• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
Mar 24 22 at 11:03 AM

صلاتنا في رمضان

{قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ () الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ }

مما يحب الله من عباده المؤمنين خشوعهم في الصلاة، وقد رتب عليه فلاحهم، فأول شروط الفلاح الخشوع في الصلاة، فحريّ بكل مؤمن أن تكون له وقفة -لاسيما- في رمضان مع هذه القضية، حرى به أن يسأل نفسه، ويتحرى إجابة أمينة صادقة، هل يخشع في صلاته، هل يكتب عند الله من الخاشعين في الصلاة، كما أمرنا الله- سبحانه، وجعلها وصفًا للمؤمنين، وشرطاً للفوز العظيم؟

والخشوع هو قيام القلب بين يدي الرب بالخُضُوع والذُّلِّ، قال الإمام ابن القيم رحمه الله: “وأجمع العارفون على أن الخشوع محله القلب، وثمرته على الجوارح، وهي تظهره” وقال الإمام ابن رجب رحمه الله: “وأصل الخشوع هو لين القلب ورقته، وسكونه، وخضوعه، وانكساره، وحرقته، فإذا خشع القلب تبعه خشوع جميع الجوارح، والأعضاء؛ لأنها تابعة له، كما قال النبي- صلى الله عليه وسلم-: “… ألاَ وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلاَ وَهِيَ الْقَلْبُ” فإذا خشع القلب خشع: السمع، والبصر، والرأس، والوجه، وسائر الأعضاء، وما ينشأ منها حتى الكلام؛ ولهذا كان النبي- صلى الله عليه وسلم- يقول في ركوعه في الصلاة: ” .. اللَّهُمَّ لَكَ رَكَعْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَلَكَ أَسْلَمْتُ، خَشَعَ لَكَ سَمْعِي، وَبَصَرِي، وَمُخِّي، وَعَظْمِي، وَعَصَبِي” وَمَا اسْتَقَلَّتْ بِهِ قَدَمِي” فالخشوع هو لين القلب، وخضوعه، ورقته، وسكونه، وحضوره وقت تَلبُّسه بطاعة الله، فتتبعه جميع الجوارح والأعضاء ظاهرًا وباطنًا؛ لأنها تابعة للقلب، وهو أميرها، وهي جنوده، والله تعالى أعلم، فالخشوع علم نافع، وعمل صالح من أعمال القلوب، ويتبعه عمل الجوارح.

فإذا تلبس المصلي به عند أدائه الصلاة كانت صلاته أرجى قبولًا، وأرضى لمولاه، ويكون قد أظهر بخشوعه جده فى منافسة الصالحين، ومسابقة المقربين، وحرصه على الفوز والفلاح، بالتعرض لأسبابه، والالتزام بشروطه، وكان رجاؤه فيما عند الله أقوى، وأمله فى الاصطفاء أحق، فصلاح الصلاة من أهم ما يميز الناس، وحسن أدائها مما يرفع الدرجات، والاجتهاد في ذلك من لوازم الصادقين.

ولن يكون إلا شهر رمضان، بخيره وبركته، وروحانيته، وإقبال القلوب، والرغبة فيما عند الله- سبحانه- لن يكون كشهر رمضان وقتًا يحرز فيه المؤمن ما يرجو، ويرتقى فيه إلى الكمالات، ويجود في صلاته، فيحسن أداءها على أفضل ما يستطيع، ويستحضر خشوعه فيها، بأعمق ما يمكنه.

فكيف تخطط لصلاتك في رمضان؟ كيف ترى خشوعك في الصلاة في رمضان؟ ما الذى يمكنك إنجازه في هذا الباب؟ اعلم أنه من السهل اليسير عليك في رمضان أن تحرز تقدمًا كبيرًا في هذا الباب، فالصيام، وقلة الطعام، وكثرة الذكر، واستحضار المنافسة مع المؤمنين، والمسارعة إلى الخيرات، والمسابقة في ذلك، هذه العوامل مجتمعة تدفعك دفعًا، وتدعوك بقوة، لأن تتخذ القرار الأصوب، والأكثر بركة في حياتك، والأشد تأثيرًا في سائر عباداتك، إنه إصلاح الصلاة، أو تغيير مستوى صلاتك، لتكون صلاة الخاشعين، تلك الصلاة التى تربط بين العبد وربه، وترفعه في كل ركعة، وكل سجدة، وكل ذكر من أذكارها، ترفعه في عوالم القرب، ويذيق بها لذة المناجاة، وحلاوة التعبد، لتكون صلاة تريح القلوب والنفوس، كما ورد: (أرحنا بها يا بلال). تكون صلاة تدفع الهموم، فقد كان النبى ـصلى الله عليه وسلم- إذا حزبه أمر قام إلى الصلاة، فى نهاية الأمر تكون صلاته صلاة حقيقية، كما أرادها الله، ليست شكلًا، ولا جسدًا، إنما صلة قوية حقيقية بين العبد وربه.

عليك أن تستثمر رمضان في الصلاة، عليك أن تحشد جيوشك- المحتشدة بالفعل- لتحقق انتصارك الكبير، عليك أن تقتنص الفرصة بأكملها، وتأخذ منها أفضل ما فيها، فتتعود على صلاة ليست كما سبقها من صلاة، تخرج من رمضان هذا العام وقد أصلحت صلاتك، تخرج من رمضان وقد تعودت على صلاة النبيين والصديقين، صلاة الصحابة والتابعين، صلاة الروح، صلاة القلب، صلاة الجوارح كلها، صلاة لا مثيل للذتها، ولا مفر من الاستمرار عليها، فمن ذاق لذة الوصال استحال عليه الفراق.

والأمر يسير، نية خالصة وعزم صادق، وإعداد وأخذ بالأسباب، {وما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رّحِيم}فالإعداد الجيد لكل دواعى الخشوع، من شرائط الصلاة المعروفة، وإخلاء الذهن من علائق الفكر والشواغل، واستحضار الحاجة والفقر للرب العظيم، واستحضار عظمته في القلب، واستحضار لقائه، ومناجاته، ثم التركيز في كل لفظة وحركة يأتيها العبد في صلاته، فيتفكر فيما يذكر الله، وفيما يدعوه، ويجتهد فى استجماع القلب والعقل والفكر، ويجاهد شوارده، ويتلذذ بصلاته وجهاده، ومدافعته، وليتيقن أن الله معه، يرضى عنه حين يسعى لرضوانه، ويوفقه حين يرغب في قربه، فإذا به يكرر ويكرر، ويصر على الوصول، إذا به يرى ويسمع ويلمس توفيق الله، ورحمة الله، وتثبيت الله، وقوة الله التى تشده ليعلو ويرتقى، حينها لا يسعه إلا الركوض فى المضمار، والتشبث بما حقق، والتطلع للمزيد.

إنها الخطوة الأولى، التى يقطعها العبد إلى مولاه، فإذا بخيرات الله تنهمر، وإذا العبد في سعادة لا مثيل لها، وربما عليك ألا تنتظر، فابدأ الآن! لا تنتظر! لا تنتظر رمضان! اجعل رمضان يأتيك وقد أصلحت صلاتك! أو بدأت بالفعل!

أضف تعليقك