• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
Jan 24 22 at 07:54 PM

 

ونكمل مع كتاب زاد على الطريق لفضيلة الأستاذ مصطفى مشهور – رحمه الله – حول المعاني والأعمال التي يتزود بها الداعية في طريقه حيث يقول:

التفكر .... فى نعم الله

تجد الناس يحمد بعضهم بعضاً حينما يُقدِّم أحدهم عوناً لأخيه ولو كان صغيراً، ولا تجد الكثيرين منهم يحمدون الله على نعمه عليهم؛ برغم عظمها وكثرتها، وكأن هذه النعم حق مكتسب لافضل لله عليهم فيها، بل كثيراً ما يستعملونها فى معصيته، إنها الغفلة و الجحود و الكفران بالنعمة .

لايقدرون قيمة هذه النعم إلا إذا حُرِمُوا منها، أو أصيبوا فيها؛ فيجأرون لله بالدعاء، ومنهم من يضيق بالحياة وقد يلجأ الى الانتحار: { وما بكم من نعمة فمن الله  ، ثم إذا مسكم الضرُّ فإليه تجأرون ثم إذا كشف الضرَّ عنكم إذا فريق منكم بربهم يشركون ليكفروا بما آتيناهم فتمتعوا فسوف تعلمون } ، { وإن تعدوا نعمة الله لاتحصوها إن الإنسان لظلوم كفار } .

ولهذا نجد القرآن الكريم يدعونا الى التفكر والتعرف على نعم الله التى لا تحصى، وأن نقدرها قدرها، ونستشعر فضل الله علينا، ونقوم بواجب الحمد والشكر له على ما أنعم، فما أجدرنا أن نقف عند هذه الآيات وقفة تدبر وتقدير لهذه النعم؛ لنزداد شعوراً بفضل الله، وكرمه، ورحمته، وإحسانه، ومدى فقرنا، وحاجتنا إليه سبحانه في كل لحظة، وفي كل حركة وسكنة، وكذا مدى تقصيرنا في واجب الشكر وضرورة استعمال هذه النعم في طاعته و البعد بها عن معصيته .

ولنبدأ بكبرى النعم وأعظمها وهي نعمة الإسلام :{ اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتى ورضيت لكم الإسلام دينا } ، { إن الدين عند الله الإسلام } ، { ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو فى الآخرة من الخاسرين } بهذا الدين تكون السعادة و الهناءة و السكينة في الدنيا، و الفوز و النعيم والنجاة في الآخرة، وبدونه يكون الشقاء و الضياع و التمزق في الدنيا، و الخسران والعقاب والحرمان من رضوان الله ومن النعيم فى الآخرة .

إن الكثير من المسلمين لايقدرون ما هم فيه من نعمة بانتسابهم الى هذا الدين العظيم؛ ربما لأنهم ورثوه دون جهد منهم، ولم يحاولوا التعرف على ما يحققه لهم من خير في دنياهم وآخرتهم، إن نعمة الإسلام هى كل شىء وما عداها لا شىء ، لأن يصاب الواحد منا في ماله، أو ولده، أو سمعه، أو بصره، أو أي شيء من متاع الدنيا أهون عليه من أن تكون مصيبته في دينه، وها هو ذا رسولنا  الحبيب صلى الله عليه وسلم يوجهنا إلى ذلك في هذا الدعاء: ( اللهم لاتجعل مصيبتنا في ديننا ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ) ما أحوجنا أن نردد دائماً حمدنا لله على هذه النعمة: { الحمد لله الذى هدانا لهذا وما كنا لنهتدى لولا أن هدانا الله } والله سبحانه وتعالى يدعونا للمحافظة على هذه النعمة حتى نلقى الله عليها  :{ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولا تموتن إلاَّ وأنتم مسلمون }  لأن الأمور بخواتيمها ، وها هو ذا سيدنا يوسف عليه السلام بعدما آتاه الله الملك يدعو الله أن يتوفاه مسلماً: { رب قد آتيتنى من الملك وعلمتنى  من تأويل الأحاديث فاطر السموات والأرض  أنت ولىِّ فى الدنيا توفنى مسلماً وألحقنى بالصالحين }  .

ولكى تكمل علينا هذه النعمة يجب أن نكون مسلمين حقاً .

ونعمة الأخوة في الله و الحب في الله.. هذه الرابطة القوية الخالصة لوجه الله ما أعظم ما تضفيه على أصحابها من سعادة وراحة نفسية، لايقدرها إلا من عاشها فمن ذاق عرف من خلال التعاون على البر و التناصح و التذكير بالخير و التكافل و المودة و الرحمة ، والله سبحانه يذكرنا بهذه النعمة فيقول :{ وألَّف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعاً ما ألَّفت بين قلوبهم ولكن الله ألَّف بينهم إنه عزيز حكيم } { واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداءً فألَّف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً } .

