• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
منذ ثانية واحدة

قال ممدوح الولي، الكاتب الصحفي والخبير الاقتصادي، إنه بالتزامن مع احتفالات سلطات الانقلاب ولمدة أسابيع بـ"مولد سيدى صندوق النقد الدولي"، وبعد احتفالات سابقة بـ"مولد تفريعة قناة السويس والمؤتمر الاقتصادي" وغيرهما، لم يتوقف الخراب الاقتصادي على سد سلطات الانقلاب.

وأضاف نقيب الصحفيين الأسبق خلال مقال نشره اليوم الجمعة ، "أننا قضينا ثلاث سنوات من "الموالد" المستمرة دون أن تحقق وعود تحسن الأحوال، وما يحدث هو العكس تماما، موضحا أن المولد الجديد لصندوق النقد الدولى الذى سيقرضنا 4 مليارات دولار سنويا، لمدة ثلاثة سنوات، ويعطينا شهادة تمكننا من اقتراض ثلاث مليارات دولار أخرى سنويا من جهات أخرى خلال السنوات الثلاث، لن يختلف عن سابقيه في الكذب باسم المشروعات القومية".

 وإلى نص المقال:

وبدأ صخب المولد الجديد منذ مساء الثلاثاء الماضى، وأقيمت سرادقات المديح والطبل بالفضائيات والصحف، للإشادة بالقروض المرتقبة والتى ستحل كل مشاكلنا، مثلما وعدت سرادقات قناة السويس الجديدة والمؤتمر الاقتصادى والمشروعات القومية وصندوق تحيا مصر وغيرها.

وبعيدا عن صخب كبار المسؤلين والإعلاميين الزمارين، وقيادات تجمعات رجال الأعمال التى تخشى غضب النظام الحاكم، وتكيل المديح لكل قراراته بغض النظر عن اقتناعهم بها، نتساءل بهدوء كم تبلغ قيمة القرض الذى سنطلبه من الصندوق ونأمل أن يوافق عليه؟ والجواب 4 مليار دولار.. لكن مدفوعات ميزان المدفوعات المصرى بالعام الماضى بلغت 87 مليار دولار، أى أن قيمة قرض الصندوق وقروض الجهات الأخرى والبالغة معا 7 مليار دولار، تمثل نسبة 8 % فقط من المدفوعات المصرية.

القروض تكفي احتياجات شهر

ونتساءل أيضا عن المقارنة بين قيمة القروض المطلوبة الجديدة والبالغة 7 مليار دولار، والقروض التى حصلنا عليها من قبل، لنجد أن المستخدم من القروض والودائع الأجنبية بالعام الماضى بلغت 23.7 مليار دولار، أى أكثر من ثلاثة أضعاف القروض الجديدة المطلوبة، ليظل السؤال الرئيسى: إذا كانت قروض قيمتها 23.7 مليار دولار فى عام 2015 لم تحل المشكلة، فهل تنجح المليارات السبعة في حلها؟

والإجابة واضحة بأنها لن تنجح ولن تكفى، حيث تكاد تكفى احتياجاتنا من النقد الأجنبى لمدة شهر واحد فقط، وربما حدثت بعض التهدئة المؤقتة بالأسواق مصحوبة بالحملات البوليسية، لكنها ستعود مرة أخرى بعد وقت قصير للاشتعال.. خاصة أن نائب وزير المالية قال أن تكلفة الدين الخارجى من أقساط وفوائد بالعام المالى الحالى ستصل إلى 8 مليار دولار، أى أكبر من قيمة قروض الصندوق وغيره من المؤسسات الدولية والإقليمية.

بينما لدينا فجوة دولارية سنوية بنحو 12 مليار دولار، وهناك عجز بالأصول الأجنبية بالجهاز المصرفى بلغت 9 مليار دولار حتى أبريل الماضى، وقيمة عجز الموازنة المتوقع 36 مليار دولار، وهناك احتياج لتمويل واردات سلعية بنحو 6 مليار دولار شهريا، واحتياجات لتمويل فوائد استثمارات الأجانب بمصر، وسياحة المصريين خارج البلاد ومدفوعات أخرى خدمية متنوعة.

