• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
Mar 14 22 at 07:11 AM

بلغت خسائر البنك المركزي المصري 60.2 مليار جنيه في العام المالي 2020 /2021 المنتهي آخر يونيو/ حزيران الماضي، وهو رقم غير مسبوق للخسائر التي عانى منها البنك المركزي بشكل مستمر في السنوات المالية الماضية، لتصل قيمة الخسائر خلال السنوات الأربع الأخيرة إلى 133.5 مليار جنيه.

فبعد أن كانت قيمة حقوق المساهمين التي تشمل رأس المال والاحتياطيات في العام المالي السابق لبدء الخسائر 21.6 مليار جنيه، تآكلت حقوق الملكية بالبنك المركزي خلال تلك السنوات، وهو ما يقلل الثقة في استطاعة البنك المركزي أداء دوره بالتدخل لمساندة البنوك المتعثرة. وقد قلل من قيمة العجز في حقوق الملكية احتساب فروق قيمة الذهب كلما تمت إعادة تقييمها، وهي القيمة التي تُضاف إلى الاحتياطيات.

ومع استمرار انخفاض حقوق الملكية، كان الحل في المادة الرابعة من قانون البنوك الجديد الصادر في سبتمبر 2020، التي تنص على تدخل وزارة المالية بسداد قيمة العجز بحقوق الملكية حتى لا تكون سالبة، وبالفعل قدمت وزارة المالية 43.5 مليار جنيه لسداد قيمة العجز في العام المالي الأخير، للحيلولة دون تحول حقوق الملكية إلى تصنيف سالب.

وخلال العام المالي الحالي 2021/ 2022 أصبحت قيمة حقوق الملكية صفرا، بداية من شهر سبتمبر 2021، وخلال الشهور التالية حتى شهر يناير الماضي في آخر بيانات منشورة، مع استمرار الخسائر خلال الشهور السبعة الأولى من العام المالي الحالي 2021/ 2022، واستمرار وزارة المالية في تغطية العجز في حقوق الملكية.

وهو ما يعني أيضا توقع قوي باستمرار البنك المركزي في تحقيق خسائر للعام الخامس على التوالي، بمعدل أعلى من خسائر العام المالي الأخير، حيث بلغت قيمة الخسائر في شهر يناير 58 مليون جنيه خلال سبعة أشهر مقابل 45.5 مليون جنيه في العام المالي الأخير.

مبادرات رامز التمويلية صاحبتها أرباح

وتشير القوائم المالية للعام المالي الأخير إلى أن سبب خسائر البنك هو أن تكلفة فوائد الودائع الموجودة بالبنك المركزي وتكلفة فوائد اقتراضه البالغتين معًا 118 مليار جنيه تزيد على العوائد المحققة من كلّ من القروض التي يمنحها وعوائد أرصدته لدى البنوك المحلية والخارجية، وكذلك من عائد الأذون والسندات المحلية والخارجية التي يستثمر فيها.

فقد بلغ مجموع العوائد المحققة حوالي 82 مليار جنيه، مما يعني وجود عجز بحوالي 37 مليار جنيه في العوائد، يُضاف إليه مصروفات أجور العاملين ونفقات التشغيل السلعية والخدمية وضرائب عوائد الأذون والسندات، لتصل الخسائر إلى 60 مليار جنيه.

وخلال السنوات الأخيرة أحجم تقرير مراقب حسابات البنك عن موازناته، عن ذكر أسباب تلك الخسائر، وسعيًا لحل لغز سبب الخسائر وجدنا أن تكلفة الودائع والاقتراض بالبنك المركزي البالغة 118 مليار جنيه، قد توزعت بين ثلاثة عناصر هي: تكلفة ودائع من بنوك محلية وهي 47 مليار جنيه، وتكلفة ودائع من بنوك أجنبية وهي 10 مليارات جنيه، وتكلفة على حسابات متنوعة بلغت 61 مليار جنيه.

ونظرًا لضخامة البند الأخير فقد سعينا للتعرف على مكوناته لكننا لم نجد شيئا مفسرا، سواء بتقرير مراقب الحسابات في العام الأخير أو في الأعوام المالية الخمسة الأخيرة!

وفسرها بعض الإعلاميين بالمبادرات التي طرحها البنك لتمويل بعض الأنشطة مثل الصناعة والمشروعات الصغيرة والعقار والزراعة والري والسياحة، بفائدة منخفضة عن أسعار الفائدة السائدة بالسوق، مع تحمل البنك المركزي فارق تكلفة تلك الفوائد.

لكن هذا البند كان موجودا خلال السنوات المالية الماضية، وبلغ 6 مليارات جنيه في العام المالي 2017/ 2018 ومع ذلك بلغت الخسائر خلال العام حوالي 32 مليار جنيه، أي أنه لم يكن السبب الرئيسي بالخسائر حينذاك، وتكرر ذلك في العام التالي حيث بلغت قيمة بند تكلفة حسابات منوعة 10 مليار جنيه، بينما بلغت قيمة الخسائر في ذلك العام حوالي 31 مليار جنيه، أي أنه لم يكن السبب الرئيسي في الخسائر.

سبب آخر يزيد الحيرة هو أن محافظ البنك المركزي السابق هشام رامز الذي امتدت مدته من فبراير 2013 حتى نوفمبر 2015، قام بمبادرات مماثلة للعديد من الأنشطة بفائدة منخفضة عن أسعار السوق، ومع ذلك شهدت فترته أرباحا للبنك المركزي في كل سنوات فترته، ولم تقلّ الأرباح عن عشرين مليار جنيه في أي منها.

