• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
منذ ثانيتين

من عاداتي المفضلة، إغلاق صوت التلفزيون بالساعات، والاكتفاء بمشاهدة الصورة، وهي عادة تكشف الوجه الآخر لمقدمي البرامج، فتتجلى أمامك لميس الحديدي، كما لو كانت عفريتاً من الجن، توشك أسنانها أن تتمدد إلى خارج فمها، كما توشك عيناها أن تقدح شراراً، فأعيش ليلة من الكوابيس المرعبة، حتى وإن استضافت يسرا، كما فعلت في الأسبوع الماضي. وإغلاق الصوت يجعلك تنتبه إلى أمور أخرى خارج موضوع الحلقة، فقد اكتشفت أن الفنانة الجميلة، زحفت عليها الشيخوخة، وطبعت بصمتها في أكثر من موقع، تحاشت الكاميرا أن تحط على الأبرز في هذه المواقع، فاخفت يدها، ولأنه لا يغني حذر من قدر فقد حطت الكاميرا عليها، فإذا بعروقها نافرة، يقولون إن عمليات الشد، وإن تصلح مع الوجه، فإنها لا تصلح للرقبة واليدين، فهل يصلح الحداد ما أفسده الدهر؟!

 

ومن أسرار المهنة، أنه لن يمكنك أن تقوم بعملية تقييم لصوت مذيع بعيداً عن المؤثرات الجانبية، إلا إذا استمعت له صوتاً بدون صورة، فاعطي جهاز التلفزيون ظهرك، واستمع، لتكتشف أن الدنيا لم تعد كما كانت في زمن «هنا لندن» وها هو «أيوب صديق»، أو «محمد الأزرق» يحييكم، وكلاهما سوداني، والأصوات القوية، الجميلة، صنعت في السودان، وإذا كنت من الجيل الحالي، الذي أصبح فيه التقديم التلفزيوني مهنة من لا مهنة له، وصار فيه «معتز عبد الفتاح» مذيعاً، ولم تعاصر مرحلة «هنا لندن»، فاستمع إلى الحشد من القوة والجمال، الذي يمثله صوت «محمد الكبير الكتبي» في الجزيرة.

 

وليس الجمال في قوة الصوت فقط، فلم يكن الصوت الملائكي للفنانة نجاة قوياً، فقوته في ضعفه، تماماً مثل الصوت غير المسبوق للشيخ عبد الباسط عبد الصمد، وكذلك صوت «خديجة بن قنة»، ولو كان جمال الأصوات في قوتها فقط، لأضحى التقديم التلفزيوني لا تصلح له النساء، وهو في جميع الأحوال لا تصلح له «لميس الحديدي»، رجلاً كانت أم امرأة، فصوتها يحدث للمستمع «تلبكا معويا»، وإغلاق الصوت يجعل المشاهد يتصور أنه كان يقوم بمهمة تحضير الجان، وقد حضروا.

السودان لم يحصل على «التوكيل الحصري»، للأصوات التي تجمع بين القوة والجمال، والدليل وجود الفلسطيني «جمال ريان»، وصوته «حشد قتال»، والدليل أيضا وجود الصوت المذهل قوتا وجمالا للفلسطيني أيضا «أحمد الشيخ»، الذي أعاد المشاهد اكتشافه في برنامج «فصاحة» على تلفزيون قطر، فلفت الانتباه إلى هذا التلفزيون، الذي يقدم برنامجا بهذا المستوى، وتكمن مشكلته في أنه التلفزيون الرسمي، والمشاهد عزف عن كل الإعلام الرسمي، لكن أداء «الشيخ» وهذا البرنامج/ المسابقة، وصل للناس عبر «السوشيال ميديا» فلفت الوجدان إلى البرنامج وفكرته وإلى «الشيخ» وصوته، وإلى القناة وقدرتها على جذبه الإنتباه وإن كانت قناة قطر الرسمية.

 

صوت حمدي قنديل

 

وكدت أنسى، بدوافع حالة الاستقطاب السياسي، صوتاً يجمع القوة والجمال هو صوت المصري «حمدي قنديل»، الرجل الذي أعاد المشاهد للتلفزيون المصري من جديد، ورد الاعتبار للبرنامج التلفزيوني السياسي، والذي لم يتحمل استبداد مبارك نجاحه فأوقفه، وعندما انتقل به إلى قناة «دريم» الخاصة طارده، ليهرب إلى تلفزيون «دبي» فتصل إليه يد النظام الاستبدادي فيتم وقفه أيضا.

