الفيلم الفلسطيني الذي عرض في مصر خلال الأسبوع الماضي لم يكن مقنعا، لا في فكرته ولا في تنفيذه وإخراجه. أتحدث عن مؤتمر «مصر والقضية الفلسطينية» الذي قيل إنه «أكاديمي» دعا إليه مركز مصري لدراسات الشرق الأوسط، وعقد في منتجع العين السخنة بحضور بعض الشخصيات المصرية. ذلك أنه تبين أن المؤتمر لا علاقة له بمصر أو بالقضية الفلسطينية. وأن المركز المصري الذي دعا إليه تابع لإحدى الجهات السيادية، ولم يكن سوى غطاء لبعض المناورات التي تجريها أطراف متصارعة في القيادة الفلسطينية، ثم إنه كان مؤتمرا فرضته حسابات داخلية بحتة، وجرى استدعاء بعض الأكاديميين للظهور على منصته من باب التجمل واستكمال الديكور.
قصة المؤتمر متداولة منذ أسابيع في وسائل الإعلام الفلسطينية. وأطرافها هم قادة فتح الذين يتنافسون الآن على خلافة الرئيس الحالي محمود عباس، الذي انتهت مدته وتجاوز الثمانين من العمر. إذ معروف أن ثمة خلافا شخصيا عميقا بين الرئيس أبو مازن وعضو اللجنة المركزية محمد دحلان، أدى إلى فصل الأخير ومعه آخرون من أنصاره في اللجنة المركزية. الذين وصفوا بأنهم «متجنحون» والرائج في الأوساط الفلسطينية أن دحلان مستمر في تحدي الرئيس أبو مازن، كما أنه يطمح إلى خلافته في رئاسة السلطة. والخطوة الأولى في رحلة الاستخلاف المفترضة تتمثل في إلغاء قرار فصله وإعادته إلى حركة فتح، أسوة بآخرين ممن أعيدوا إلى اللجنة المركزية. قصة الخلاف طويلة وتفاصيله تتضمن تجريحا شديدا تبادله الرجلان (أبو مازن ودحلان)، وهو ما ليس لنا أن نخوض فيه، لأن اللغط الفلسطيني بخصوصه كثير، فضلا عن أنه شأن لا علاقة له بالقضية، وإنما يخص الحركة التي انقسم أعضاؤها إلى معسكرين أحدهما مع أبو مازن والثاني يضم أقلية في صف دحلان، الذي توافرت له إمكانات مادية ساعدته على اختراق العديد من المواقع المؤثرة في الضفة وقطاع غزة.
في ظل الصراع الدائر بين الرجلين، فإن الحديث عن الانقسام الفلسطيني في الوقت الراهن لم يعد ينصرف إلى العلاقة بين حركة فتح وحماس، ولكنه أصبح يشير إلى الصراع الحاصل داخل حركة فتح ذاتها بين جناحي أبو مازن ودحلان. (ما بين فتح وحماس في قاموس الخطاب الفلسطيني أصبح يشار إليه بمصطلح المصالحة).
منذ أثير موضوع خلافة الرئيس محمود عباس ترشحت لذلك عدة أسماء كان من بينها محمد دحلان، الذي تميز عن غيره بأنه أصبح مدعوما من جانب بعض الدول العربية، إضافة إلى علاقاته الوثيقة بالإسرائيليين والأمريكيين. وقيل في هذا الصدد إن القاهرة تساند دحلان في صراعه مع أبو مازن، الذي كرر اعتراضه أخيرا على تدخل الدول العربية في الشأن الداخلي الفلسطيني. وتوافرت عدة قرائن أيدت تلك الفكرة، كان من بينها أن استقبال القاهرة للمؤتمر اعتبر بمنزلة ضغط مصري على أبو مازن. علما بأنها فتحت معبر رفح خصيصا لمرور أنصاره القادمين من غزة، منها أيضا قيام المركز التابع للجهة السيادية بتنظيم مؤتمره. أضف إلى ذلك أن بعض الأكاديميين العاملين في المركز المصري المذكور كتبوا في الصحف المحلية داعين صراحة إلى ترجيح كفة دحلان، وكان ذلك ضمن مقالات نشرت محبذة التطبيع مع إسرائيل بدعوى أنها تغيرت(!).
المؤتمر اعتبر تظاهرة لصالح دحلان الذي اقتضى الإخراج غيابه، لكنه حضر في البيان النهائي الذي دعا إلى ضرورة «تعزيز الوحدة الوطنية وإتمام المصالحة وإنهاء الانقسام لاستكمال مشروع التحرر الوطني».
أسامة القواسمي الناطق باسم حركة فتح اعتبر عقد المؤتمر بالقاهرة تدخلا في الشأن الفلسطيني الداخلي، وقال إن ما يصدر عنه «باطل وغير شرعي». كما أن أمناء سر حركة فتح بأقاليم الضفة الغربية اجتمعوا وأصدروا بيانا ذكروا فيه أن عقده خارج إطار الشرعية يعد تدخلا مخجلا من جانب الأيدي التي تعبث بالشأن الفلسطيني. وقالوا إنه تمت مقاطعته من جانب «أبناء فتح الغيورين الشرفاء والوطنيين الأحرار».
ما جرى يثير سؤالين، أحدهما يتعلق بخلفيات المؤتمر الذي اعتذر أمين الجامعة العربية عن عدم حضور جلسته الأخيرة، وهو كالتالي: إذا كان إخراج الفيلم فلسطينيا، فهل هناك شريك عربي في إنتاجه وما هي أهدافه إن وجد؟ أما السؤال الثاني فهو يتعلق بدلالة استضافة مصر للمؤتمر، وما إذا كانت تعني أن ثمة تغييرا في موقفها، بحيث انتقلت من منصة الراعي للقضية إلى موقع الطرف المشارك في صراعاتها؟
أضف تعليقك