ودائع بالمركزي بلا تكلفة

ومن الطبيعى أن قرارات تخصيص مبالغ لأية مبادرة لخفض الفوائد لقطاع معين، لا بد أن تستند إلى حسابات دقيقة لقدرة البنك المركزي على تحمّل تلك التكلفة، وهو أمر مشكوك فيه في ضوء الخسائر التي بدأت في العام المالي 2017/ 2018، واستمرت خلال السنوات المالية التالية حتى الشهر الأول من العام الميلادي الحالي في آخر بيانات معلنة، وهو أمر لم يتحدث عنه البرلمان أو الإعلام الاقتصادي في ظل إعلام الصوت الواحد.

والأمر الغريب أن البنك المركزي يحصل على نسبة من ودائع البنوك العاملة بالسوق، وفق نسبة الاحتياطي القانوني من الودائع، التي تلتزم البنوك بوضعها بالمركزي من دون فوائد، والتي بلغت قيمتها 265 مليار جنيه في يونيو 2021، وهي مبالغ لا تكلفة لها ومن الطبيعى أن يستثمرها البنك المركزي ويحقق من خلالها عوائد. وهذا ما يزيد الحيرة في سبب خسائر المركزي.

وتستمر الحيرة في سبب الخسائر باستعراض مكونات الأصول البالغة أكثر من 2 تريليون جنيه، حيث إن 57% منها مستثمرة في أوراق مالية وأذون وسندات تحقق عوائد، ونسبة 37% من تلك الأصول عبارة عن قروض وأرصدة لدى البنوك تحقق عوائد، ونسبة 2% هي مساهمات في بنوك وشركات وهي تحقق عوائد أيضا، أي أن نسبة 96% من الأصول من المفترض أن تحقق عوائد، فكيف تحدث خسائر؟

وربما يقول البعض إن البنك المركزي يوظف أصوله في ودائع وقروض واستثمارات بالداخل والخارج، وإن معدل فائدة توظيف تلك الأصول بالداخل أعلى بكثير من العوائد المتدنية لتوظيف الأصول بالخارج، وربما يكون القدر الأكبر من الأصول قد تم توظيفه بالخارج، وسعيًا وراء تلك الفرضية وجدنا أن توظيفات أصول المركزي في الداخل بعائد بلغت نسبتها 62% من مجمل الأصول، والتوظيفات بالخارج بعائد بلغت نسبتها 24%، لكننا وجدنا نسبة 9% من الأصول موظفة بلا عائد! منها 45 مليار جنيه في بنوك خارجية.

الأصول تزيد والإيرادات تنخفض

وقد يقول البعض إن التوظيفات بالداخل التي تجلب عوائد أعلى ربما تكون قد شهدت تراجعا في قيمتها بالمقارنة بالعام المالي الأسبق، وإن التوظيفات بالخارج صاحبة العوائد المنخفضة، قد شهدت تزايدا في قيمتها بالعام المالي الأخير، مما تسبب في تزايد الخسائر بنحو 49 مليار جنيه خلال عام.

لكننا وجدنا أنه مقارنة بالعام المالي الأسبق فقد زادت قيمة التوظيفات بالداخل بالعام المالي الأخير بنسبة 6.5%، بينما كانت نسبة نمو التوظيفات بالخارج 4%، حيث بلغت قيمة الزيادة في التوظيف بالداخل 76 مليار جنيه، في حين بلغت قيمة الزيادة في التوظيف بالخارج أقل من 19 مليار جنيه، أي أن ذلك الفرض ليس سببا في تزايد الخسائر.

وربما يقول البعض إن تراجع سعر الفائدة بالبنوك المصرية هو السبب، لكننا نجد أن العام المالي السابق وهو 2019/ 2020، الذي انخفضت أسعار الفائدة خلاله أربع مرات بإجمالي 6.5%، قد بلغت خسائره أقل من 11 مليار جنيه فقط، أما العام المالي الأخير 2020/ 2021 فقد شهد انخفاضين فقط لسعر الفائدة بإجمالي واحد بالمائة فقط في المرتين معًا، ومع ذلك بلغت الخسائر خلاله 60.2 مليار جنيه.

أمر آخر يتعلق بتراجع إجمالى الإيرادات إلى أقل من 93 مليار جنيه في العام المالي الأخير، وهو أقل رقم للإيرادات السنوية خلال السنوات المالية الخمس الأخيرة، بينما اتجه مجموع الأصول إلى الارتفاع خلال تلك السنوات الخمس من 972 مليار جنيه بالعام المالي 2015/ 2016، لتصل إلى 2.028 تريليون جنيه بالعام المالي الأخير، وكان المفترض أنه كلما زادت الأصول زادت الإيرادات.

لذا يصبح السؤال الملحّ هو إذا كانت الخسائر قد بدأت قبل خمس سنوات، أي بالعام المالي 2017/ 2018، فلماذا لم يصدر بيان رسمي يوضح سبب تلك الخسائر من قبل البنك المركزي أو الحكومة؟ كما يثور سؤال آخر في بلد يطرح سندات بالخارج دوريا، هو كيف سيكون موقف المستثمرين بالخارج عندما يجدون البنك المركزي لبلد إصدار تلك السندات تصل حقوق الملكية فيه صفرًا؟ وكيف سيكون موقف مؤسسات التصنيف الدولي التي تتابع أداء الاقتصاد المصري دوريا عندما تجد حقوق الملكية ببنك البنوك صفرا في حين أن حقوق الملكية تصل قيمتها إلى 129 مليار جنيه بالبنك الأهلي المصري، و97 مليار جنيه ببنك مصر في الوقت نفسه؟ حيث إن حقوق الملكية تمثل خط الدفاع الأخير لدى المركزي، للتدخل لأداء مهامه المتعددة التي حددها قانون البنوك له، ومنها التدخل لمساندة البنوك المتعثرة ومواجهة المشاكل الطارئة.

أضف تعليقك