أيد «قنديل» 30 يونيو، ثم اختفى إلا من ظهور قليل، ولا أستطيع أن أحكم عليه بأنه جاني بالكامل، فقد كان رمزاً من رموز ثورة يناير، وكان في جولة الإعادة في الانتخابات الرئاسية من الذين تصدروا المشهد من القوى المدنية ودعوا لانتخاب الدكتور محمد مرسي، ثم جرى التنكر له بالكامل!

الإخوان يقولون إنهم عرضوا عليه منصب وزير الإعلام وأنه اعتذر، ولا أستطيع أن أجزم بذلك، فمعلوماتي أن هذا المنصب عرض على واحدة تنتمي لدولة مبارك هي درية شرف الدين ورفضت، لتصبح وزيرة في عهد الإنقلاب العسكري، وهو تصرف طبيعي من واحدة تنتمي للنظام البائد، الذي عاد بعد حركة ضباط الجيش في 3 يوليو/تموز 2013. والإخوان لم يملوا من القول إنهم عرضوا منصب رئيس الوزراء على الدكتور محمد البرادعي من أول يوم للرئيس محمد مرسي في السلطة، وأنه طالب بتوسيع صلاحياته في رواية، واعتذر في رواية أخرى، ولم يكن هذا صحيحاً البتة!

 

انتظرنا أن يعود حمدي قنديل لشاشة التلفزيون المصري، بعد تنحي مبارك، لكن من حكموا تولوا الحكم بقرار من المخلوع، وكان ولاؤهم له لا يخفونه إلا عندما تشتد الثورة في الميدان. ثم انتظرنا أن يعود البرنامج في عهد الدكتور محمد مرسي، لكن القوم قالوا إن تهديدات من داخل مبنى ماسبيرو بأنهم لم يسمحوا له بالظهور، وقرأت خبراً بهذا المعنى منشوراً في إحدى الصحف يتحدث عن تهديدات لم يتم الإعلان عن مصدرها، وفي ظني أن الإرادة لعودته لم تكن متوفرة من الأصل.

 

هناك أخطاء جمة ارتكبت، لكنها لم تكن مبرراً أبداً لحمدي قنديل أن ينتصر لنفسه، ويكون كمن نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثاً فيخرج في يوم 30 يونيو كغطاء مدني للانقلاب على الثورة، وتمكين «عسكر مبارك» منها!

 

«سيدي عبد الفتاح السيسي»

 

أعلم أن جزءاً من الأزمة مرده إلى ثقة المصريين في جيشهم، والتي امتدت لقياداته، مع أن هذه القيادات من الاختيار الحر المباشر لحسني مبارك، وهو حسن النية الذي جعل الرئيس مرسي يثق في عبد الفتاح السيسي، حد تصديقه وهو يقوم بدور أحد أولياء الله الصالحين، لم يتبق سوى أن نشيد له ضريحاً، وننصب له «حلقة ذكر»، وتقدم له النذور من العانس إذا تزوجت، ومن الفاشل إذا التحق بكليات القمة، وإذا كان لكل «ولي كرامات»، فهل هناك كرامة أكثر من أن شخصاً بقدرات السيسي المتواضعة يمكنه أن يخدع كل القوى الوطنية المتنازعة، إلا إذا كان «مولانا العارف بالله سيدي عبد الفتاح السيسي»، الذي لم يملك ذكاء القطب الصوفي الكبير «أحمد البدوي»، الذي نجح في خداع مريديه فلم يطلعهم على وجهه أبداً وقد صدقوا أن نور وجهه سيحرقهم إذا كشفه، على النحو الذي ورد في الكتاب المهم للدكتور أحمد صبحي منصور: «أحمد البدوي.. بين الحقيقة والخرافة»، ومع أنه لم يكن بذكاء «البدوي» فقد خدع الجميع، إلا من رحم ربي!

أسف لأنني قلبت عليكم المواجع، وكانت النية منعقدة هذا الأسبوع على البعد عن السياسة!

