• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
منذ ثانية واحدة

يعرف سعر الصرف بأنه السعر الذي يتم به مبادلة عملة بلد ما بعملة بلد آخر، فهو يمثل عدد الوحدات من النقد المحلي التي تتم مبادلتها بوحدة واحدة من النقد الأجنبي. كما يمكن النظر إلى سعر الصرف أيضا على أنه عدد الوحدات من العملة الأجنبية التي تدفع ثمنا لوحدة واحدة من العملة الوطنية.

ويمكن النظر إلى سعر الصرف على أنه المرآة التي ينعكس عليها مركز الدولة التجاري مع العالم الخارجي لارتباطه بصفة رئيسة بالصادرات والواردات. ويقع على عاتق البنك المركزي إدارة سعر الصرف إدارة  اقتصادية متوازنة ضمن سياسته النقدية بهدف الحفاظ على القوة الشرائية للعملة الوطنية واستقرارها.

ويختلف نظام سعر الصرف من دولة لأخرى، فهناك نظام سعر الصرف الثابت وفيه يتم تحديد سعر الصرف من خلال تعادل للعملة على أساس معين أو قاعدة معينة، سواء كان هذا الأساس ذهبا أو عملة رئيسة تستند بدورها إلى الذهب أو إلى سلة من عملات رئيسة أو مادة أولية. وهناك نظام سعر الصرف الحر أو المرن وفيه يترك سعر الصرف حرا يتحدد طبقا لتفاعل قوى العرض والطلب. وهذا النظام الذي يطلق عليه نظام تعويم العملات في حقيقته لا يترك قوى العرض والطلب بصورة كلية لتحديد سعر الصرف فمن غير المعقول أن تترك الدولة مصير استقرارها الاقتصادي رهنا لتقلبات قوى العرض والطلب، لذلك فإن الواقع العملي يؤكد أن البنك المركزي يتخذ ما يراه مناسبا من الإجراءات للـتأثير على سعر الصرف في الاتجاه الذي يرغب فيه تفاديا لحدوث أزمات داخل الاقتصاد وهو ما يعرف بالتعويم المدار، وقد يكون التعويم المدار نظيفا أو غير نظيف.

والتعويم المدار النظيف يتم من خلاله التدخل في سوق النقد الأجنبي عن طريق قيام البنك المركزي بوضع سعر مركزي للعملة الأجنبية ثم وضع حد أقصى وحد أدنى لسعر صرف العملة الأجنبية مع تعويم العملة الأجنبية بالسماح لها بالتقلب بين الحدين اعتمادا على قيام البنك المركزي بالبيع أو الشراء للعملة الأجنبية لحماية سعر العملة الوطنية من التغيرات العارضة أو التي تسببها عمليات المضاربة. فإذا ما اقترب سعر صرف العملة الأجنبية من الحد الأقصى أو تجاوزه فإن البنك المركزي يتدخل في سوق الصرف الأجنبي بائعا للعمل الصعبة فيزيد عرضها مما يدفع السعر للانخفاض والعكس صحيح.

أما التعويم المدار غير النظيف فمن خلاله يقوم البنك المركزي ببيع أو شراء العملة الأجنبية بقصد التأثير على العملة الوطنية لتحقيق هدف معين ومن ذلك بيع العملة الوطنية بهدف زيادة المعروض منها وتخفيض قيمتها من أجل تخفيض أسعار الصادرات لزيادة الطلب عليها، أو بشراء العملة الوطنية لزيادة الطلب عليها وبالتالي زيادة قيمتها لمنع رؤوس الأموال من التسرب إلى الخارج ، وقد يتسبب هذا النظام في حرب بين السلطات لبعض الدول، وذلك باتخاذ إجراءات وإجراءات مضادة قد تسبب اضطراب أسواق النقد الدولية.

وقد شهد سعر صرف الجنيه المصري انخفاضا ملحوظا منذ الإنقلاب العسكري حتى وقتنا هذا حيث زاد سعر الدولار من 7.03 جنيه في بداية الإنقلاب إلى نحو 14.25 جنيه في السوق الموازية في وقتنا الحالي لينخفض بذلك الجنيه بنسبة  تقترب من 103% في الوقت الذي ما زال فيه الانفصام بين السعر الرسمي للدولار (8.88 جنيه) والسعر غير الرسمي هو سيد الموقف. وقد زادت هذه الفجوة بين السعرين بصفة خاصة بعد وجود تكهنات واضحة باتجاه البنك المركزي لتعويم الجنيه، وتشير بعض التقديرات إلى أن سعر الدولار وفقا للتعويم سيقدر بنحو 11.75 وهو ما يعني انخفاض الجنيه بصفة رسمية بأكثر من 30%.

إن القضية في مصر ليست قضية تعويم بقدر ما هي قضية تصدير فمصر تمر بظروف اقتصادية والاتجاه للتعويم في تلك الظروف وهذا التوقيت كارثة بكل المقاييس. فتعويم الجنيه سوف يترتب عليه غلاء الأسعار بصورة مضاعفة في ظل ما يشهده الاقتصاد المصري من ارتفاع التضخم السنوي الرسمي في أغسطس الماضي إلى نسبة 16.4% وتطبيق ضريبة القيمة المُضافة في سبتمبر الماضي، ولن يتوقف ارتفاع الأسعار علي السلع المستوردة فقط بل سيمتد للسلع المحلية التي قوامها الاعتماد علي مكونات الانتاج من الخارج وكافة السلع المحلية، خاصة ونحن نستورد 70% من غذائنا من الخارج وهو ما يعني ارتفاع فاتورة الغذاء بصفة خاصة فضلا عن إرتفاع فاتورة الكساء والدواء ومتطلبات المصريين بصفة عامة.

ولن تتوقف تبعات  التعويم على ذلك بل إن سيمتد إلى إهدار الاحتياطي من النقد الأجنبي لدي البنك المركزي الذي هو في حقيقته قروضا، كما أن عجز الموازنة سيشهد تزايدا بفعل زيادة أعباء الديون الخارجية نتيجة ارتفاع سعر الدولار، هذه الديون التي تتسابق الحكومة في الحصول على مزيد منها وما يرتبط بها من شروط مجحفة تفقد مصر استقلالها وتنهي أمل الحياة الكريمة لأجيالها، وليس قرار التعويم إلا خضوعا لإملاءات المؤسسات الدولية والحصول على قرض صندوق النقد الدولي الذي يصل بقيمة الدين العام الخارجي لأكثر من 75 مليار دولار بزيادة بنحو 75% في عهد الإنقلاب وحده. وقد أعلنتها لا جارد صريحة أنه لا موافقة على قرض صندوق النقد الدولي بدون تقليص الدعم وخفض العملة.

إن تعويم الجنيه المصري لن يزيد الأزمة إلا اشتعالا والفقر إلا انتشارا ، وسيدخل الاقتصاد المصري في ركود تضخمي لا محالة يجتمع فيه التضخم مع البطالة ، واتجاه النظام الإنقلابي لمعالجة العرض وترك السبب لن يوقف الارتفاع في سعر الدولار في ظل سوق سوداء بفعل فاعل وأيدي خفية تسعى لمصالحها الشخصية.  ولا أمل في استقرار سعر الصرف إلا بزيادة موارد مصر الدولارية وفي مقدمتها الصادرات ولن يكون ذلك إلا بتوافر العدالة والاستقرار، ولكن هيهات هيهات لنظام لا يعرف سوى الظلم والتقلبات، ولا هم له إلا تغريق الوطن واستعباد المواطن.

أضف تعليقك