• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
منذ ثانية واحدة

نشرت صحيفة "ميدل إيست آي" مقالا للدكتور خليل العناني، زميل في المركز العربي للدراسات والبحوث السياسية في واشنطن العاصمة بشأن احتجاجات 20 سبتمبر المطالبة برحيل عبدالفتاح السيسي قائد الانقلاب العسكري وعصابته.

وقال العناني في مقاله الذي ترجمته "الحرية والعدالة"، إن الاحتجاجات الأخيرة تمثل نقطة تحول في المشهد السياسي في البلاد، وخطوة نحو استعادة المجال العام من الدولة البوليسية.

وفي 20 سبتمبر، اندلعت احتجاجات في عدة محافظات وقرى في مصر ضد الظروف الاقتصادية والاجتماعية الصعبة في البلاد. وقد شهدت المسيرات الذكرى الأولى للاحتجاجات التي دعا إليها رجل الأعمال المصري المنفي محمد علي في سبتمبر 2019 وابتداء من محافظة الجيزة امتدت المظاهرات إلى صعيد مصر، بما في ذلك مناطق أسيوط وسوهاج وقنا والمنيا وبني سويف الفيوم وأسوان.

وعلى الرغم من القمع الشديد والسلطوية التي سادت منذ استيلاء عبد الفتاح السيسي على السلطة، تمكن المتظاهرون من الخروج إلى الشوارع والمطالبة برحيل السيسي، حيث بلغت المسيرات ذروتها في 25 سبتمبر في ما عرف بـ"جمعة الغضب"، التي دعا إليها علي. فلماذا نزل الناس إلى الشوارع وسط أجواء القمع السياسي الشديدة في مصر؟ هناك العديد من الأسباب، معظمها تتعلق بالظروف الاقتصادية والاجتماعية الصعبة التي يعاني منها المحتجون، التي تفاقمت على مدى الأشهر القليلة الماضية بسبب وباء كوفيد-19.

لقد ألحق فيروس كورونا في مصر ضرراً بالاقتصاد؛ وبحلول أغسطس، كان نحو مليوني شخص قد فقدوا وظائفهم، وفقاً لبيان صادر عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء كما اظهر البيان انه خلال الأشهر الستة الماضية قفز معدل البطالة من 7.7 فى المائة إلى 9.6 فى المائة فى عدد سكان يبلغ أكثر من 100 مليون نسمة ويقول البعض إن أرقام البطالة الحقيقية أعلى من ذلك.

كما يشير الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء إلى أن حوالي 26 في المائة من الأشخاص العاملين الذين لهم عائلات فقدوا وظائفهم بسبب الفيروس التاجي وكان معظمها يعمل في الصناعات التحويلية، بما في ذلك الأغذية والمنسوجات والملابس والمنتجات الزراعية والبناء والتشييد، وكذلك في قطاعي النقل والتخزين. كما كان لـ"كوفيد-19" آثار كارثية على قطاع السياحة، الذي يشكل 12 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي لمصر، وحقق إيرادات بلغت نحو 13 مليار دولار لمصر العام الماضي، وتوقعت دراسة رسمية خسائر هائلة فى قطاع السياحة نتيجة لـ " كوفيد – 19 " بلغت أكثر من 70 فى المائة.

وقد تأثر العديد من العاملين في قطاع السياحة والطيران، الذين يبلغ عددهم نحو ثلاثة ملايين، بانخفاض إيرادات السياحة؛ أبرزهم سكان الجيزة الذين تعتمد دخولهم بشكل رئيسي على السياحة. ولذلك لم يكن من المستغرب أن تندلع المظاهرات في جميع أنحاء محافظة الجيزة

وبالنظر إلى خريطة الفقر في مصر، هناك ارتباط قوي بين معدلات الفقر وموقع الاحتجاجات، لا سيما في صعيد مصر. ووفقًا للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء ، بلغ معدل الفقر القومي للعام 2017-2018 32.5 في المائة، مما يعني أن ثلث السكان المصريين يعيشون تحت خط الفقر البالغ حوالي 735 جنيهاً مصرياً (47 دولاراً) في الشهر واعترف وزير التخطيط المصري بأن معدل الفقر الوطني ارتفع بين عامي 2016 و2018 بنسبة 4.7 في المائة نتيجة لسياسات الإصلاح الاقتصادي. وسيكون هذا المعدل قد ارتفع في 2019-2020.