وأن حياة وسط قوم يملأ قلوبهم الحقد و الغلَّ و الشحناء و البغضاء  حياة لا تطاق كلها همٌّ وغمٌّ وكربٌ و العياذ بالله .

وبعد هذه النعم الكبرى ننتقل إلى ما دونها فنفكر فيها لنعرف قدرها، فأطلب منك أن تخلو لنفسك وتتصور أنك أصبت في بصرك وفقدته وعجز الأطباء أن يردوه إليك، وفكِّر في التغيير الذي سيطرأ على حياتك بشيء من التفصيل: في عملك، وعلمك، وحركتك، وكل ما يتصل بحياتك ومدى ما ستتعرض له من قيود وحرج وضيق. بقدر عمق تفكرك ذلك، بقدر تقديرك لهذه النعمة بحيث لو خيِّرت بينها وبين المال الوفير لاخترتها دونه . وتكون حينئذ على استعداد كامل لأن تعطى المواثيق لله لو رد إليك بصرك لسخرته لطاعة الله وما استعملته في معصية الله؛ فهلاَّ ألزمنا أنفسنا بذلك، أم نتظر حتى نصاب ثم نعطى المواثيق .

تصور ياأخي بعد ذلك أنك بسبب أو بآخر فقدت السمع مع فقد البصر، كيف يكون الحال حينئذ؟ ستجد نفسك فى سجن مظلم لاترى ولا تسمع من حولك وسيزداد الحرج و العنت و الضيق، أو القيود فى الحركة وكل أمور الحياة .

وستعرف حينئذ قيمة هذه النعم، وفضل الله عليك، وعظم رحمته وإحسانه، وفقرك واحتياجك إليه، وأنك لو صمت النهار كله، وقمت الليل كله، وأنفقت العمر كله فى طاعة الله ما وفيت حق الشكر على هاتين النعمتين .

لاتضق يا أخى واستمر معي وتصور مع فقدان السمع و البصر فقدت النطق أيضاً، وتصور حالك حينئذ سيزداد السجن ظلاماً، وتزداد القيود ويصعب التعامل مع الحياة، فإذا أردت شيئاً أو أراد أحد منك شيئاً كان من العسير التعرف على هذه الرغبات، اسأل نفسك عن مدى صبرك ورضاك بهذه الحال، ما لم تكن متمتعاً بنعمة الإيمان ما تحملت مثل هذه الحياة، فهلاَّ نلزم أنفسنا أن نستعمل هذه النعم في طاعة الله فلا ننظر إلا إلى حلال، ولا نستمع إلا إلى حلال، ولا ننطق إلا خيراً .

ونعمة العقل ما أعظمها وما أجملها  نعمة من الله، لو ردت إليك حواسك الثلاثة السابقة، ولكن طرأت عليك إصابة، أو لوثة بالعقل مجرد تصور؛ فأنت و الحمد لله بعقلك، وإلا لما تابعت معي ما أكتب ولأرحت نفسي، كيف يكون الحال ؟ لا انضباط ، لا وعى ، لا إدراك لأى خطر ، ولا تفاهم ، ولا أمان من حدوث أيّ تصرف في أيّ وقت، ثم يكون المصير الحبس مع أمثاله حتى توافيه منيته. فهلاَّ نستشعر قيمة نعمة العقل ونستعملها في التعرف على  الله، وما ينفعنا، وما ينفع ديننا ولا نسخرها فيما يغضب الله .

هكذا لو فكَّرنا في غير ذلك من النعم التى يحتويها جسدنا كالأيدى وأصابعها، والأرجل وأقدامها، وكل أجهزة الجسم، وكل أعضائه الداخلية، وأن الواحد لو أصيب بعطب في شيء من ذلك لشل حركته وربما جعله سجين الفراش معظم حياته .

ومثل هذه الصور موجودة وماثلة أمامنا وعلى سبيل المثال جلطة بسيطة في شعيرة من شعيرات المخ يمكن أن تحدث شللاً وفقداً للنطق وغير ذلك فهل نحمد الله على نعمة العافية ونقرأ قول الله تعالى في تدبر وخشوع: { يا أيها الإنسان ما غرَّك بربك الكريم الذى خلقك فسواك فعدلك في أى صورة ما شاء ركبك } .

