• الصلاة القادمة

    العشاء 17:29

 
news Image
منذ ثانية واحدة

انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي في مصر مقطع فيديو يظهر كمسري القطار (العامل الذي يقوم بتحصيل ثمن التذكرة من الركاب) وهو يحاصر مجندا في القوات المسلحة المصرية لم يدفع 22 جنيها (ما يوازي جنيها إسترلينيا واحدا). ظل الكمسري يصرخ في وجه المجند وطالبه بدفع الثمن، وتهديده بالشرطة العسكرية كي تلقي القبض عليه.

سيدة القطار هي أم مصرية دفعتها العاطفة للتدخل الفوري وإنقاذ هذا المجند الذي هو في عمر أبنائها، لتقوم بدفع التذكرة له وتطالبه بالجلوس في مقعده كما هو، لتتحول تلك السيدة إلى إحدى بطلات مواقع التواصل الاجتماعي، وليصبح وسم سيدة القطار هو الأعلى تداولا في مصر عبر موقع التغريدات المصغر تويتر، ولكن الصورة لم تكن كذلك أبدا قبل عام من الآن.

في رحلة قطار آخر العام الماضي أجبر كمسري القطار شابين صغيرين على القفز من القطار وهو يسير بسرعة عالية، ليلقى أحدهما حتفه مباشرة تحت عجلات القطار، والتهمة أنه لم يدفع ثمن التذكرة.

لا أدري في الحقيقة لماذا تحركت السيدة المصرية الأصيلة لتنقذ حياة مجند الجيش المصري من الهلاك، ولم يتحرك أحد الركاب في العام الماضي لدفع ثمن التذكرة وإنقاذ حياة الشابين من الهلاك أيضا. لعله الزي العسكري، أو ربما لأن النظام الحالي لم يعبأ أبدا بصورة أو كرامة المواطن المدني، وإنما كان جل اهتمامه هو إبراز صورة العسكري كما يريد.

الإعلام المصري لم يتوان لحظة في استغلال الحدث بشكل دعائي، يروج فيه لصورة الجيش الذي يحبه الجميع في مصر. شاهدت لقاء مصورا مع سيدة القطار نشرته بعض المواقع الإخبارية المقربة من السيسي. الرسالة التي حاولوا إخراجها من تلك السيدة البسيطة أنها ببساطة قد دفعت لهذا المجند قيمة تذكرة القطار؛ "لأنه يحمي المصريين على الحدود". تلك إذا هي الرسالة.. هم العساكر والجيش والأمن والأمان، هم حائط السد ومن يوفرون للشعب الحماية، ولذلك فواجبنا أن ندفع لهم الأموال ونضحي من أجلهم بالأرواح ونتعاطف معهم في كل وقت وتحت أي ظرف.

حالة الابتزاز العاطفي التي يمارسها النظام العسكري في مصر تجاه الشعب المصري، وخاصة في علاقته بالجيش وعلاقة الجيش، به تمثلت في بيان الجيش تعليقا على الواقعة، وتمثلت أيضا في قرارات وتصريحات وزير النقل المصري كامل الوزير، الذي كان ذراع السيسي الأيمن في الهيئة الهندسية للقوات المسلحة المصرية. بيان الجيش أكد أكثر من مرة وكرر الحديث عن أنه الجيش الوطني الذي يدافع عن الوطن ويحمي الشعب من المخاطر، وبأن جنوده وضباطه على أعلى درجة من الانضباط، في إشارة إلى الخطأ الجسيم الذي وقع فيه كمسري القطار، ثم أثنى البيان العسكري على سيدة القطار ودورها الإنساني.

أما كامل الوزير، فقد قدم للسيسي عربونا للوفاء وتجديدا للإخلاص الممتزج بالنفاق، عندما اتخذ قرارا بإيقاف رئيس القطار عن العمل وتحويله للتحقيق في الواقعة، ثم قدم اعتذارا رسميا للجيش المصري وأكد احترامه له. اللافت هنا أن نفس الشخص كامل الوزير لم يحرك ساكنا عندما أجبروا الشابين في العام الماضي على القفز من القطار وهو يسير بسرعة عالية.

"فين المدني اللي هنا".. عبارة لخصت المشهد منذ انقلاب الثالث من تموز/ يوليو ألفين وثلاثة عشر وحتى اللحظة التي نعيشها الآن.. يصرخ السيسي بأعلى صوته في أثناء زيارته لأحد مواقع الإنشاءات في أيام كورونا الأولى؛ متسائلا عن "المدني" اللي هنا. هكذا هي قيمة المصريين في عين السيسي، ما هم إلا مجموعة من المدنيين غير المنضبطين الذين لا يستحقون إلا أقل مما هم فيه الآن، وليس لهم في بلادهم من حق إلا التسبيح بحمد السيسي والثناء على الجيش المصري، وتقديم المال والنفس والروح والأبناء فداء للعسكر، وإلا فهذا المدني سنرفع عليه سعر تذكرة المترو ونهدم منزله بحجة أنه مخالف، وإذا اعترض أو تظاهر فسنعتقله بتهمة الانتماء لتنظيم إرهابي، ولو قاوم فليس له مكان آخر غير القبر، بعد أن تقتله قوات الأمن أو الجيش على حد سواء.

سيدة القطار تحركت بمشاعرها كأي أم مصرية طيبة القلب، فحوّلها السيسي وأذرعه الإعلامية إلى مادة دعائية تخدم البروباجندا العسكرية المستمرة منذ اللحظات الأولى لانقلاب السيسي.

أضف تعليقك