وتشهد العديد من المحافظات في مصر معدلات فقر مرتفعة، بما في ذلك أسيوط (67 في المائة) وسوهاج (60 في المائة) والأقصر (55 في المائة) والمنيا (54 في المائة) وقنا (41 في المائة). تعاني معظم قرى صعيد مصر من الفقر المدقع الذي يرتبط ارتباطاً وثيقاً بانتشار الاحتجاجات. كما لعبت السياسات والقرارات الحكومية الأخيرة، وخاصة تلك المتعلقة برفع الأسعار وهدم المنازل، دوراً كبيراً في إثارة الاحتجاجات. أصدرت الحكومة قراراً بهدم مبانٍ تعتبر غير قانونية، أو فرض غرامات، مما كان له تأثير سلبي كبير على العديد من المجتمعات الفقيرة والمنخفضة الدخل.

وفي هذا الصدد، تحدث السيسي بطريقة فجّة وهدد السكان بنشر الجيش لهدم منازلهم ووفقا للتقارير الرسمية، سجلت مصر مليوني مخالفة بناء بين عامي 2000 و2017. وقد تعهدت الحكومة بهدم هذه المنازل ما لم يعدل أصحابها وضعهم ويتصالحون مع القضية بدفع غرامات.

يمكن وصف الاحتجاجات الأخيرة في مصر بأنها انتفاضة الفقراء – التي تتركز بين أولئك الذين يتحملون وطأة الظروف الاقتصادية والمعيشية الصعبة.

يذكر أن الطبقة الوسطى لم تشارك لأسباب مختلفة، منها القمع والخوف من رد فعل النظام، على غرار ما حدث قبل عام عندما اعتقلت الدولة آلاف المتظاهرين الذين طالبوا برحيل السيسي. ومن الأسباب الأخرى مناخ عام من اليأس والإحباط إزاء فشل ثورة 2011 وخيبة أمل العديد من الشباب الذين شاركوا.

وعلى الرغم من جهود التعبئة التي بذلها محمد علي والمعارضة في الخارج في الأسابيع الأخيرة، ربما أسهم غياب مشاركة الطبقة الوسطى في فشل انتفاضة الفقراء وعجزها عن تحقيق مطلبها الرئيسي: رحيل السيسي. ومع ذلك، تمثل هذه الانتفاضة نقطة تحول في المشهد السياسي في مصر من عدة طرق. أولاً، هذه هي المرة الأولى التي تشهد فيها الاحتجاجات المطالبة برحيل السيسي في أكثر من محافظة مصرية في الوقت نفسه، خاصة وسط حملة أمنية غير مسبوقة وتقييد المجال العام.

كما أنها واحدة من المرات القليلة التي انتفض فيها الفقراء أمام أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية، وفعلت ذلك عبر منطقة جغرافية كبيرة، مما جعل من الصعب على النظام قمعها عبر الوسائل التقليدية.

ولم يكن أمام النظام خيار سوى قمع المتظاهرين: فقد تم اعتقال أكثر من 700 شخص من بينهم حوالي 68 طفلاً ومراهقاً تم الإفراج عنهم في وقت لاحق. وقُتل اثنان من المتظاهرين؛ واحد في الجيزة يوم الجمعة الماضي والثاني، عويس الراوي، الذي أصيب برصاصة في الرأس من قبل ضابط شرطة في الأقصر يوم الأربعاء.

وفي الوقت نفسه، حاولت وسائل الإعلام الموالية للنظام بضراوة تشويه الاحتجاجات، ورسمتها على أنها مؤامرة أجنبية دبرها الإخوان المسلمون من الخارج للإطاحة بالنظام ومن الصعب الاعتقاد بأن الإخوان كانوا وراء هذه الاحتجاجات لعدة أسباب أهمها أن الجماعة ليس لها وجود كبير بين الطبقات العاملة.

كما تعاني جماعة الإخوان من قيود تنظيمية شديدة بسبب قمع الدولة، وفي حين أن أعضاء المجموعة ربما شاركوا، فمن المرجح أن يكون ذلك راجعاً فقط إلى الظروف الاقتصادية والاجتماعية المحلية.

وتمثل الاحتجاجات الأخيرة خطوة جديدة نحو استعادة المجال العام من الدولة البوليسية في مصر وقد يمهد ذلك الطريق لمزيد من الاحتجاجات، وربما ثورة تطيح بالسيسي ونظامه.

أضف تعليقك