وهذه النعم الكثيرة التى يحتاجها الجسم من غذاء وماء وهواء ودفء ، هذه الحيوانات و النباتات والطيور، وكل هذه النعم التى لو حرمنا منها لتعرضنا للموت و الهلاك، هذا الماء الذى جعل الله منه كل شىء حي، هل فكَّرت كيف يصل إليك ميسراً هذه الدورة التى يسير فيها من بخار من ماء المحيطات فتحمله الرياح ليصير سحاباً تسير به الرياح ويسقط مطراً، وبسب الجبال و الهضاب يجرى في أنهار حتى يصل إليك .

هذا الهواء وما فيه من غازات لازمة للحياة، وهكذا لو تصورنا حرمانك من الماء، أو الهواء، أو الغذاء، أو الدفء، لما طقت الحياة، ولتعرضت للهلاك.

وما أجمل سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم التى تذكرنا بفضل الله وإنعامه علينا كلما استمتعنا بشيء من هذه النعم .

وهل ننسى نعمة الزوجة الصالحة والذرية الصالحة: { ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماماً }  .

تصور حياتك مع زوجة غير صالحة، وما تسببه لك من إزعاج ونَصَب بل وفتنة، أو حياتك بدون زوجة، وكذلك الذرية إذا لم تكن صالحة مثار هم وكرب، وانظر أيضاً إلى من لم يرزقوا  ذرية وكم شوقهم إليها .

فلنحمد الله على هذه النعم، ولنتق الله فيها، ولنقم بواجباتنا نحوها، وصدق الله العظيم :{ ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن فى ذلك لآيات لقوم يتفكرون } .

{ الله الذى خلق السموات والأرض وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقاً لكم وسخَّر لكم الفلك لتجري فى البحر بأمره وسخَّر لكم الأنهار وسخَّر لكم الشمس و القمر دائبين وسخَّر لكم الليل و النهار وآتاكم من كل ما سألتموه وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الإنسان لظلوم كفار } .

صدقت ربنا لن نحصيها ولن نستطيع أن نقوم بما تستحقه من الثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك ، هل فكَّرت يا أخى فى نعمة الليل و النهار ، هل فكَّرت في نعمة النوم، وما يكون عليه حالك لو حرمت هذه النعمة، ما أجمل قول الله تعالى وهو يذكرنا بذلك بقوله: { قل أرأيتم إن جعل الله عليكم الليل سرمداً إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بضياء أفلا تسمعون، قل أرأيتم إن جعل الله عليكم النهار سرمداً إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بليل تسكنون فيه أفلا تبصرون ، ومن رحمته جعل لكم الليل و النهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون } .

إننا لن نستطيع أن نستمر فى سرد نعم الله علينا ولكن يا أخى استشعر نعمة الله عليك فى كل شىء عندما تتحرك أو تنطق أو تأكل أو تشرب أو تلبس أو تنام أو تستيقظ أو ترى أو تسمع أو تشم أو تتذوق أو تباشر أى أمر من أمور حياتك وأنه لولا فضل الله ورحمته ما استطعت أن تفعل شيئاً من ذلك .

فراقب الله سبحانه واجعل كل ما يصدر منك لله وباسم الله وموافقاً لشرع الله .

يخطىء الكثير من الناس ويحصرون نظرتهم الى نعم الله عليهم بدخلهم الشهرى أو السنوى من دراهم أو ما شابه ذلك وينسون باقى النعم التى ذكرنا بعضها و التى لا يعدلها ملايين الملايين من المال ، وصدق الله العظيم :{ فأما الإنسان إذا ماابتلاه ربه فأكرمه ونعَّمه فيقول رب أكرمن ، وأما إذا ماابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول ربى أهانن } .

فما أحوجنا إلى تصحيح مثل هذه النظرة ونعلم أننا في هذه الحياة في امتحان، ونبتلى بالخير كما نبتلى بالشر: { كل نفس ذائقة الموت ونبلوكم بالشر و الخير فتنة وإلينا ترجعون } .

بعد مثل هذه الجولة من التفكر في نعم الله أحسب أننا نخرج بزاد من معرفة فضل الله علينا وجميل إحسانه، ومدى فقرنا إليه سبحانه .

هذا الزاد يدفعنا إلى تعظيم الله وإجلاله وطاعته، وشكره وحسن عبادته، ويحفظنا من الجرأة على استعمال نعمه علينا في معصيته، ولو أمسك الله رحمته عن إنسان لتحولت هذه النعم الى نقم يشقى بها ويأثم بسببها .

أضف تعليقك