• الصلاة القادمة

    العصر 13:46

 
news Image
منذ ثانية واحدة

كتب الدكتور محمد محسوب، وزير الدولة للشئون القانونية، بحكومة المهندس هشام قنديل، منشور مطولا على صفحته بموقع «فيس بوك»، تحت عنوان "معادلة الانقلاب مستمرة".

وجاء نص التدوية كالتالي:

أذنت ساعة الانقلاب منذ أحداث الاتحادية في نوفمبر 2012، في اللحظة التي دعى فيها وزير دفاع لحوار وطني في زارة الدفاع بعيدا عن رئاسة الجمهورية.

فقبلت شخصيات معارضة الدعوة وكأنهم انتظروها منذ زمن.. وامتطى الجميع سيارته في طريقه لوزارة الدفاع.. ومن خلفهم تاريخ مُعطر بضعف القوى السياسية وتهافتها وقلة حيلتها، وتفضيلها استحضار مؤسسة القوة على مؤسسة الشرعية..

وترددت مؤسسة الشرعية، قبل أن تطالب وزارة الدفاع بإلغاء دعوتها، وكان عليها أن تقيل في وقتها وزير الدفاع أو أن تُعلن للشعب عدم قدرتها على المساس بأحد وزراء حكومة أقسمت اليمين أمامها، وأنه فوق المحاسبة..

في هذه اللحظة أقتنع من يُجهز للانقلاب أن الباب أصبح مفتوحا.. وأيقن من يتخوف منه أنه قادم ما لم يتعقل القوم بكل أطرافهم ويدركون أن حصن الثورة هو اصطفافها..

ومازال بعض الطيبين يقولون أن الانقلاب كان قدرا.. وأننا لم نكن نملك من أمرنا شيئا.. تخاريف الصيام عن الثورة عندما تلد يأسا وإحباطا وتيارات الجبرية الوطنية التي ترى أن كل شئ بيد غيرها، وأنها ليست إلا مفعولا بها..

والحقيقة أن هذه اللحظة كانت الأنسب لوئد الانقلاب..

فالاستجابة للحوار الوطني الذي أطلقته الرئاسة كان كفيلا بفتح أبواب الأمل مرة أخرى للثورة.. خصوصا أن الرئاسة قبلت أن تمنح الشرعية لأي اتفاق وطني أيا كانت صيغته بدون حدود ولا سقوف..

وأذكر أني باتصالي مع أحد أقطاب المعارضة في حينها – وكلنا اليوم معارضة – قال لي على الرئاسة أن تلغي الإعلان الدستور.. فقلت له اعتبره ملغيا فالرئاسة نفسها تبحث طريقا لإلغائه..

فعاد بعدها ليتصل بي ويخبرني أن على الرئاسة أن تلغي أو توقف الجمعية التأسيسية وأن لا تدعو لأي استفتاء على الدستور..

فأخذت نفسا عميقا لأخبره مايلي:

1- الجمعية التأسيسية تكونت قبل الرئاسة على أساس م 60 من إعلان دستوري أقسمت الرئاسة على احترامه.. ولا يُمكنها أن تتلاعب بهذه المادة أو غيرها..

2- أن الجمعية التأسيسية هي سلطة تأسيسية فوق كل السلطات إلا الشعب..

3- أن إلغاء أو تعديل الجمعية التأسيسية ممكن ومقبول فقط في حالة إسقاط الإعلان الدستوري 30 مارس 2011، وهو ما لا يملكه أي رئيس، لأن كل الأطراف ستعتبره انقلابا على دستور أقسم عليه، وإنما يُمكن لاجتماع وطني لكل القوى الوطنية والثورية أن تفعله إذا التقت في الحوار الوطني وفرضت ذلك، عندها يُمكن للرئاسة أن تكون الأداة القانونية لإصدار إعلان دستوري جديد توافقت ووقعت عليه كل القوى السياسية، يشتمل على أوضاع جديدة لجمعية تأسيسية جديدة وخارطة طريق جديدة تضعها القوى الوطنية وليس مجلسا عينه مبارك، وأن ما افهمه أن الرئيس يقبل ذلك..

4- أن انسحاب الجميع من التأسيسية دون أن يجتمع الجميع لبناء خارطة طريق وطنية جديدة، هو إلقاء بالسلطة التأسيسية بيد المجلس العسكري التي أراد أن يمتلكها بالإعلان الدستوري المكمل في 17 يونيو 2012، لأن أحدا لن يقر للرئيس المنتخب على أساس إعلان دستوري للمجلس العسكري أن يشكل منفردا سلطة تأسيسية جديدة..

5- إجمالا أطراف الثورة وممثلي الشعب هم من يملكون السلطة التأسيسية، والرئيس يُمكن أن يكون جزءا من ذلك، لكنه لا يُمكن أن يفعل ذلك منفردا، ولذا يجب أن يضع الجميع توقيعه على خارطة طريق جديد ليتحمل مسئوليته في الدفاع عنها وإنجاحها..

ويبدو أني كنت أتحدث في ملطة، إذا لم أكد أنتهي حتى صارحني محدثي أن هذه مشكلة من يقود وليست مشكلتنا، إن لم يلغِ التأسيسية فلن نحضر أي حوار وطني..

