• الصلاة القادمة

    العصر 13:46

 
news Image
Mar 19 22 at 11:37 PM

بقلم.. وائل قنديل

يتعرّض المواطن المصري، في هذه المرحلة، إلى موجتين من الاجتياح العنيف، قادمتين من اتجاهين مختلفين: الأول يشنه بضراوة وحش الأسعار المنفلت، فيخطف رغيفه ويغرس مخالبه في لحمه، ويبدّد كلّ أوهام الرخاء والاستقرار في وطن تحاصره إعلانات المشروعات العملاقة. الثاني، والذي لا يقل عنفًا، يأتي من جهة غيلان الإعلام الشرسة التي تنفذ العمليات ذاتها التي قامت بها مع حسني مبارك، قبل خلعه، مع عبد الفتاح السيسي الآن، بمنتهى التفاني والاستبسال في استهداف المواطن الذي صدّق وعود الرخاء والنماء، فوجدها قبض ريح.

سريعًا، جرت عملية استدعاء مفيد فوزي، رجل كل أزمنة الاستبداد، وجيء برفيق سلاحه عماد الدين أديب، للكلام بتوّسع واستفاضة عن الزعيم الذي يحمل، وحده من غير شريك، هموم العالم كله، ويواجه رياحًا عاتيًة كادت تعصف بالجميع، في مصر وخارج مصر، ويقود سفينة الكوكب وسط أجواء عاصفة، لا يقدِر عليها سواه.

يقول عماد الدين أديب، ردًا على سؤال من شقيقه، طرحه عليه باستظراف، باعتباره شقيقه وليس مذيعًا يحاور ضيفه، يقول إنّ السيسي هو الأكثر قلقًا على ظهر كوكب الأرض، لأنه يُحارب من أجل مصر والعالم منذ العام 2013، فهو في حربٍ اقتصاديةٍ من أجل تأمين احتياطي نقدي، لكي يتمكّن من الإنفاق على 95 مليون مواطن مصري (مهم أن نفتح قوسًا هنا لاسترساله إنّه كان على الزعيم أن يلبّي رغبات المصريين بأربعة مليارات جنيه فقط، وهنا يوقع نفسه تحت طائلة التدليس، كونه كان يتكلم عن احتياطي البنك المركزي من النقد الأجنبي، فكيف صار يحتسب بالجنيه المصري بديلًا عن الدولار .. لا يهم فالرجل منهمك في مهمة تعويم الزعيم). ثم يواصل كيف أنه خاض مذبحة رابعة العدوية، من أجل الإنسانية، وحارب الإخوان وحماس والإرهاب في سيناء وفي ليبيا .. ثم دخل مرحلة جديدة من الحرب ضد فيروس كورونا، ومع ما يسمّيها “مناوشات” بين الفلسطينيين والصهاينة، ثم استدار يحارب على جبهة الوضع الداخلي، صحة وتعليم و بلا بلا بلا .. وأخيرًا وجد نفسه يدفع فاتورة صراع الكبار في أوكرانيا. .. بالطبع، لن تلفت نظر عماد أديب مظاهر الإنفاق والبذخ الرئاسي على بناء القصور الجديدة وشراء الطائرات الرئاسية، وإنتاج أعمال درامية يطلبها الجنرال بالاسم، حتى باتت عملية إنتاجها مهمة وطنية مقدّسة، تسبق الإنتاج الزراعي والصناعي.

وكالعادة، ينهي عماد الدين أديب وصلته، بالطريقة ذاتها التي أنهى بها وصلته في محاولة تعويم مبارك 2011 بتوجيه نداء إلى العقلاء في جمهورية مصر العربية وإلى النخب: لا توّجهوا اللوم إلى الدولة (والرئيس بالطبع)، لأنه يواجه حادثة كونية، كبيرة أخطر من تسونامي، هو غير مسؤول عنها، وعلينا الاصطفاف خلف الرئيس.

اللحن نفسه، تسمعه بتوزيع مختلف من مفيد فوزي في فضائيةٍ أخرى، ثم يعزفه وزير الأوقاف، حين يطلب من المصريين الدعاء للوطن (الذي هو زعيمه) لمناسبة ليلة النصف من شعبان، وتجده بإيقاعاتٍ متفاوتةٍ في برامج التوك شو ومانشيتات الصحف، ليصبح واجب الوقت في هذه المرحلة الدقيقة من عمر الوطن هو إنقاذ الزعيم من المواطن الذي يصعقه الغلاء ويفترسه الفقر.

شيء من هذه المناحة القومية خوفًا على جنرال القصور والطائرات اندلع في سنوات سابقة، وجد فيها المواطن المصري نفسه هدفًا لحملاتٍ إعلاميةٍ مكثفة تتهمه بالجحود ونكران الجميل والاستعجال، وترفع تارًة شعار “السيسي لا ينام”، كما جرى في العام 2015، وهي الحملة التي دشّنها الراحل محمد حسنين هيكل، بقوله إنه يعلم أن السيسي لا ينام سوى ساعتين فقط يوميًا. ليتبعه مصطفى بكري بالاكتشاف الخطير، إنه ينام أربع ساعات في اليوم، وباقي اليوم شغل من أجل مصر. ثم يلحق به عماد الدين حسين في “الشروق”، معبّرًا عن انزعاجه من عدم نوم الرئيس، متأثّرا بحديث هيكل عن أرق سيادته “أتمنى أن يبادر الرئيس السيسي إلى وقف هذه العادة فورا، لأنه لا يمكن لشخصٍ أن يواصل حياته بمثل هذا المعدّل من ساعات النوم”. بعدها، بأقل من عامين، كانت حملة تستهدف المواطن الغاضب من التفريط في جزيرتي تيران وصنافير، تركّز على أنّ الزعيم كثير البكاء، خوفًا على مصر، ورأفًة بأبنائها وشهدائها .. يا له من زعيم إنسان، يتألم من أجل أكثر من مائة ألف مواطن يفتك بهم البرد شتاء، والقيظ صيفًا، والتنكيل طوال العام، في زنازينه، وينتحب حزنًا على عشرات المخفيين قسرًا، بعلم سيادته، كي لا يعطلوا مسيرة تنمية الوطن.

لا أعلم من هو الشرّير الذي أشار على السيسي بأن إطلاق عماد الدين أديب ومفيد فوزي على الناس يمكن أن يستميل الرأي العام، المحتقن غضبًا وألمًا من الكساد والفساد، ناحيته، ويجعله يتعاطف مع الذين أفقدوه قدرته على تأمين غذائه ودوائه؟ ومن هو الأكثر شرًا الذي ينصحهم بأن يعبّروا عن كل هذا الذعر من غضب الجماهير، فيؤكّدون المؤكّد، ويقرّون الواقع الذي ينطق بأنه لم يعد ثمّة متسّع عند الناس، لاستقبال مزيد من الأوهام والأكاذيب؟.

أضف تعليقك