 

ما علينا، فمستوى صوت «نجاة الصغيرة» الذي يستمد قوته من ضعفه، تجده في صوت مذيعة الجزيرة «صابرين الحاج فرج»، ولا أعرف ما هو محل «الحاج» من الإعراب؟ تماما كما لا أعرف محل «آي» في اسم زميلها «عثمان آي فرح»، فتى إريتريا الأول، وفي القاهرة كان طلاب الأزهر الذين يتعرفون علي من الأريتريين يعرفون أنفسهم بأنهم من إريتريا بلد «عثمان آي فرح»، وفي الدوحة الأمر نفسه حتى ظننت أنه مؤهل لخوض الانتخابات الرئاسية هناك والفوز، لولا أنني علمت أنه رأي إريتريا «فيديو»!

أتفهم لقب «ولد»، بكسر الواو، في الأسماء الموريتانية، فهو يقوم بدون «بن»، أو «ابن»، إنما يظل «آي» و»الحاج»، مما ليس معروفاً على الأقل بالنسبة لي، وهذا التنوع في الأسماء تجده بشكل أكثر وضوحاً في «الجزيرة» وكانت مصر مؤهلة لذلك، لكن دولة السيسي، ضاقت بما رحبت، انظر كيف تعاملت الأذرع الإعلامية له مع قرار طرد اللبنانية ليليان داوود؟ كما لو كان في وجودها على الأرض المصرية، مما يحط من القدر ويسقط الأهلية والاعتبار، ولا بأس فقد اتسعت مصر لكل العرب عندما كانت كبيرة، وضاقت حتى بأهلها عندما حكمها من لا يصلح لإدارة حي من أحيائها!

 

«حالة الضياع»

 

في بداية هذه الزاوية قلت إن الدنيا لم تعد كما كانت؛ فنحن في زمن صار فيه الأخنف يعمل مذيعاً، و«اللدغة» ست جيرانها، وعندما لا يوجد هناك اعتبار للمعايير وتغيب القواعد يصبح السيسي رئيساً، ولميس الحديدي مذيعة، والأول عندما انتصب خطيباً ليقول إن مصر حملتني برسالة، كشف عن حالة ضياع تسود، كتلك التي أنتجت أحمد موسى مذيعاً، فذات الحالة التي أنتجت كلاهما!

في هذه الأيام نحن في موسم تخريج الدفعات من الكليات الحربية، فقمت بضبط الإرسال على التلفزيون المصري، فالسيسي سيكون حاضراً بطبيعة الحال حفلات التخرج لهذه الكليات، ووجوده مهم بصفته منتجا للمادة الخام للفكاهة، يكفي أن يتكلم، حتى تنفجر مواقع التواصل الإجتماعي بالسخرية!

 

كنت بطبيعة الحال، أغلق الصوت، وأقرأ الوجوه، سواء في العروض العسكرية أو في البرامج التلفزيونية بشكل عام، وكنت أغادر إلى قنوات أخرى سريعاً وأعود إلى الأولى المصرية، شاهدت منى الشاذلي وهي تستضيف هاني شاكر، فقد توقفت عن السياسة بعد أن كشفت نفسها بلحظة بكائها على مبارك، وكان العوام ينظرون إليها على أنها لسان الثورة، لكن ميزة هذا التحول أنه أبعدها عن مرمى النيران، فالسيسي يؤمم الفضائيات، فلن يكون مسموحا لأي فضائية أن تتكلم في السياسة إلا فضائية تؤسسها الآن جهة أمنية، وكانت «لميس» في لحظة تحول وقد استضافت يسرا، فهل يبعدها هذا عن مرمي النيران، أم «فات الميعاد» وستلحق ببعلها «عمرو أديب»، الذي أبعد من مجال العمل التلفزيوني؟!

الغريب، رغم هذا الحرص من ناحيتي على مشاهدة السيسي خطيباً فقد فلت مني لقاؤه الطيب المبارك مع الشباب، وشاهدته على «اليوتيوب»، حيث وقف «حسام» ليخبر السيسي بأنه لم ينتخبه، فيضحك السيسي حتى يوشك أن يغمى عليه من الضحك، ورغم أن الفتى لم يذكر اسمه، إلا أن السيسي قال له اقعد يا «حسام»!

 

أراد أن يقول إن اللقاء تم بشكل عشوائي، لكن «الكذب ليس له رجلين»، إنها سلطة بدائية حتى في مجال التأليف السينمائي!

بمناسبة الحديث عن الأصوات، فأداء السيسي ونبرة صوته، تؤهله لتقديم البرنامج الإذاعي «اعترافات ليلية»!

أضف تعليقك