استمرار انخفاض الموارد الرئيسية

مما سبق يتضح أن المكون الأكبر لموارد النقد الأجنبى يتمثل فى تحويلات المصريين بالخارج، والصادرات، والاستثمارات الأجنبية، والسياحة، وإيرادات قناة السويس، والمعونات، لكن كل تلك الموارد الرئيسية بها مشاكل تقلل من إيراداتها، فوجود فجوة كبيرة بين السعر الرسمى والموازى للدولار سيبعد تحويلات المصريين بالخارج عن البنوك.

وهو نفس السبب الذى سيحول دون مجيء استثمارات أجنبية إلى جانب أسباب أخرى تتعلق بحالة عدم الاستقرار  السياسى والأمنى، والشركات المصرية المصدرة لا تدخل أى دولار من حصيلة صادراتها للجهاز المصرفى، حيث تستبقيها بالخارج لشراء المستلزمات، وبالنسبة للسياحة فهناك شك كبير فى إمكان اللحاق بالموسم الشتوى الذى يبدأ فى أكتوبر القادم.

وايرادات قناة السويس مازالت متأثرة بضعف النمو العالمى وضعف التجارة الدولية، وها هو صندوق النقد الدولى يخفض مؤخرا نسبة النمو العالمى المتوقعة بالعام الحالى، أما المعونات الخليجية فقد أصابها الضمور منذ بداية العام الماضى وحتى الآن مع تراجع أسعار البترول، وحتى المعونات الأوربية فسوف تتأثر بموقف البرلمان الأوروبى بعد حادث مقتل الباحث الإيطالى جوليو ريجينى.

قروض مشروطة تضر بالفقراء

وإذا كنا لم نستفد بالمعونات الخليجية الضخمة ثم بالقروض الخليجية غير المشروطة، فسوف يختلف الأمر مع قروض الصندوق المرتبطة بشروط، تتعلق بخفض عجز الموازنة، أى خفض الدعم على المواد البترولية والكهرباء، وزيادة الإيرادات الضريبية من خلال فرض ضريبة القيمة المضافة، واتباع سياسة أكثر مرونة لسعر الصرف، أى خفض جديد للجنيه بما يرفع من معدلات التضخم ويزيد معاناة الطبقات الفقيرة.

وقد تتعثر أقساط قروض الصندوق، عندما لا نستجيب له عند الاستمرار فى طبع النقود، أو عندما يطالبنا بتوسيع دور القطاع الخاص، بينما البوصلة قد اتجهت لتوسيع دور الجيش بالنشاط الاقتصادى، وكذلك عندما يطالبنا بائتمان أكثر للقطاع الخاص، بينما غالب توظيف أصول البنوك يتجه لسد عجز الموازنة.

وهكذا تبدو الصورة معقدة، خاصة وأن النظرة المستقبلية للاقتصاد من خلال وكالات التصنيف الدولية سلبية، مع اتجاه القروض الجديدة لسد عجز الموازنة، وعجز البنك المركزى عن تلبية احتياجات المستوردين والشركات من العملات الأجنبية، مما يعنى استمرار اللجوء لشركات الصرافة والسوق السوداء، واستمرار ضعف الموارد الدولارية عن تلبية الطلب المتزايد عليها.

لذا سيظل المستثمرون الأجانب بعيدا لبعض الوقت حتى يجدوا سعرا واحدا للصرف، ومناخا ديموقراطيا وقضاءً عادلا يطمئنون على شركاتهم فى ظله  واستقرارا اجتماعيا مبني على عدالة اجتماعية، تمتد من الأجور إلى الخدمات الصحية والتعليمية والمرافق العامة.

أضف تعليقك