• الصلاة القادمة

    الظهر 11:01

 
news Image
منذ ثانية واحدة

بقلم.. عامر شماخ

منذ يوم الأربعاء (4/11) والحرب الأهلية مشتعلة فى إثيوبيا، بل تزداد وتيرتها يومًا بعد يوم إثر دخول أطراف أخرى فى النزاع؛ حيث تدخلت إريتريا لمساندة الجيش الإثيوبى ضد المتمردين فى إقليم "تيجراى"، فأطلق مسلحو الإقليم عددًا من الصواريخ على العاصمة الإريترية "أسمرة"، دكت أهدافًا إستراتيجية داخل المدينة –حسب وسائل إعلام دولية-، والأمر نفسه تكرر مع إقليم "الأمهرا" الذى يقف بجانب النظام ويعتبره "التيجراويين" من ألد خصومهم.

والحال هكذا صارت حكومة "أبى أحمد" فى مهب الريح؛ وربما كانت هذا الأحداث مقدمة لطوفان من النزاعات المسلحة والتوترات العرقية فى هذا البلد الذى يزيد تعداده على مائة مليون نسمة يتوزعون بين عشرات الطوائف الإثنية ويتحدثون أكثر من مائة لغة ولكل من هذه الطوائف تاريخ وأعراف وموروثات ثقافية. وربما أيضًا كانت وحلًا للجيش الإثيوبى؛ إذ استدعى ما جرى من اشتباكات توزُّع هذا الجيش على عدد من أقاليم البلد التسعة خوفًا من تكرار السيناريو الحالى، فضلًا عن أن إقليم "تيجراى" الذى حكم إثيوبيا لمدة سبعة وعشرين سنة لن يستسلم بسهولة وتحت يده إمكانات عسكرية كبيرة، كما أن (90%) من ضباط الجيش الوطنى من أبنائه.

أين نحن إذًا مما يدور من أحداث فى ذلك البلد المنقسم والتى ربما زعزعت استقرار المنطقة وترتبت عليها أمور زادت من الضرر الواقع علينا فيما يخص مياه النيل؟ أين نحن من الأحداث وإثيوبيا فى أضعف حالاتها؛ ما دفع وزير خارجيتها إلى المسارعة بالاجتماع بالبعثات الدبلوماسية لبث رسائل تطمينية إلى العالم، والحقيقة أن البلد الذى يحتوى مائة وثمانية أحزاب مضطرب سياسيًّا، وقد شاهد العالم نزوح الآلاف من أبنائه ضحايا الحرب إلى الدول المجاورة، وهو أيضًا منكشف أمنيًّا بعد انتشار الجيش –كما ذكرتُ- تحسبًا لانتفاضات أخرى، وهم الآن فى أمسِّ الحاجة إلى التعاون الإقليمى والدولى ومن ثمَّ على استعداد للتنازل والانحناء للعاصفة لتهدئة الأوضاع الداخلية.  

لم نسمع –للأسف- عن تحرك مصرى واحد لاستثمار الحدث فى استرداد حقنا الذى تنازل عنه العسكر فى عام 2015 لخلق شرعية للحكم الذى اغتصبوه، بل لم نسمع حديثًا واحدًا فى وسائل إعلامهم عن هذه القضية التى تهدد الأمن القومى بشكل مباشر، سمعنا عن تدريبات عسكرية سودانية مصرية مشتركة على أرض السودان تزامنت مع نشوب الحرب الإثيوبية فتوقع البعض أن تكون تمهيدًا للتخلص من السد، لكن خرج علينا خبراؤهم الإستراتيجيون، الذين يتحدثون بلسانهم، ليؤكدوا أن تلك مزاعم الإخوان الإرهابيين! فمصر لا تحارب أحدًا بل تسعى لأجل السلام مع الجميع، وخرج، فى المقابل، محللون محايدون يؤكدون استحالة إقدام مصر على تلك الخطوة لعدم امتلاكها الإمكانات العسكرية التى تحقق ذلك من ناحية، ولعدم امتلاكها الإرادة السياسية من ناحية ثانية.   

وهذا السكوت المريب يستدعى عددًا من المشاهد التى تؤكد أن فى الأمر أكثر من "إنَّ"، أولها: التنازل الذى جرى عام 2015 وأشرنا إليه. ثانيها: التصريحات الإثيوبية المستفزة والمتتابعة وعدم الرد عليها. ثالثها: التصريح الواضح لـ"ترامب" بأحقية مصر فى ضرب السد وعدم التعليق عليه. رابعها وهو الأهم: التسليم بعدم جدوى التفاوض وعدم اتخاذ موقف فى مقابل التعنت الإثيوبى على طريقة "بركة يا جامع"..

الدكتور هانى رسلان، مؤسس ورئيس وحدة دراسات السودان وحوض النيل، والمقرب من النظام وأحد المهتمين بالقضية، أكد فشل المفاوضات حتى الساعة قال: (ليس هناك سيناريوهات للحلول؛ لأنه حتى الآن لا توجد حلول أصلًا؛ لأن جميع السيناريوهات، أو الاحتمالات، طبقًا للمعطيات الموجودة الآن جميعها تشير إلى الفشل فى الوصول إلى نتائج أو اتفاقات؛ لأن هناك ثلاث قضايا أساسية وجوهرية جدًّا، وهى أن يكون الاتفاق ملزمًا، وأن تكون هناك آلية ملزمة للتحكيم فى حالة حدوث خلافات فى المستقبل، وهذا أمر متوقع، وأن تكون هناك تدابير فى موسم الجفاف لتقليل الضرر عن مصر بالذات، وإثيوبيا ترفض هذه البنود الثلاثة بشكل مطلق، وتضع عقبات أخرى، مثل رغبتها فى تقسيم مياه النيل الأزرق، وتريد إدخال دول المنابع الجنوبية الاستوائية فى اتفاقية شاملة، بمعنى "تفعيل اتفاقية عنتيبي"، وهذه المسألة ليست رغبة إثيوبية حقيقية، ولكنها تريد وضع عقبات تمنع الوصول إلى اتفاق بشأن مسألة سد النهضة؛ إذ ليس هناك نية ولا إرادة سياسية لدى إثيوبيا للوصول إلى اتفاق؛ لأنها لا تريد أن تلزم نفسها بأى تصرف تجاه المياه المختزنة خلف السد، وأيضًا خلف السدود التى سوف تُنشأ بعد سد النهضة، وتريد تحويل النهر إلى بحيرة إثيوبية تتحكم فيه، بغض النظر عن الأضرار التى قد تلحق بمصر أولًا، وبالسودان ثانيًا).

هل يخيِّبون ظنى فيهم ويستغلون الأحداث لاسترداد حصتنا، رغبًا أو رهبًا، أم يتأكد ظنى بأنهم باعوا مياه النهر بيعة لا رجعة فيها فلا فائدة تُرجى من حرب أو مفاوضات؟ الأيام بيننا.

أضف تعليقك