كان رفض حضور الحوار الوطني درجة تالية ضمن سلسة من درجات الترقي إلى الانقلاب، تبعتها درجات أخرى..

انتهى الاستفتاء على الدستور بموافقة 64% من الشعب في معركة حامية الوطيس في مواجهة مؤسسات متمردة..

وكان ذلك أكثر بكثير مما حصل عليه الرئيس عند انتخابه في يونيو 2012..

ورغم عدم استجابة المعارضة للحوار الوطني، كان يُمكن لنتيجة الاستفتاء في 25 ديسمبر 2012 أن تكون نقطة تحول.. فثمة رد قام به الشعب على محاولة انقلاب مؤسسات الدولة على رئيس منتخب..

وإذا كان الرؤساء لا يملكون سوى الشرعية في مواجهة تمرد مؤسسات الدولة.. فيُمكنهم الحصول على سلطة الفعل بطريقتين:

- إما تكوين حكومة مواجهة تعمل بحسم على ترويض مؤسسات الدولة وتملك توحيد الشارع..

- أو تشكيل حكومة توافق تجمع قوى السياسيين لخلق توازن مع قوى المؤسسات التي لا تؤمن بالثورة ولا بالإصلاح..

لا تنجح الانقلابات إلا إذا مال الخلل في التوازن لصالح سلطة الفعل التي تسعى للانقضاض على الشرعية، على حساب سلطة الشرعية التي لا تملك الفعل..

والخطأ كل خطأ أن تسلك طريقا بين الطريقين فلا مواجهة ولا توافق.. بل تشكيل حكومة تواؤم مع المؤسسات المتمردة.. فلن تكسب المؤسسات بل سيزيد جشعها، بينما ستخسر الشركاء وسيزيد حنقهم..

فإما السيطرة على المؤسسات التي توالي النظام القديم وتطهيرها أو شغل كل مساحة السياسة وجمع أطرافها..

لا تكون مواجهة تمرد المؤسسات إلا بحكومة قوامها المواجهون والثوريون والمؤمنون حتى النخاع بحق الشعب في أن يحكم، ممن يملكون الشجاعة والمبادأة ويملكون الفعل ويحسبون ردة الفعل..

فإذا فضلت أن تؤجل مواجهة النظام القديم المتربص بالثورة، فعليك بأن تملك السياسة بأن تتوافق مع أطرافها من ابناء الثورة لتهميش الدخلاء وتحصين الصفوف من الفرقة، فيُدرك الانقلاب أنه لن يُواجه الرئيس وفصيله، بل كل الثورة كما بدأت أول مرة..

الآن بعد ثلاثة سنوات ونصف منذ بدء العدل التنازلي للانقلاب، وثلاث سنوات من اكتماله، مازال الكثيرون لم يعوا الدرس..

فبعض من عارض الرئيس المنتخب مازال يرى أن الأهم من الإفلات من كوارث انقلاب يُدمر الوطن، هو ضمان بقاء الرئيس المنتخب مختطفا وعدم ترك أي مساحة لحزبه أو جماعته..

وبعض من أيد الرئيس المنتخب مازال يرى أن الأولوية لإقصاء من عارضه..

ما يفعله هؤلاء وهؤلاء هو دعم واضح للانقلاب، بالحفاظ على نفس المعادلة التي تميل لصالح الانقلابيين..

فالرئيس المنتخب مختطف..

والقوى السياسية مُطاردة..

وشركاء الأمس ممزقون..

بينما يقوم الانقلاب بتكسير عظام الوطن..

لن يُنقذ الوطن الاكتفاء بالمعارك الضيقة حول قانون هنا وقضية هناك مع إقرار بشرعية من سرق البلاد بقوة السلاح.. والتسليبم له بالفعل وبالشرعية.. مع تقديرنا لحجم ما يتحمله المناضلون في هذا الميدان..

ولن يُنقذ الوطن البكاء على اللبن المسكوب ورفض الاصطفاف والتوعد بالثبات لآخر معتقل ولآخر متظاهر.. مع تقديرنا لروح الثبات وعلو همم من يدعو لذلك..

فكلا الموقفين ليس إلا ما يبتغيه الانقلاب ويستميت لاستمراره.. فهو يُريد الجميع متحجرين على نفس المواقف التي كانوا عليها يوم 29 يونيو 2013.. وكأن من يحكم يحكم.. ومن يُعارض يعارض.. بينما أن كلاهما تحت حجر الطحين الذي يُنتج غذاء الانقلاب..

وهو يرغب من كل طرف أن يستمر في معركته الخاصة مطلقا العنان لمشاعره وضغائنه دون أن يتهيأ المناخ لبناء معادلة جديدة تميل لصالح مطالب الشعب وتحرم الانقلاب من أسباب البقاء..

الشعوب تنتفض لتنتصر.. لا لتدير معاركها ممزقة مفتتة القوى ضد طواحين الهواء ليُشبع كل طرف رغبته في رؤية الآخر منكسرا ..

ولا تنتصر الشعوب على مستبديها وفاسديها وسارقي أحلامها، إلا في اللحظة التي يكون فيها الانتصار نصرا للجميع وإنقاذا للجميع وقبل ذلك مطلبا للجميع.

 

 

أضف تعليقك