• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
منذ ثانية واحدة

ذكر البعض أنه حين تم وضع  مشاريع القوانين الأهلية سنة 1883م ، تم عرضها على لجنة من علماء الأزهر الشريف تضم علماء من المذاهب الأربعة لمراجعتها،فجاء فى تقريرها أن هذه القوانين إما أن توافق نصاً فى أحد المذاهب الأربعة، أو أنها لا تعارض نصاً فيه، أو أنها تعتبر من قبيل المصالح المرسلة التى يجوز الاجتهاد فيها رعاية لمصالح الناس . 
أى أن القانون الوضعى يعد ملتزماً بالشريعة الإسلامية ـ طبقاً لهذا الرأى ـ ما دام لا يخالفها، بمعنى عدم ورود نص أو حكم فى القانون يخالف نصوص وأحكام الشريعة الإسلامية، ولو كان القانون أجنبى الأصل.  
وورد فى تقرير للجنة الفرعية عن لجنة التقاضى لإعادة النظر فى قواعد الأحكام وطرق الطعن والتنفيذ الجبرى ـ وهى لجنة من لجان مجلس الشعب المشكلة أواخر السبعينات من القرن الماضى للنظر فى مدى ملائمة القوانين الوضعية للشريعة الإسلامية ـ عن مدى شرعية قانون المرافعات : ( ... وانتهت اللجنة إلى أن مواد قانون المرافعات المنظمة لهذه القواعد هى فى مجموعها غير مخالفة للشريعة الإسلامية، وذلك استناداً إلى المصالح المرسلة، وهى دليل من أدلة الفقه الإسلامى معمول به منذ نشأة هذا الفقه ) .
وتأسيساً على ذلك فإن اللجنة ( لا ترى إعادة النظر إلا فى بعض القواعد التى ترى أن بعضها مخالف لأحكام الشريعة الإسلامية, وبعضها الآخر يحسن تعديله لتكون نصوص القانون أكثر تحقيقاً لمقاصد الشريعة وأهدافها ) .
أى أن اللجنة رأت أن مواد قانون وضعى ـ فى مجموعها ـ غير مخالفة للشريعة الإسلامية, وذلك لأن نهج اللجنة فى اعتبار شرعية القوانين الوضعية ( عدم مخالفتها للشريعة الإسلامية ) .
بينما يرى  آخرون أنه ليس هناك فى الشريعة الإسلامية ما يسمى ( ما لا يخالف الشريعة الإسلامية )؛ فالأحكام فى الشريعة الإسلامية إما أن تكون صادرة عن أدلتها المختلفة : الكتاب والسنة والإجماع .. الخ, فتكون الأحكام من الشريعة, وإما أن تكون غير صادرة عنها فليست منها, وليست هناك منطقة وسطى تسمى ( ما لا يخالف الشريعة الإسلامية )؛ فما لا يخالف الشريعة الإسلامية ليس من الشريعة الإسلامية, وقد أمرنا أن نحكم ( بما أنزل الله ) أى بالشريعة، لا ( بما لا يخالف مثل ما أنزل الله ), ولا ( حتى بمثل ما أنزل الله)  .
وقد كان هذا الرأى هو الذى استقر على العمل به مجلس الشعب حين اتخذ قراره التاريخى فى 17 من ديسمبر سنة 1978م بالبدء فى تقنين أحكام الشريعة الإسلامية، حيث كانت من أهم الملامح الأساسية لهذه التقنينات أنها ( مأخوذة من الشريعة الإسلامية نصاً أو مخرجة على حكم شرعى أو أصل من أصولها، دون التقيد بمذهب فقهى معين .... كما حرصت اللجان الفنية التى تولت إعداد هذه التشريعات على بيان الأصل الشرعى لكل نص من النصوص أو الأصل أو المبدأ الذى خرجت الحكم عليه حتى يكون الرجوع فى التفسير والتأويل إلى مراجع الفقه الإسلامى بدلاً من الالتجاء دائماً إلى الفقه الأجنبى ) .
