كما كان بالقانون السابق.

 كما أناط لمجلس إدارة هيئة التأمين الاجتماعي تنفيذ تلك الأنشطة، وليس لمجلس إدارة مستقل كما كان الحال بالقانون السابق، وهكذا لا يوجد تمثيل لأصحاب المعاشات.

وخلال تكرار القانون الجديد للمطالب التي وردت بقانون التأمين الاجتماعي عام 1975، الخاصة بمنح تخفيض بالسكة الحديد والمواصلات العامة وفى دخول النوادي والمتاحف والمعارض والسينما، ترك تنفيذ ذلك لرئيس الوزراء، وليس لرئيس الجمهورية كما كان الأمر بالقوانين السابقة.

وبالطبع لم ينفذ شيء حتى الآن رغم صدور القانون فى أغسطس الماضي، مثلما هو الحال مع عدم تنفيذ ما ورد بدستور عام 2014 الصادر في عهد النظام الحالي، والذى خصص للمسنين المادة 83 منه والتي نصت على التزام الدولة بضمان حقوق المسنين صحيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا ترفيهيا،  وتوفير معاش مناسب يكفل لهم حياة كريمة ، وتمكينهم من المشاركة في الحياة العامة !

أضف تعليقك