لدي خمس ملاحظات على حوار الرئيس السيسي مع رؤساء الصحف القومية الثلاث، استخلصتها مما نشرته صحيفة الأهرام أمس (15 أكتوبر). وهي ليست كل ما عندي، ولكنها الأهم، على الأقل فذلك ما خرجت به من مطالعة الجزء الأول من الحوار. الملاحظات هي:
1ــ أن العنوان الأبرز لذلك الجزء من الحوار كان كالتالي: الإصلاح الأمل الحقيقي في مستقبل أفضل. وقد نشرت الجريدة ذلك العنوان باللون الأحمر؛ لإضفاء أهمية خاصة عليه، وكأنه اكتشاف غير مسبوق لم ينتبه إليه أحد. في حين أن أصوات العقلاء بحت طوال السنتين الأخيرتين وهي تطالب الرئيس بالإصلاح. وإذا به هذه المرة يرفع الراية متبنيا الدعوة ذاتها، وكأنها مسؤولية المجتمع وليست واجب السلطة.
2ــ أن الرئيس وهو يحاول إقناع الرأي العام بجدية خطوات الإصلاح، فإنه فاجأنا بأن المسألة تتمثل فقط في الأزمة الاقتصادية. وكأنه لا توجد في مصر أزمة سياسية. فقد وجدناه يتحدث عن توفير السلع الاستراتيجية لمدة ستة أشهر، وعن تجهيز نصف مليون فدان للمستثمرين الصغار والكبار، ومراجعة البطاقات التموينية، وزيادة منافذ توزيع السلع، وترشيد استهلاك الكهرباء والمياه والغاز، وإنشاء أربع مدن جديدة، وافتتاح ما بين ألف و2500 حوض للأسماك، مع طرح بعض أحواض المزارع السمكية للإيجار... إلخ.
ورغم أن كل ذلك إيجابي إذا تحقق، إلا أنه يعكس تصورا خطيرا؛ لأنه يغلق الأفق أمام احتمالات الإصلاح السياسي، الذي هو أحد المداخل الرئيسية للإصلاح الاقتصادي. وإذا لم يتم تدارك تلك الثغرة في الجزء الثاني من حديثه، فإن الإصلاح المنشود سيفرغ من مضمونه، وسيتعين علينا أن نتحمل ثمن اليأس والإحباط والاحتقان لأجل غير معلوم.
3ــ طالب الرئيس الناس بالاحتمال، وهو محق في ذلك، لا ريب، لأن البناء والتقدم له تبعاته. لكنه بذلك طالبهم بأن يؤدوا ما عليهم من واجبات، دون أن يقنعهم بأن لهم حقوقا واجبة الأداء، وذلك تصور دأب الرئيس على طرحه في الآونة الأخيرة بوجه أخص. حتى أنه دعاهم ألا يناموا، وأن يجوعوا إذا أرادوا أن يحافظوا على كرامة بلدهم وكبريائه. وذلك بدوره مطلب مشروع، إلا أنه لن يكون له صدى يذكر إلا إذا استوفى المواطنون حقوقهم، وشعروا بأنهم ليسوا رعايا يسوقهم الراعي إلى حيث يريد، ولكنهم شركاء لهم الحق في معرفة ما يجري، كما أن لهم الحق في النقد والمراجعة والمشاركة في تصويب المسار.
4ــ أبرز الرئيس دور الجيش في تأمين مصر ومنطقة الخليج، وفي الدفاع عن الأمن القومي العربي. وكان قد تحدث في وقت سابق عن استعداد القوات المسلحة للانتشار في ربوع مصر خلال ست ساعات. وهو كلام يحتفي به المرء ويعتز به لأول وهلة، لكنه لا يبدد حيرته حين يجد أن الوضع مضطرب في سيناء منذ ثلاث سنوات. وأن بعض رجال الشرطة والقوات المسلحة يقتلون كل يوم هناك، كما أن أعدادا من المواطنين يقتلون باعتبارهم «إرهابيين». ومحظور على الرأي العام أن يفهم ما يجري على الجانبين، فلم نعرف لماذا يستمر قتل الأولين حينا بعد حين؟ ومن هم الإرهابيون الآخرون؟ ولماذا يظل الموقف في سيناء خارج السيطرة؟ وأما لذلك الصراع من نهاية؟
5ــ هذه هي المرة الثانية التي يدعَى فيها رؤساء الصحف القومية كي ينقلوا إلى الرأي العام رؤيته وتصوراته لما يجري في الساحة المصرية، ولأن الرئيس أصبح لا يفوت فرصة إلا ويحاول شرح تلك الرؤية، فإن السؤال الذي يثار في هذا الصدد هو: لماذا يضطر الرئيس لأن يتكلم بين الحين والآخر؟ ولماذا لا يترك الحديث للأفعال التي هي أبلغ في إيصال الرسالة المطلوبة؟
أضف تعليقك