وحين رأت اللجنة الخاصة بتقنين إجراءات التقاضى والمرافعات ـ المشار إليها سابقاً ـ  أن تراجع وتستعرض نصوص قانون المرافعات المطبق لتحديد ما يخالف منها الشريعة الإسلامية فتلغيه أو تعدله بما يتفق مع الأحكام الشرعية وما لا يخالفها فتبقيه على حاله , وذلك رغبة فى سرعة الإنجاز , رفضت اللجنة العامة هذه الطريقة وأعادت تقرير اللجنة إليها لتأصيل المواد التى اشتمل عليها جميعها , ولربط التشريع بمصادره الأصلية من الكتب الشرعية, وعدم الاقتصار على تعديل ما يخالف أحكام الشريعة الإسلامية وإبقاء ما لا يخالفها .
أى أنه طبقاً لهذا الرأى لا يكفى أن تكون القوانين الوضعية متفقة مع أحكام الشريعة الإسلامية للقول بشرعيتها؛ فمجرد هذا الاتفاق لا يمنحها الصبغة الإسلامية , ولا يضفى عليها الشرعية الإسلامية.
إنما يتحقق ذلك بأن تستند القوانين الوضعية إلى الشريعة الإسلامية وتنطلق منها , بحيث ترتبط بالفلسفة العامة للإسلام, وبالمقاصد الكلية للشريعة، وتستند إلى الأدلة الشرعية الجزئية فى مختلف القوانين .
وأرى أن هذا الرأى هو الصواب؛ فالالتزام بالشريعة الإسلامية يعنى تطبيق مبادئها وأحكامها, وعدم الخروج على هذه المبادئ والأحكام, وعلى هذا يكون القانون ملتزماً بالشريعة الإسلامية إذا توافر فيه شرطان :
الأول : أن تكون نصوصه وأحكامه صادرة عن الشريعة الإسلامية بأدلتها المختلفة .
الثانى : ألا يوجد ـ من باب أولى  ـ فى نصوص القانون وأحكامه ما يخالف الشريعة الإسلامية.    
ولا يعنى ذلك عدم الاستعانة، أو الاقتباس من قوانين أخرى غير الشريعة الإسلامية، فذلك ممكن، وقد يكون ضرورة ، ولكن يجب أن تعرض هذه الأحكام المقتبسة من قوانين أخرى غير الشريعة الإسلامية  ـ لكى تكون شرعية ـ على أدلة الشريعة المختلفة، فإن وافقتها؛ انصهرت فيها، وصارت جزءاً منها، وفقدت مصدرها الأول، وإن لم توافقها؛ فإنها تظل غريبة عنها، ولا تكون منها .
 والحكم بمخالفة نص أو حكم معين ـ مقتبس من قانون أجنبى ـ للشريعة الإسلامية، قد يكون يسيراً فى الأحكام المخالفة صراحة للشريعة الإسلامية، ولكن الأمر قد يحتاج لعميق بحث واجتهاد للتوصل لمدى ملائمة نص أو حكم معين ـ مقتبس من قانون أجنبى ـ للشريعة من عدمه ـ  رغم عدم تعارض هذا النص أو الحكم مع نص أو حكم صريح من نصوص وأحكام الشريعة الإسلامية ـ خاصة إذا راعينا فى ذلك طبيعة الإسلام وشريعته من حيث هو نظام متكامل متناسق مترابط، لا يمكن الحكم عليه، وعلى شريعته عند التطبيق إلا بمراعاة خصائصه تلك، وإلا فإن إدخال عنصر أجنبى غريب على الشريعة الإسلامية قد يعيق إظهار هذه الشريعة بطبيعتها الحقيقية، ما دام هذا العنصر لم يراعى ـ عند اختياره ـ خصائصها وطبيعتها.

أضف تعليقك